يُعرف الأدب الصيني بأنه أحد أقدم الآداب في العالم ويعود بتاريخه إلى ما قبل عام 1030 ق.م، وهو متطور عن الكتابة الصورية المعروفة باسم نصوص جياجوين (بالإنجليزية: Jiaguwen)، المستخدمة في ممارسة العرافة في الحضارة الصينية القديمة.
يُشار إلى أن الأدب الصيني تضمن أقدم الكتابات الفلسفية التي من أهمها كتابات كونفوشيوس ولاو تزو، والتي انبثقت عنها الفلسفة الكونفوشوسية والطاوية لتتعدد بعد ذلك أشكال الأدب إذ ظهر شعر النثر والرواية كأشكال أدبية جديدة.
ومن الجدير ذكره أن الحضارة الصينية أول من اخترع الطباعة سواء المنقولة أم الخشبية ومارستها النخبة المتعلمة من وقت مبكر في التاريخ الصيني مما عزز الاهتمام بالأدب والإنتاج الأدبي على المستوى العالمي، بما في ذلك الشعر الصيني الكلاسيكي والروايات الكلاسيكية الأربع العظام وأعمال الأدباء المعاصرين.
مفهوم الأدب الصيني
الأدب الصيني (بالإنجليزية: Chinese Literature) هو مجموع الأعمال الأدبية المكتوبة باللغة الصينية المتضمن أعمالًا شعرية وغنائية وكتابية وتاريخية وتعليمية ودرامية وخيالية، والمرتبط بتاريخ ما يقارب 3000 سنة، والمحتفظ بهويته بواسطة اللغة الصينية في مختلف الجوانب المكتوبة والمنطوقة على الرغم من التغيرات التاريخية الطارئة عليه ووجود اللهجات الأقلية والمحلية.
تاريخ الأدب الصيني وتطوره
اشتهر الأدب الصيني بامتداده التاريخي عبر عصور الأسرات مما جعله من الآداب المعقدة لاتساع موضوعاته وللتغيرات التي طرأت عليه، وفيما يأتي أهم المراحل التاريخية لتطور الأدب الصيني:
- الأدب الصيني خلال فترة حكم أسرة شانغ (1050-1700 ق.م)
تشير السجلات التاريخية إلى أن أسرة شانغ تحتفظ بأدلة مثيرة ترتبط بعمليات الكتابة الأولى في الحضارة الصينية، إذ وجدت بعض الآثار التاريخية شمال وسط الصين تتضمن كتابات هيروغليفية على الأواني البرونزية وعظام أوراكل، والجدير ذكره أن نظام الكتابة تطور لاحقًا إلى الأحرف الصينية الرمزية (إيديوغرامية) والصوتية جزئيًا.
- الأدب الصيني خلال فترة حكم أسرة تشو (1045-255 ق.م)
عُرفت هذه الفترة بفترة الأدب الفلسفي والديني في الأدب الصيني إذ أنتج خلالها أعظم الأعمال الأدبية التي أصبحت أساسًا للمعتقد الديني والاجتماعي في الحضارة الصينية، وكانت أبرز المدارس الأدبية في هذه الفترة الطاوية والكونفوشوسية، وظهرت العديد من المدارس الدينية المختلفة، وغالبًا ما يطلق الصينيون على هذه الفترة اسم المائة مدرسة فكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفترة تنقسم إلى فترتين أساسيتين وهما: فترة الربيع والخريف الممتدة من 770 وحتى 476 ق.م إذ نشأت فيها الأعمال الأدبية الكلاسيكية الكونفوشيوسية والطاوية، وفترة الممالك المتحاربة الممتدة من 475 وحتى 221 ق.م والتي عُززت فيها الأعمال الأدبية ذات العمق الفلسفي والديني للحضارة الصينية.
ويشار إلى أن العديد من أعمال هذه الفترة لم تصل إلينا ويعود السبب في ذلك إلى أن الحكام المهيمنين آنذاك حاربوا التعبير الفلسفي الذي يتعارض مع تعبيراتهم الخاصة، إضافة إلى حرق الكتب التي تعود لهذه الفترة في عهد أسرة تشين.
- الأدب الصيني في فترة أسرة تشين (206-221 ق.م(
تشكل هذه الفترة نقطة مفصلية في تاريخ الأدب الصيني إذ أمر الإمبراطور في هذه الفترة بتقليص مائة مدرسة فكرية واختزالها في مدرسة واحدة، وحارب الأدب البوذي والذي نتج عن إنشاء الفلسفة البوذية المبكرة آنذاك، إضافة إلى أمره بإتلاف الكتب في جميع أنحاء الإمبراطورية وقتل العديد من العلماء والفلاسفة الكونفوشيوسيين.
