لا يمكن الإشارة إلى الأدب الفرنسي والإشادة بدوره في إثراء الأدب العالمي ومساهمته في الإرتقاء به دون الإشارة إلى الأدب الفرانكفوني والإشادة بمساهماته وإسهامات رواده ومبدعيه، فإنتاجات هؤلاء المبدعين وإسهاماتهم أصبحت جزءً لا يتجزأ من الآداب الفرنسية رغم أنها تعبّر عن واقع يختلف كليًا عن الواقع الفرنسي وواقع الفرنسيين، فما معنى مصطلح الفرانكفونية والأدب الفرانكفوني وما الموضوعات التي يتناولها وأسبابه والعوامل التي أدّت إلى ظهوره والانتقادات الموجهة له؟

معنى مصطلح الفرانكفونية

يشير مصطلح "الفرانكفونية" إلى الأشخاص الذين يتحدثون اللغة الفرنسية أو يشتركون في معرفتها، ويُقدر عدد الناطقين باللغة الفرنسية بأكثر من 300 مليون شخص في خمس قارات، لذلك أُنشئت منظمة دولية "المنظمة الدولية للفرانكوفونية" عام 1970 لتعزيز اللغة الفرنسية والتعاون السياسي والتعليمي والاقتصادي بين البلدان الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 88 بلدًا، وتنفذ المنظمة عدة مشاريع متعددة الأطراف ولها أربع وكالات عاملة لدعم تلك المشاريع، ويتمثل هدفها، إلى جانب أهداف أخرى، في تعزيز اللغة الفرنسية والتنوع الثقافي واللغوي.

ووضع عالم الجغرافيا الفرنسي أونزيم ركلو مصطلح الفرانكفونية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي للدلالة على الدول التي تستعمل اللغة الفرنسية ثقافيًا أو تبعية استعمارية، ومع مرور الوقت، ارتبطت هذه الصفة بالمستعمرات الفرنسية القديمة الناطقة كليًا أو جزئيًا باللغة الفرنسية سواء في إفريقيا أو جزء من الشرق الأوسط أو غيرها من المناطق الخاضعة للنفوذ الفرنسي.

مفهوم الأدب الفرانكفوني

الأدب الفرانكفوني (بالإنجليزية: Francophone Literature) هو الأدب المكتوب باللغة الفرنسية من قبل كُتّاب غير فرنسيين من العرب والأفارقة والكنديين والبلجيك في دول أخرى مثل بلجيكا وسويسرا وكندا والسنغال ودول المغرب العربي ولبنان وغيرها من الدول، وليس الأدب الفرنسي الذي أبدعه كُتّاب فرنسيون داخل الحدود الجغرافية والسياسية لدولة فرنسا، وهو الأدب الذي يطوي بين سطوره هموم الشعوب التي رزحت تحت الاحتلال الفرنسي فأصبحت لغتها في التعبير هي اللغة الفرنسية، ورغم التحرير والتعريب بعد الاستقلال، لا يزال عدد من الكُتّاب مستمرين في الكتابة باللغة الفرنسية.

وبدأ مصطلح الأدب الفرانكفوني في الظهور في النصف الثاني من القرن العشرين، وبدأت الإشارة إلى أدباء من عدّة دول، مثل المغرب والجزائر وتونس، بوصفهم أدباء فرانكفويين عقب الاستقلال وانتهاء الاستعمار الفرنسي لأراضي هذه الدول، ومن الجدير ذكره أن هذا المصطلح يرتبط برقعة جغرافية واسعة ويعبّر عن تغلغل الثقافة واللغة الفرنسية وتشعبها في الأراضي والبلدان التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي في الماضي، حتى إن البعض يطلق على هذه الحالة اسم "الإمبريالية الثقافية".

