برز الأدب الإفريقي في العصر الحديث عنصرًا حقيقيًا من عناصر العولمة الثقافية في إفريقيا بعد أن هوجم وشوه من قبل الغربيين بوصفه أنه لا يرقى للعالمية الفكرية، إذ استُخدِمَ التاريخ والأدب الأوروبي أدوات لترسيخ الإمبريالية في الدول الإفريقية المستعمرة وتشويه تاريخها وأدبها، هذا التشويه المشتق من الغرور الغربي الذي عدّ نفسه متفوقًا على كل فكرة ناتجة من أي جنس من أجناس الأرض، وعليه نُظر للأدب الإفريقي بأنه انبثاق عن عالم متخلف لا يستحق أي اهتمام بحجة أن أغلب الأدب الإفريقي له جذور في التقاليد الشفوية، إلا أن الثورة الثقافية في إفريقيا ساعدت على التخلص من الاستعمار الأدبي الإفريقي، وظهر الأدب الإفريقي أيقونة مستقلة بين أنواع الأدب العالمي.

مفهوم الأدب الإفريقي

الأدب الإفريقي (بالإنجليزية: African Literature) هو كافة الآداب التقليدية الشفوية والمكتوبة باللغات الإفريقية والأفرو آسيوية -اللغات الموجودة في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة غرب آسيا- إضافة إلى الأعمال المكتوبة باللغات الأوروبية من قبل الأدباء الأفارقة، وتجدر الإشارة إلى أن الأدب الإفريقي المكتوب يقتصر على مناطق صغيرة مقارنة بالأدب الشفوي الذي يُعدّ من أهم عوامل تميز ثقافات جنوب الصحراء الكبرى في قارة إفريقيا.

ويمكن تعريف الأدب الإفريقي على أنه مجموع الأعمال الأدبية الشفوية والكتابية للقارة الإفريقية المكتوبة باللغات الاستعمارية الفرنسية والبرتغالية والإنجليزية، إلى جانب الأدب المكتوب بلغة الهوسا (لغة نيجيريا) ولغة الجيز (الجعزية) والأمهرية (الإثيوبية)، وتجدر الإشارة إلى أن الأدب الإفريقي المكتوب باللغة الأوربية حديث العهد إذ يعود تاريخه إلى القرن العشرين ميلادي.

تاريخ الأدب الإفريقي وتطوره

مرّ الأدب الإفريقي بالعديد من المراحل وتطور خلالها وفيما يأتي أهم المراحل التاريخية للأدب الإفريقي:

  • الأدب الإفريقي الشفوي

ظهر الأدب الشفوي الإفريقي منذ آلاف السنين وسيلة من الوسائل التي يتم من خلالها تكوين الماضي من منظور الحاضر، إذ استخدم في هذه المرحلة السرد القصصي القائم على استخدام الصور الواقعية والخيالية وتجسيد التجربة الثقافية المتضمنة العاطفة والخوف والتي تثير ردود أفعال عاطفية قوية، إضافة إلى استخدام العنصر الأدائي وإبرازه من قبل الراوي، والذي يقوم فيه بإمتاع المستمع وطرح المحتوى بطريقة متجانسة على الرغم من احتوائه على العديد من الصور المختلفة.

والجدير ذكره أن السرد القصصي ليس أدبًا محفوظًا إذ يتعرض للعديد من التحول، فهو مرتبط بالخيال والصورة الواقعية الحالية إذ يقوم الراوي في الأدب الشفوي الإفريقي بأخذ صور من الحاضر ودمجها مع صور خيالية أو واقعية من الماضي ضمن سياق اجتماعي أو عالمي أو أسري أو عقدي أو نفسي.

  • الأدب الإفريقي الشفوي والمكتوب (الأدب الإفريقي الكلاسيكي)

تطور الأدب الشفوي الإفريقي بشكل متوازي مع الأدب المكتوب إذ ظهر الترابط بين الشكلين بصورة جلية في نيجيريا وغانا ونيروبي وغيرها، وتعد هذه المرحلة هي المرحلة الكلاسيكية في الأدب الإفريقي والذي قاد فيها المصريون القدماء والسواحيليون الأوائل والكتاب المعاصرون للرواية الشعبية الحركة الانتقالية من التقاليد الشفوية إلى الأدبية المكتوبة، والجدير ذكره أن الأدب الإفريقي في هذه الفتره تميز بإظهار الطابع الإفريقي التقليدي الخاص.

  • الأدب الإفريقي مابعد القرن التاسع عشر ميلادي

طورت إفريقيا الأدب المكتوب ما بعد القرن التاسع عشر ميلادي نتيجة الحركات التبشيرية وبناء المدارس والكنائس ومدارس اللغات لغايات الترجمة الدينية، مما ساعد على إنتاج أدب جديد في إفريقيا باللغات الأوروبية إلى جانب اللغات الأصلية، وتجدر الإشارة إلى أن أهم الأعمال الأدبية في هذه الفترة تعود لتاريخ 1950م إذ برزت الأعمال الأدبية الشعبية بصورة جلية ويعد تشينوا أتشيبي أهم أدباء الأدب الإفريقي في هذه الفترة وما بعدها.