ومن ناحية أخرى، عملت أسرة تشين على إفساح المجال للكتب التي تتناول الموضوعات الطبية والزراعية بالانتشار والبقاء، ووحدت اللغة الكلاسيكية المكتوبة التي تطور عنها لاحقًا نظام الكتابة الصينية الحديثة، والجدير ذكره أن الهدف من توحيد اللغة في هذه الفترة هو السيطرة على المجتمع الصيني وإتاحة الفرصة للتواصل بصورة أوضح وأسهل.
- الأدب الصيني خلال فترة حكم أسرة هان (206ق.م- 220م)
شهدت هذه الفتره اختراع أهم عناصر الكتابة ألا وهو الورق من قبل كاي لون (Cai Lun)، مما أحدث ثورة في عالم الأدب، ومع بداية هذه الفترة وبعد سقوط إمبراطورية تشين أُعيد إحياء الكونفوشيوسية ونشرها وبرزت الأعمال التاريخية والعلمية بصورة أساسية كأعمال مميزة لهذه الفترة، والجدير ذكره أنه على الرغم من اختراع ورق الكتابة، لم يمتد النشر على نطاق واسع خلال عهد أسرة هان.
- الأدب الصيني في عهد أسرة تانغ (618-907م)
تُعدّ فترة حكم أسرة تانغ من أهم الفترات في الأدب الصيني إذ انتشرت الطباعة بشكل كبير وبرز الشعر كأهم شكل أدبي في الأدب الصيني، ويُعد دو فو ولي باي من أهم الشعراء الصينيين آنذاك وحتى يومنا الحالي إذ أنتج لي باي ما لا يقل عن 1000 قصيدة ضمن موضوعات عدة وكذلك دو فو الذي كتب أكثر من 1000 قصيدة تعكس مفاهيم عدة أهمها الموت والحياة الريفية البدائية.
- الأدب الصيني في عهد أسرة سونغ (1279-960م)
تميزت هذه الفترة بانتشار الطباعة باستخدام القوالب الخشبية وانتشار أدب السفر والشعر والنصوص العلمية والكلاسيكيات الكونفوشيوسية الجديدة، ونُشر العديد من النصوص العلمية وأطالس وكتب شعرية مهمة في هذه الفترة.
- الأدب الصيني في عهد أسرة يوان (1368-1279م)
تميزت إمبراطورية يوان بحجمها وتطورها التقني مما أكسب الأدب خصائص جديدة إذ عبّر بعيدًا عن المفاهيم الدينية والفلسفية عن الدراما والروايات الخيالية والدراما الدامية، وأنشئت العديد من المسارح الأوبرالية الدامية لعرائس الظل آنذاك، وهو ما عزز الإنتاج الأدبي بشكل كبير.
- الأدب الصيني في عهد أسرة مينغ (1644-1368م)
يُعدّ عهد أسرة مينغ الأساس في انطلاق الرواية الصينية وغالبًا ما تميز أدب هذه الفترة بتقليد الكتابة الصينية لأدب أسرة تانغ وهان والكتابة باللغة الصينية التقليدية.
- الأدب الصيني في عهد أسرة تشينغ (1911-1644م)
انتشرت الرواية على نطاق واسع في عهد أسرة تشينغ وكُتبت أهم الروايات العالمية الكلاسيكية آنذاك التي من أهمها حلم الغرفة الحمراء، ويُشار إلى أن أدب هذه الفترة تأثر بالأدب الغربي مما أحدث بعض التغييرات الثقافية عليه والتي من أهمها الإنتاج الأدبي الخيالي الشبيه بالغربي.
- الأدب الصيني الحديث (1912م وحتى يومنا الحالي)
أدت التغيرات على نظام الحكم ونهاية السلالات إلى تغيير شكل الأدب الصيني إذ تم التخلي عن الكتابة باللغة الكلاسيكية القديمة، وأُفسح المجال أمام الأدب النسائي إذ أصبحت المرأة تتمتع بمكانة أكبر في المجتمع الصيني، وبرزت العديد من المؤلفات الأدبية ذات التوجهات السياسية خلال هذه الفترة. وخلال فترة انتشار الشيوعية ما بعد عام 1923م، مُنع العديد من أنواع الأدب وسمح فقط بالكتابة ضمن توجهات محددة تقبلها الحكومة.
