وردة الترك واحدة من أهم الشعراء الذين لمعوا في القرن التاسع عشر، تحديدًا في العصر الشهابي، وهي ابنة الأديب والشاعر نقولا الترك اليوناني الأصل، والذي قرأت عليه فبرعت في تنظيم الموشحات وشعر المدح، ومدحت الأمير بشير الشهابي الثاني وباي تونس وغيرهم، ومع الأسف فقد ضاعت معظم أشعارها ولم يبق منها إلا أجزاء بسيطة روى بعضها جرجس بن صفا.

نشأة الشاعرة وردة الترك وحياتها

وردة الترك هي وردة بنت نقولا بن يوسف بن ناصيف الترك الإسطنبولي، التي ولدت في دير القمر  بجبل لبنان عام 1797م، وأسرتها يونانية الأصل حضرت من إسطنبول لذلك لقبت باسم الإسطنبولي الذي تغير فيما بعد إلى "الترك"، يقال أن والدها من أصل ملكي، أو أنه سليل لأسرة رومانية أرثوذكسية تعربت واعتنقت المذهب الكاثوليكي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وهناك نظرية أخرى تبناها الأديب والمؤرخ الكبير فيليب الطرزي المتخصص في تاريخ الفكر والثقافة العربية عمومًا واللبنانية خصوصًا، يقول فيها إن عائلة الترك غير ملكية وإنما هي عائلة من عائلات الأرمن الكاثوليك.

وقد تربت وردة على يد والدها الذي كان أديبًا مخضرمًا فأخذت عنه العلوم والمعارف وبرعت في تنظيم الشعر، وكتبت أشعار والدها ونظمتها بعد أن أصيب بالعمى في أواخر أيامه، وقد تخصصت وردة في شعر المديح ومدحت في عصرها الكثير من الشخصيات المهمة مثل الأمير بشير الشهابي الثاني وباي تونس وبطرس كرامة وغيرهم، واشتهرت بقدرتها الفائقة على تنظيم الموشحات والزجل، فكانت واحدة من أهم شعراء عصرها في بلاد الشام، في الوقت الذي كانت فيه النساء لا يعرفن شيئًا سوى الغزل والتطريز، وقد كانت وردة بارعة في اللغة العربية وتميزت بحسن خطها، لكن مع الأسف ضاع معظم شعرها ولم يصل منه إلا أشياء بسيطة.

الحياة الأدبية للشاعرة وردة الترك وإسهاماتها المجتمعية

كانت وردة الترك واحدة من أهم الشعراء النساء اللواتي برزن في المجتمع الأدبي النسائي، مما ساهم في تعزيز مكانة المرأة ونهوضها في القرن التاسع عشر، إذ إن وردة لم تقم بتنظيم الشعر الذي ساعد على إحياء اللغة والأدب العربي الكلاسيكي فحسب، بل إنها ساعدت على تمكين المرأة في منطقة جبل لبنان وشرق البحر الأبيض المتوسط والولايات المتحدة وأوروبا عن طريق أشعارها وكتاباتها القوية والمؤثرة، واستطاعت بجانب شعراء عصرها الآخرين أن تلهم الجيل الجديد من الشاعرات والكاتبات المتخصصات في قضايا المرأة والساعيات لنيلها حرياتها ومكانتها.

ففي خلال القرن التاسع عشر شهد العالم العربي صحوة أطلق عليها اسم "النهضة"، كانت في كل من لبنان ومصر وسوريا، وهذه الحركة مكنت النساء من نيل حريتهن بنسبة كبيرة، فبدأت النساء في ممارسة الشعر والغناء والكتابة والحكم، وكانت الشاعرة وردة الترك على رأس النساء اللواتي ظهرن في هذه الفترة وساهمن في تمكين المرأة من خلال أشعارهها، ولسوء الحظ لم يصل لنا من أعمالها إلا القليل، لكنها كانت بارعة في كتابة الموشحات والزجل اللذان يُعدّان من أهم أنواع المواضيع التراثية.

بجانب أنها كتبت في الغزل والرثاء والمدح، وهذا يتضح في مدحها للأمير بشير شهاب الثاني أمير جبل لبنان، الذي كانت معجبة به كثيرًا، وكذلك مدحها لباي التونسي الذي كانت تشيد به دائمًا، والأعمال القليلة الباقية من أشعارها وكتاباتها ظلت محفوظة بفضل مجهودات المؤرخ اللبناني جرجس بن صفا ابن دير القمر، وقد أهدّت الشاعرة وردة اليازجي ديوانها "حديقة الورد" للشاعرة وردة الترك، والذي قالت فيه:

يا وردة التركِ إني وردةُ العَرَبِ                         فبيننا قد وجدنا أَقرَبَ النَّسَبِ

أعطاكِ والدكِ الفنِّ الذي اشتهرت                      الطافهُ بين أهل العلم والأَدَبِ

فكنتِ بين نساءِ العصر راقيةً                          أعلى المنازل ف يالأقدار والرُّتَبِ

يا من جلت دُرَّ لفظٍ جآءَ يخبرنا                      عن لطف خُلقٍ أتى في الناس بالعجبِ

أنتِ التي شَغَفَت قلب المحبّ بها                      على السماع فكانت عنهُ لم تَغِبِ

كريمةٌ شَنَّفَت أخبارها أُذُني                            لكن توارت عن الأبصار في الحُجُبِ

قد شرَّفَت قدر هذا الفنّ بارزةً                        بحسن لطفٍ ورأيٍ غير مضطربِ

تزيّنُ الطرس في خطٍّ تنمقهُ                              فينجلي مثل عقد اللؤلؤِ الرَّطِبِ

 

 وفاة وردة الترك

استمرت الشاعرة وردة الترك في دراسة الأدب والكتابة حتى توفي والدها عام 1828م، فحزنت عليه حزنًا شديدًا وتوقفت عن كتابة أي قصائد، ودخلت في حالة من الحداد والعزلة الشديدة، حتى توفيت عام 1873م.

أجمل أشعار وردة الترك

على الرغم من أن الأشعار التي وصلت إلينا من وردة الترك ليست كثيرة، إلا أنها لا تزال من أجمل الأشعار في تاريخ الأدب العربي، ومن أجمل هذه الأبيات على سبيل المثال ما يأتي:

قاتلي من أسمر في قده                          كم له بي من شرود صدقت

هل ترى الخال الذي‌ في خده                  نقطة من كبدي قد سرقت

ليت شعري هل له في رده                       حيث عيني مالي رمقت

ومن زجلها:

يا يوسف الحسن بالله الفريد الأحد     ما نال ما نلته بين البرايا أحد

ها رمش عينيك من بيض الهنادي أحد

جمالك الحال                                      في سواد فؤادي حال

والقلب ما حال                                     في الماضي ولا في الحال

صل وأرحم الحال                                 يا من عقد صدري حال

إن لم يكن جمعة قالسب أم في الأحد