السيرة الهلالية واحدة من أشهر السير الشعبية العربية الملحمية الطويلة التي تصف هجرة بني هلال من ديارهم في عالية نجد إلى تونس، وتعد سيرتهم الأقرب لقلوب الناس، الراسخة في عقولهم حتى الآن، ويطلق عليها البعض اسم إلياذة العرب، وتتكون السيرة الهلالية من مليون بيت شعر، على الرغم من أن الخيال الشعبي أضاف لها أحداثًا باعد بينها وبين الواقع إلى حد كبير وبالغ في رسم ملامح شخصياتها وصفاتهم، وتتفرع من السيرة الهلالية قصص كثيرة، بما في ذلك قصة الأمير أبي زيد الهلالي، وقصص أخت أبي زيد شيحة المشهورة بالاحتيال والمكر والدهاء، وسيرة الأمير ذياب بن غانم الهلالي، وقصة زهرة ومرعي وغيرهم، ويطلق على من يهتم بالسيرة الهلالية اسم المضروب بالسيرة، وأشهرهم الشاعر المصري المعروف عبد الرحمن الأبنودي، وتمثل هذه القصة الغنية بالأحداث والمواقف والشخصيات لون أدبي خاص من ألوان الأدب الشعبي، الذي يمثل الحياة الاجتماعية والفكرية التي كان يحظى بها العرب في تلك الفترة.
تاريخ السيرة الهلالية
تحكي السيرة الهلالية قصص بني هلال، وهي قبيلة عربية انتصر عليها الفاطميون بعد فترة عداء طويلة معهم، فنقلوهم إلى صعيد مصر في البداية، ثم قرروا التخلص منهم نهائيًا من خلال السماح لهم بالهجرة، وهكذا بدأت ملحمة دامت عدة قرون، وكان ذلك عام 1149م تقريبًا، وهاجرت قبائل هلال وسليم ودريد والأثبج ورياح من نجد في منتصف القرن الخامس الهجري، واستمرت في الهجرة لما يقرب من قرن من الزمان، واستطاع قائد دولة الموحدين، عبد المؤمن بن علي التصدي لهم بعد أن قام بتوطين بعضهم وضرب بعضهم ببعض.
والسبب في هذه الهجرة من البداية هو تدبير الوزير اليازوري وزير الخليفة الفاطمي في مصر، الذي منح المعز بن باديس حاكم إفريقية لقب شرف الدولة عام 435 هجرية، ولم ينحاز المعز للخليفة الفاطمي كما كان متوقع منه، بل انحاز لعامة شعبه الذين قاموا بثورة على الشيعة الإسماعيلية، واستجاب المعز للثورة الشعبية ونادى باتباع مذهب الإمام مالك وخطب في المساجد لصالح الخليفة العباسي القائم بأمر الله، حتى اعترف له الأخير باستقلال المغرب تحت رعايته.
سمع الخليفة الفاطمي في مصر بما حدث وجن جنونه، لأن هذا يعد انتصارًا للخليفة العباسي السني في بغداد عليه، فأشار عليه وزيره اليازوري بتحريض قبائل نجد للزحف إلى تونس، وبالفعل هذا ما حدث، وتصدى المعز لهذا الزحف بجيش مكون من قبيلتي زناتة وصنهاجة، لكن بسبب هروب زناتة انتصر الفاطميون، إلا أن السيرة الهلالية لا تذكر أي شيء عن الصراعات السنية الشيعية بين الخليفة الفاطمي والخليفة العباسي، بل إنها تقدم مبرر أخلاقي لهذا الزحف الغازي، حيث تقول السيرة إن قبيلة زناتة أو الزناتي خليفة ومن معه طمعوا في الأرض التي كان يحكمها الأمير عزيز الدين بن الملك جبر القريشي، لذا استولوا عليها بالحيلة والمكر، فاستعان القريشي بأبناء عمومته من قبائل نجد ليساعدوه على استراداد حقه المسلوب.
وباختصار يعتمد جوهر حكاية السيرة الهلالية حول زحف قبائل بني هلال منتصف القرن الحادي عشر الميلادي من هضبة نجد بعد جفاف مياهها، ليستقروا في تونس باحثين عن حياة أفضل، وكان عددهم يبلغ نحو 360 ألف مقاتل تقريبًا، وقال الأبنودي نقلًا عن ابن خلدون إن هذه القبائل زحفت من مصر في الأساس في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.
محتوى السيرة الهلالية
تحتوي السيرة الهلالية على خمسة كتب؛ الأول هو خضرة الشريفة، الذي يتناول مأساة قائد الهلاليين وأميرهم رزق بن نايل درامون بن عامر بن هلال، حيث أعجبت خضرة بخلقه وشهامته ورجولته رغم أن فارق العمر بينهما كان 45 عام. والكتاب الثاني هو كتاب أبي زيد في أرض العلامات، الذي يحكي عن مرور خمس سنوات عاشت فيهم خضرة في منازل الزحلان تحت رعاية الملك فاضل بن يبسم، ويتناول الكتاب ما حدث لأبي زيد الهلالي في بلاد الزحلان وما وصل له من مكانة ومجد. والكتاب الثالث بعنوان مقتل السلطان سرحان، والذي يحكي عن تخفى أبي زيد في ملابس شاعر رباب لدخول قصر حنظل، وتكتشف نساء بن هلال حقيقته، وتكتشف "عجاجة" ابنة السلطان حنظل حقيقته كفارس هلالي فتخبر أباها الذي يعتقله ويقيده ويلقي به في السجن حتى يحين موعد إعدامه.
بينما يحكي الكتاب الرابع، فرس جابر العقيلي، عن خوض أبي زيد الأهوال حتى يعود بالفرس الذي تحاكت عنه الأجيال، وكيف أنه احتال ليدخل إلى حجرة الأميرة ويلضم لها عقدًا ويقرأ لها الطالع. أما الكتاب الخامس، أبو زيد وعالية العقيلية، فيحكي كيف أسرت عالية أبا زيد بجمالها، وكيف حارب حتى اقترن بها، وكيف أنها وضعت المخدر القوي في الطعام وأعطته لحراس والدها السلطان جابر العقيلي، لكي يتمكن أبو زيد من امتطاء فرسه والانطلاق لخارج المدينة.
أمثلة من أشعار السيرة الهلالية
من أجمل أشعار السيرة الهلالية ما يأتي:
هذه بكرة ما فيها جرب لكن جربها في قلوب رجال
إن كنتوا جوالي خايفيين من العدا وصلتوا الحما والسو عنكم زال
وإن كنتو جوالي راميكم جفا عليكم بو وطفة وسيع الجال
وكذلك الأبيات الآتية:
بكاني ضيف جا بِات عندنا ﻻ ذاق ريق و ﻻمنامه جاه
يبكى بطول الليل مشغول ع الضنا مظاليم حازوهم أرجال أعداه
وإنت يا بو علي تمشي للمظاليم عندهم يا بال مظلومًا محلك جاه
وقول السلطان حسن لأبي زيد:
نريدوك يا بو زيد تمشي رايد إترود لنا وطنًا بعيد نباه
ونريدوك يا بو زيد تمشي رايد إترود لنا وطن العريش ومِاه
إنت إمهول ما عليك صعيبة وواخذ علي فج الخلا وِعداه