موضوعات الأدب الفرانكفوني

رغم أن هذا النوع من الأدب يتخذ الفرنسية لغة له، لا تعبّر الموضوعات التي يتناولها عن الواقع الفرنسي، بل تعبّر عن المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلدان مبدعيها، بالإضافة إلى موضوعات عن حقوق المرأة ووضعها في المجتمع والمشكلات المطروحة على الساحة الدولية والداخلية، وكانت بعض الموضوعات أيضًا تتناول الاستعمار وترفضه وتندد به حتى إن أحد الأدباء قال إنه يعارض المستعمر بلغة يفهمها من خلال كتاباته، ورأى غيره من الأدباء أن القلم والكتابة والأدب هي وسيلته في النضال ضد المستعمر وفي التعبير عمّا يعانيه أصحاب الأرض تحت وطأة الاستعمار الفرنسي وعنّ رغبتهم في التحرر، وكان هذا النوع من الموضوعات موجهًا بشكلٍ خاص إلى الشعب الفرنسي الذي وقف بعض مثقفيه إلى جانب هذه الرغبة وأيدوها.

بالإضافة إلى الموضوعات أعلاه، تضمنت الموضوعات أيضًا انتقاد الظواهر السلبية في المجتمع مثل ظاهرة الإقطاعي المستبد الذي يرغب في تهذيب عامله الفقير، وانتقاد وضع المرأة المستكينة، إلى جانب بعض الموضوعات التي كان يصعب نشرها بلغة الكاتب الأصلية مثل الحديث عن الإرهاب والحروب الأهلية وانتقاد رأس السلطة والحكومات.

أسباب ظهور الأدب الفرانكفوني

توجد عدة أسباب وعوامل ساهمت في ظهور الأدب الفرانكفوني في بلاد غير فرنسا، بل إن بعض هذا الأدب كُتب في بلاد لا تتحدث الفرنسية بالأساس مثل بلدان المغرب العربي التي تتحدث العربية، وهذه الأسباب والعوامل هي:

الفرنسة

كانت سياسة فرنسا التي انتهجتها تجاه مستعمراتها، مثل الجزائر وبقية دول المغرب العربي وغيرها من الدول غير الناطقة بالفرنسية، هي غرس اللغة الفرنسية في تلك المستعمرات وجعل أهلها ينطقون بها وطمس معالم لغتهم الأم، ففرضت تدريس المناهج باللغة الفرنسية وجعل الأسماء باللغة الفرنسية وتطبيق أنظمة قضائية وإدارية ومالية واقتصادية فرنسية لمحو هوية تلك البلاد وطمسها كليًا.

ضمان الانتشار والنشر

كانت اللغة الفرنسية هي الخيار الأول الذي لا بديل عنه لأدباء الأدب الفرانكفوني في فترة الاحتلال والاستعمار، لكنها الآن صارت الخيار الثقافي الذي يضمن انتشار العمل الأدبي ونشره حيث يلجأ إليها الكاتب طمعًا في التعبير الحر والانتشار والنشر وليس غرامًا وعشقًا باللغة الفرنسية مثلما يقول بعض الأدباء والكُتّاب، والجدير بالذكر أن هناك انتقادات موجهة إلى هذا العامل أو السبب حيث يرى البعض أن الكاتب الفرانكفوني يتناول موضوعات بعيدة عن ثقافة الأدب الفرنسي وواقعه، بجانب أن هذه الموضوعات ليست محسوبة على الأدب العربي لأنها ليست مكتوبة باللغة العربية، ولذلك فإن قراءه ليسوا عربًا إلا من ينطق منهم باللغة الفرنسية.

ويرى آخرون أن الكُتّاب الفرانكوفيين يمثلون الفكر الفرنسي والمجتمع الفرنسي أكثر من مجتمعهم العربي، لأن اللغة لها تأثير على الفن مثل تأثيرها على الفكر، ولأن الشكل قد يخفي المضمون، فإن الكتابة باللغة الفرنسية قد تقيد الكُتّاب، والأدباء العرب الذين يكتبون بالفرنسية لا يكون لهم التأثير الكافي في إثارة المجتمع.

