يشير مصطلح الأدب القشتالي (بالإنجليزية: Castilian Literature) إلى كافة الأعمال الأدبية الإسبانية المبكرة المكتوبة باللغة الإسبانية الكلاسيكية القديمة (القشتالية)، والتي ظهرت بعد الأدب الأيبيري، ويُعرف الأدب الأيبيري بأنه الأدب المزدهر في شبه الزجزيرة الأيبيرية والذي كتبه العديد من الكتاب اللاتينيين مثل سينيكا ولوكان ومارتيال وكوينتيليان ما قبل القرن العاشر ميلادي، ومن أشهر الأعمال الأدبية القشتالية القصيدة الملحمية بعنوان أغنية ميو سيد أو ملحمة السيد (كانتار دي ميو سيد) التي تعد من أقدم النصوص الأدبية القشتالية.

تناولت ملحمة السيد في الأدب القشتالي حياة البطل القومي العسكري رودريغو دياز دي فيفار (سيد ميدان المعارك) وأفعاله التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر ميلادي، وما بعد ذلك تطور الأدب القشتالي وظهرت العديد من الملاحم الشعرية الأخرى في مختلف مناطق شبه الجزيرة الأيبيرية ومقاطعاتها، ومن أبرز أدباء الأدب القشتالي وأهمهم الشاعر والكاتب القس جونزالو دي بيرسيو، وهو أول شاعر إسباني معروف وأنتج العديد من الأعمال الأدبية تحت رعاية الملك ألفونسو العاشر (1221-1284).

تاريخ الأدب القشتالي

تطور الأدب القشتالي عبر عدة مراحل وفيما يأتي ذكرها وتفاصيلها:

بداية الأدب القشتالي خلال العصور الوسطى

تميز الأدب القشتالي خلال فترة العصور الوسطى بلغته الرومانسية التي كتبت من قبل الأدباء الإسبان الذين عاشوا في ظل الحكم الإسلامي، وتذكر العديد من المصادر أن بعضًا من هذا الأدب كتبه أدباء مسلمون وعبرانيون آنذاك، وتجدر الإشارة إلى أن الشعر الشعبي عُد من أبرز أشكال الأدب القشتالي المبكر والذي يُعتقد أن جذوره تعود للقرن العاشر ميلادي، خاصة أنه ارتبط بشكل أو بآخر بأنواع غنائية إسبانية تقليدية، وتجدر الإشارة إلى أن هناك شاعرات أندلسيات كتبن باللغة العربية خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر ميلادي مثل حفصة بنت الحاج الركونية وبثينة بنت المعتمد بن عباد وأم الكرم بنت المعتصم بن صمادح.

بروز الشعر البطولي

من ناحية أخرى برز الشعر البطولي وكانت قصيدة السيد أشهر مثال على هذا النوع الأدبي خلال فترة العصور الوسطى والتي صُنفت بأنها أصيلة تاريخيًا، خاصة أنها كتبت بعد وفاة (السيد) بطل القصيدة، وتتميز باحتوائها على الشخصيات والتفاصيل الطبوغرافية والنبرة الواقعية، الأمر الذي انعكس لاحقًا على الملحمة القشتالية وميزها عن غيرها من الملاحم في مختلف الآداب، وضمت عناصر الخيال والعرض القصصي والدراما، ويشار إلى أن ملحمة السيد تجسد بكل المعاني الشخصية القشتالية وتعد أهم المراجع التاريخية التراثية للأدب القشتالي في اليوم الحالي.

وبرزت في الفترة اللاحقة العديد من الملاحم الشعبية التي احتفلت بالمآثر البطولية المحفوظة في تاريخ الشعب والتراث والتي أدرجها بشكل نثري مؤرخو العصور الوسطى في السجلات اللاتينية والعامة وحفظت إرثًا أدبيًا مبكرًا، ولاحقًا تمت إعادة صياغة العديد من الملاحم المتضمنة الروايات البطولية وغيرها من التاريخ الإقطاعي القشتالي مثل أمراء لارا السبعة وحصار زامورا.

بدايات النثر

أثّر الأدب العربي بصورة كبيرة على الأدب القشتالي وساعد على تطور النثر حيث دخل التعليم الشرقي إلى إسبانيا المسيحية بعد استيلاء المسلمين على طليطلة وأصبحت المدينة مركزًا للترجمة من اللغات الشرقية ووجدت نسخة مجهولة المصدر تترجم من اللغة العربية حكاية الوحش (كليلة ودمنة) والتي تجسد الشكل الأول لأشكال النثر في الأدب الإسباني القشتالي، وترجمت قصة الحكماء السبعة والسندباد وعدة قصص أخرى من القصص الشرقية.

وما بعد استعادة قرطبة وفالنسيا وإشبيلية من قبل المسيحيين منتصف القرن الثاني عشر ميلادي، عزز الجو الفكري تأسيس الجامعات وحقق النثر القشتالي مكانة بارزة ومرموقة في عهد ألفونسو العاشر ملك قشتالة الذي لقب بوالد النثر القشتالي، وحلت اللغة القشتالية محل اللاتينية ونشطت حركة الترجمة التي هدفت بصورة أساسية إلى دمج المعارف الكلاسيكية والشرقية والعبرية والمسيحية في اللغة العامية.