خصائص الأدب الإفريقي

يتمتع الأدب الإفريقي بالعديد من الخصائص التي تميزه عن غيره من الآداب وفيما يأتي ذكرها وبيانها:

  • تنوع اللغة

كُتب الأدب الإفريقي بلغات عديدة تنوعت بين اللغات الأصلية للقارة الإفريقية وبين اللغات الأوروبية الاستعمارية مما جعله الأدب الوحيد في العالم ذي اللغات المتعددة بهذه الدرجة، ويشار إلى أن الأدب الإفريقي يظهر بشكلين أساسيين هما الشفوي والمكتوب على خلاف الآداب الأخرى، والذي يعود بجذوره إلى أكثر من 3000 مجموعة عرقية.

  • تنوع الأسس

يقوم الأدب الإفريقي على أسس عدة أهمها الحب واللغز والسحر والموسيقى والتقاليد والمغامرات والأسطورة والتاريخ، إذ يمكن للمطلع على الأدب الإفريقي أن يلحظ هذه العناصر بصورة أساسية في مختلف أشكال الأدب.

  • وحدة الموضوعات

تميز الأدب الإفريقي بوحدة موضوعاته والتي تتحدث عن الاستعمار والتحرير والقومية والتقاليد والتشرد وانعدام الجذور والتهجير، وغالبًا ما تهدف وحدة الموضوع في الأدب الإفريقي إلى زيادة الوعي بالأزمات الاقتصادية والسياسسة والاجتماعية التي تواجهها القارة الإفريقية.

  • إظهار الجانب التقليدي

غالبًا ما تستخدم الأمثال إلى جانب عناصر الطبيعة والخرافات في الأدب الإفريقي والتي تعكس غنى الثقافة الإفريقية وتساعد على إظهار القيمة الحقيقية للأدب، وخاصة في الأدب السردي الشفوي. ويظهر في العديد من جوانب الأدب الإفريقي العادات والتقاليد والديانات والمعتقدات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشعب الإفريقي بهدف الحفاظ على هويته الإفريقية والدفاع عنها.

أشهر أدباء الأدب الإفريقي

ضم الأدب الإفريقي العديد من الأدباء البارزين وفيما يأتي ذكرهم والتعريف بهم:

يُعدّ تشينوا أتشيبي من أبرز الأدباء الإفريقيين في القرن العشرين ميلادي والذي تميزت كتاباته بتصوير الصراعات بين القيم القبلية وأثر الحكم الاستعماري في الدول الإفريقية، ومن أشهر أعماله الأدبية التي أبرزت هذه الصورة رواية (أشياء تتداعى) المنشورة عام 1958م، ويُعرف أتشيبي أيضًا ناقدًا أدبيًا وأشهر أعماله النقدية نقد رواية قلب الظلم لجوزيف كونراد التي وصفت الرواية الشعبية الإفريقية بالرواية العنصرية لتجسيدها القارة الإفريقية أرضًا وشعبًا.

  • شيماندا نغوزي أديتشي (Chimamanda Ngozi Adichie)

تُعدّ الكاتبة النيجيرية شيماندا أديتشي من الأدباء المعاصرين في الأدب الإفريقي إلا أنها تحتل مكانة أدبية بارزة، إذ تميزت بأسلوبها المعتمد بشكل أساسي على دمج الشخصيات مع عناصر عدة أهمها الموطن الأصلي -نيجيريا- والأحداث الاجتماعية والسياسية خلال السرد القصصي، إضافة إلى إظهار العلاقات العرقية في أمريكا والعالم الغربي. ويشار إلى أن أديتشي حازت على العديد من الجوائز الأدبية والتي من أهمها جائزة البوكر (Booker Prize) وجائزة أورنج (Orange Prize).

  • نغوغي وا ثيونغو (Ngugi wa Thiong’o)

يُعدّ وا ثيونغو أحد أهم الأدباء في فترة ما بعد الاستعمار وأكثرهم تأثيرًا في الأدب، إذ بدأ بكتابة الرواية باللغة الإنجليزية متناولًا موضوعات الفرد والمجتمع الإفريقي مقابل القوى الاستعمارية، ويشار إلى أن وا ثيونغوا سجن لمدة عام دون محاكمة على خلفية عرض مسرحية سياسية مثيرة للجدل، وأشهر ما نادى به وا ثيونغو أن اللغة هي الأداة الأساسية لإنهاء استعمار العقل والثقافة الإفريقية.

تُعدّ الكاتبة نادين جوديمير أحد أهم الكُتّاب وأكثرهم غزارة في الإنتاج الأدبي الإفريقي خلال عصر الفصل العنصري إذ عرفت بمناهضتها للعنصرية، وتميزت أعمالها الأدبية بإظهار القضايا الاجتماعية والأخلاقية والعرقية تحت حكم الفصل العنصري، ومن الجدير ذكره أن أعمال جورديمر حظرت في جنوب إفريقيا إذ وجهت فيها نقدًا لاذعًا يطال الهياكل الحكومية القمعية في جنوب إفريقيا آنذاك.

  • آي كوي أرماه (Ayi Kwei Armah)

تعرف الكاتبة أي كوي أرماه بأسلوبها الأدبي الصارخ والذي يبرز بصورة مكثفة الدمار السياسي في الدول الإفريقية، وخاصة في غانا موطنها الأصلي، ومن يطلع على أعمال أرماه يجد أنها متأثرة بالفلاسفة الوجوديين أمثال جان بول سارتر وألبير كامو.