ضعف المعرفة باللغة الأم

بالرغم من محاولة العودة إلى اللغة الأم بعد زوال الاستعمار، ظل العديد من الشعوب لا يجيدون التكلم بلغتهم الأم والتعبير بها، مثل اللغة العربية في دول المغرب العربي، حيث تُستخدم اللغة العربية الفصحى في المدارس فقط وهي غير متداولة خارجها ويصعب فهمها، وبالتالي يصعب الكتابة بها. ويرى البعض أن السبب هو أن اللغات المحلية واللهجات في هذه البلدان شفوية، أي للتحدث فقط وليست للكتابة، بجانب ارتفاع نسبة الأمية فيها إذ لا يوجد قُرّاء هناك، ويسعى الكاتب إلى إيجاد وسيلة يقرأها عدد كبير من الناس ويفهمونها وهو ما يجعله يفضل الكتابة بالفرنسية التي أصبحت اللغة الثانية في تلك المجتمعات ولها قرّاءها!

بعض الانتقادات الموجهة إلى الأدب الفرانكفوني والفرانكفونية

رغم انتشار الأدب الفرانكفوني ومساهمته الكبيرة في الأدب العالمي وفي طرح قضايا حساسة ومهمة تخصّ الشعوب الفرانكفونية، توجه بعض الانتقادات إلى هذا النوع من الأدب كما يلي:

الغزو الفكري والثقافي

يرى البعض اليوم أن أيدلوجية الفرانكفونية لها مخاطر كبيرة على الهوية المدنية والحضارية للشعوب المتأثرة بها، حيث لا تخفي الفرانكفونية سعيها لإحلال القوانين العلمانية الفرنسية محل القوانين المحلية في الدول الأعضاء التي معظمها دول عربية وإسلامية، وذلك باسم الديموقراطية والتطور؛ فقد أوصت القمة الفرانكفونية الرابعة بضرورة تأسيس هوية قانونية تزود الدول الفرانكفونية بلوائح ودراسات قانونية في مجال القضاء ونظام الأسرة لتمكين هذه الدول من الاعتماد على نصوص قوانين علمانية موحدة.

تهميش اللغة الأم

يُكتب الأدب الفرانكفوني باللغة الفرنسية، لذلك لا يمكن القول إن النص المكتوب بالفرنسية أدب عربي –على سبيل المثال- حيث لا يكفي بأن يكون المؤلف أو الكاتب عربي لكي يُحسب إنتاجه الأدبي على اللغة العربية، بل يجب أن تكون لغة النص ذاتها هي العربية، وإن أي رواية تُكتب باللغة الفرنسية لن تقوي وتثري سوى اللغة الفرنسية والأدب الفرنسي.

إغفال واقع البلدان الفرانكفونية

نشأ الأدب الفرانكفوني في البداية للحديث عن واقع البلدان الفرانكفونية ضمن موضوعات أخرى، لكن الملاحظ الآن هو هيمنة واقع الهجرة السرية والتهميش والدونية والهامشية والتشدد الديني والحروب الكونية والبؤس على موضوعات الأدب الفرانكفوني، بل إن بعض دور النشر ترسخ الصورة النمطية القائمة على تشويه واقع تلك البلدان من أجل الربح التجاري

أشهر أدباء الأدب الفرانكفوني

يعجّ الأدب الفرانكفوني بالكثير من المبدعين الذين أثروا الساحة الأدبية بأعمالهم ومنهم الروائي الجزائري كاتب ياسين الذي يقول إن "اللغة العربية منفاي"، والكاتب المغربي طاهر بن جلون الذي يعترف بأن ما يمنعه من الكتابة باللغة العربية هو "أن لغته الفرنسية تتفوق على لغته العربية"، والكاتب رشيد بوجدرة الذي كتب سبع روايات باللغة الفرنسية ثم انتقل إلى الكتابة باللغة العربية لكنه لم يبدع فيها كما أبدع بالفرنسية التي يتقنها ويتمكن منها، وهناك أيضًا الكاتب واسيني الأعرج الذي كتب باللغتين العربية والفرنسية، وزينب الأعرج وياسمينة خضرا وأمين الزاوي وغيرهم.