خصائص الأدب الصيني
تميز الأدب الصيني بالعديد من الخصائص وفيما يأتي أهمها:
- الغاية الأخلاقية
تأسس الأدب الصيني في بداية الأمر لتحقيق غايات أخلاقية اجتماعية إذ ساعد الأدب الصيني في مراحل عدة عبر التاريخ على حكم البلد وضبط المنظومة الأخلاقية الاجتماعية، فيقول أحد الشعراء المشهورين خلال عهد أسرة تانغ إن الكتابة أنشئت من أجل توضيح الأخطاء الحالية وتقديم المشورة العلاجية.
- المرونة
تمتع الأدب الصيني بالمرونة والانفتاح فهو قادر على احتواء كل جديد من حيث الشكل والأسلوب الأدبي، إذ تطورت الأشكال الأدبية في الأدب الصيني بشكل كبير ويذكر على سبيل المثال القصيدة، إذ كانت تكتب من 4 أحرف ثم 5 ثم 7 ثم تطور الأسلوب من الأسلوب التقليدي الكلاسيكي إلى الأسلوب الحديث وكذلك الأمر مع النثر والرواية.
- التأثر بالثقافات الأخرى
تأثر الأدب الصيني وخاصة الحديث بالعالم الغربي على الرغم من وجود بعض الجذور القديمة لعمليات الترجمة للكتب البوذية المقدسة في وقت مبكر من تاريخ الأدب الصيني، وساعد على ذلك عمليات الترجمة للروايات الأمريكية والروسية إلى الصينية.
- الاتساق
تطور الإدب الصيني الشعبي جنبًا إلى جنب مع الأدب العلمي مما ساعد في تطور الأدب الصيني عامة وازدهاره، وتجدر الإشارة إلى أن التطور في الأدب الشعبي أو العلمي نتج عن العديد من المدارس الفكرية التي فاقت 100 مدرسة عبر التاريخ.
أشهر أدباء الأدب الصيني
ضم الأدب الصيني العديد من الأسماء البارزة وفيما يأتي ذكرها والتعريف بها:
- تشو يوان (Qu Yuan)
ولد تشو يوان عام 339 ق.م وتوفي عام 278ق.م وعرف شاعرًا خلال فترة الممالك المتحاربة، ومن أبرز أعماله الشعرية قصيدة لي ساو والتي هاجم خلالها المحكمة التي رفضت الاستماع إلى نصائحه.
- وانغ وي (Wang Wei)
عرف وانغ وي شاعرًا وموسيقيًا ورسامًا بوذيًا متدينًا، إذ ألّف العديد من القصائد التي تتميز بمحاكاتها للمناظر الطبيعية، ويُعرف وانغ وي باسم بوذا الشعر وقال فيه الشاعر سو شي "في شعره رسم والشعر في لوحاته".
- شي نيان (Shi Nai'an)
يُعدّ شي نيان المولود عام 1372م من أشهر الأدباء الشعبيين الذين ألفوا أول الروايات الكلاسيكية الأربع العظام في الأدب الصيني بعنوان هامش الماء أو حافة الماء، ويشار إلى أن السيرة الذاتية لشي نيان ليست بالكبيرة إذ لا يعرف عنه الكثير.
- لو قوانتشونغ (Luo Guanzhong)
عرف لو قوانتشونغ بإنتاجه الأدبي الغزير وينسب إليه الرواية الرومانسية الممالك الثلاث، إحدى أهم الروايات الأربع الكلاسيكية في الأدب الصيني التي تضم 750 ألف شخصية وتتحدث عن قصة ثلاث ممالك خلال قرن.
- وو تشنغن (Wu Cheng’en)
يُعدّ وو تشنغن أحد أهم الروائيين الصينيين والذي أنتج ثالث أهم رواية من روايات الأدب الكلاسيكي العظام بعنوان رحلة إلى الغرب والتي تميزت بأسلوبها البارع في الحوار واحتوائها على العديد من القصائد إلى جانب الموضوعات الدينية.
- تساو شيويه تشين (Cao Xueqin)
ألف تساو شيويه تشين رابع أهم رواية من روايات الأدب الكلاسيكي العظام بعنوان حلم الغرفة الحمراء والتي تروي قصة عائلة أرستقراطية وسقوطها، والجدير ذكره أن الرواية نشرت في نسختين النسخة الأولى تضم 80 فصلًا والنسخة الثانية مكونة من 120 فصلًا نشرت بعد وفاته عام 1791م.