تطور الشعر السردي

ظهر خلال القرن الثالث عشر أسلوب شعري قشتالي جديد من قبل رجال الدين، والذي عالج عدة مواضيع دينية وتعليمية وتاريخية، وكتب جونزالو دي بيرسيو -أقدم الشعراء الإسبان- العديد من الشعر السردي الذي تناول فيه حياة القديسين ومعجزات مريم العذراء وموضوعات العبادة، وتميز أسلوبه بالبراعة وذكر التفاصيل الشعبية الرائعة واللافتة.

الأدب القشتالي بين القرن 14 والقرن 15 ميلادي

ما بعد فترة الترجمة النشطة والتجميع، ظهرت إبداعات أصلية في الأدب القشتالي في القرن الرابع عشر ميلادي وبرز في مجال النثر ابن أخ الملك ألفونسو، خوان مانويل، بينما برز في الشعر خوان رويز (رئيس كهنة هيتا)، ويُذكر أن خوان مانويل كتب ما يقارب 51 حكاية أخلاقية وتعليمية وعلمية مستمدة بشكل أساسي من اللغة العربية والشرقية الشعبية التي جمعت في كتاب وعدت أول مجموعة نثرية من الروايات باللغة العامية، وكتب العديد من المواضيع في الأدب القشتالي خلال هذه الفترة مثل الصيد والفروسية وعلم الأنساب وشعارات النبالة والتعليم والمسيحية، وتعد رواية كاباليرو سيفار أو فارس زيفار أول عمل نثري قشتالي في القصة الرومانسية في إسبانيا في القرن الرابع عشر ميلادي.

ومع بداية القرن الخامس عشر ميلادي بدأت حركة تجديدية للشعر في عهد الملك يوحنا الثاني تحت التأثير الإيطالي، وظهر الشعر أكثر رمزية وكلاسيكية وعالج العديد من الموضوعات السياسية والفلسفية والأخلاقية، وتعد الشاعرة فلورنسيا بينار أحد أشهر الشعراء القشتاليين الذين برعوا في استخدام اللغة التصويرية في أعمالها.

العصر الذهبي

بعد توحيد إسبانيا عام 1479م بدأ عصر النهضة الإسباني وأدخلت الطباعة إلى البلاد مما ساعد على تطور الأدب القشتالي، حيث ظهر الشعر متعاملًا مع الأحداث الحدودية والموضوعات الغنائية واعتمد على الرواية الرومانسية والموضوعات البطولية وسيلة لإحياء التاريخ الإسباني من جديد، ويذكر أنه خلال هذه الفترة حاول بعض الشعراء إضافة الطابع الإيطالي على الشعر القشتالي كما فعل خوان بوسكان الموغافر، ويشار إلى أن هذه المرحلة شهدت تطور القصائد القصيرة والمرثيات والسوناتات والشعر الغنائي.

ويذكر أن الدراما خلال عصر النهضة الإسباني تحررت من الكنيسة وقدمت من قبل خوان ديل إنسينا للرعاة النبلاء وتضمنت الموضوعات الدينية، ولاحقًا الموضوعات العلمانية، وتطور مفهوم الدراما وشهدت تحسنًا ملحوظًا في طبيعة الحوار ووحدة الموضوع والشعور بالموقف، ومن ناحية أخرى ظهرت الرواية القشتالية التي سيطر عليها الذوق الشعبي والرومانسية الخيالية ممثلة هروبًا من الواقع، فبرزت الرواية الرعوية والرواية الصعلوكية المعروفة باسم الرواية البيكارسكية والتي انتشرت على نطاق واسع.

الكتابات الصوفية

ازدهر الأدب الصوفي القشتالي في فترة الإصلاح المضاد (فترة الإحياء الروحي والفكري في الكنيسة الكاثوليكية) خلال القرن السادس عشر ميلادي وبرز الأدب الصوفي خلال هذه الفترة محاولًا تجاوز حدود اللغة، معبرًا عن الإخلاص والعاطفة والشعور العميق بالطبيعة والنقاء، وبرز القديس يوحنا الصليب من أشهر أدباء الأدب الصوفي القشتالي الذي أنتج العديد من القصائد التي تعبر عن التجربة الصوفية.

الدراما القشتالية المتأخرة

ظهرت الدراما في الأدب القشتالي المتأخر رافضة للقواعد الكلاسيكية حيث مزجت بين الكوميديا والمأساة بتناوب وتنوع، ودعت آنذاك إلى احترام تاج الكنيسة والشخصية البشرية، وأصبحت الحبكة في الأعمال الأدبية أكثر تعقيدًا وأنتجت الدراما التاريخية المحلية والدراما الكوميدية في الأدب القشتالي المتأخر، وتعد مسريحة العباءة والسيف من أشهر الأعمال الأدبية القشتالية الدراميه المتأخرة.