ملك حفني ناصف هي مثقفة وأديبة مصرية، من أوائل النساء في مطلع القرن العشرين اللواتي دعين للإصلاح الاجتماعي، وأول امرأة مصرية تنادي جهرًا بحرية المرأة وتحريرها ومعاملتها بإنصاف والمساواة بينها وبين الرجل، وأطلق عليها لقب باحثة البادية، وهي أول فتاة تستطيع الحصول على الشهادة الابتدائية عام 1900م، وحصلت على شهادة التعليم العالي بعد ذلك، واشتهرت بثقافتها وذكائها وموهبتها في الكتابة، لهذا أطلق اسمها على العديد من المؤسسات والشوارع المصرية تقديرًا لدورها الذي قامت به تجاه المرأة.
الحياة المبكرة للأديبة ملك حفني ناصف
ولدت الأديبة المصرية ملك حفني ناصف يوم 25 ديسمبر عام 1886م في حي الجمالية، وهو أحد أحياء محافظة القاهرة، ولأنها ولدت في نفس يوم زفاف الأميرة ملك على الأمير حسين كامل، استبشر والدها وأطلق عليها اسم ملك على اسم الأميرة، ووُلدت ملك ابنة كبرى لسبع إخوة آخرين، ووالدها هو حفني ناصف شاعر ورجل قانون وأستاذ للغة العربية وواحد من مؤسسي الجامعة المصرية، ولأن ملك تربت على يديه، كانت مثقفة وأديبة وصاحبة قلم حر، إذ كانت تجيد التحدث باللغتين الإنجليزية والفرنسية بطلاقة وكانت تعرف القليل من اللغات الأخرى، وهذا ساعدها في عملها أديبة وكاتبة.
تعلمت ملك في بداية سنوات تعليمها في المدارس الأجنبية، وبعد ذلك التحقت بالمدرسية السنية وحصلت منها على شهادتها الابتدائية عام 1900م لتكون أول فتاة تستطيع الحصول على هذه الشهادة، بعدها انتقلت لقسم المعلمات العالي في نفس المدرسة، ونجحت فيه عام 1903م، وتدربت على التدريس لمدة سنتين، حصلت بموجبهم على الدبلوم عام 1905م، وفيما بعد حصلت على شهادة التعليم العالي، وعملت في التدريس في نفس القسم الذي تخرجت منه في المدرسة حتى تزوجت بشيخ العرب عبد الستار الباسل أحد أعيان الفيوم عام 1907م، وانتقلت لبادية الفيوم وأقامت فيها، ولهذا أطلق عليها لقب باحثة البادية.
وفي هذه البيئة الجديدة، لمست ملك طبيعة الحياة الظالمة والمتدنية التي تعيشها المرأة بنفسها، لا سيما وأن الظروف حالت دون إنجابها، فكانت نظرة المجتمع إليها نظرة قاسية وساخرة ومستخفة، فجرح هذا كبرياؤها كثيرًا وزادت معاناتها وألمها حين أعاد زوجها زوجته الأولى التي كانت قد أنجبت له بنتًا إلى عصمته، فكانت الكتابة هي ملجأها للتنفيس عن غضبها، فاتجهت للدعوة إلى حرية المرأة وتحريرها والمساواة بينها وبين الرجل بما لا يخالف تعاليم الدين الإسلامي والتقاليد السوية، وظلت في هذه المعاناة لمدة 15 عام، حتى ذهبت لطبيب مشهور في أمراض النساء، والذي اكتشف أن سبب عدم إنجابها لا يرجع لعقمها بل لعقم زوجها، الذي أصيب بعد إنجاب ابنته بمرض اضطره لإجراء عملية جراحية سببت له العقم، فكانت هذه التجربة أليمة بالنسبة لها بشكل لا يوصف، لهذا أصيبت بالاكتئاب الذي أدى إلى وفاتها وهي بعمر 32 عامًا فقط .
حياة ملك حفني ناصف الأدبية والسياسية
بدأت ملك الكتابة بتشجيع من أحمد لطفي السيد، الذي شجعها على الكتابة في جريدة الجريدة تحت عنوان "نسائيات في جريدة"، وكانت تنشر مقالاتها تحت اسم باحثة البادية، وكانت تتمتع في كتاباتها بالحس الديني، فكانت تنادي بحرية المرأة دون الخروج عن الشرع ودون التسبب في نشوب خصومة مع الرجال، ودعت المرأة للمشاركة في السياسة وقالت إن وعيها السياسي لا يقل عن وعي الرجل، وكتبت قصيدة شديدة اللهجة في قانون المطبوعات، وتأثرت بالدعوة الفكرية للشيخ محمد عبده وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين وسعد زغلول التي ظهرت في أوائل القرن العشرين.
وأسست ملك جمعية تشبه الهلال الأحمر لترسل منها المعونات والأدوية والملابس لضحايا العدوان الإيطالي على طرابلس الغرب عام 1911م، وأسست اتحاد النساء التهذيبي الذي ضم الكثير من النساء العربيات والأجانب، والذي كان يهدف إلى توجيه النساء نحو صلاحهن والاهتمام بشؤونهن، وأسست في بيتها مدرسة لتعليم الفتيات التمريض على نفقتها الشخصية، وانتقدت مدعي التحرر وخلع الحجاب بقولها الشهير: "إن الأمم الأوروبية قد تساوت في السفور، ولم يكن تقدمها في مستوى واحد، فمنها الأمم القوية ومنها الأمم الضعيفة، فلماذا لم يسوّ السفور بينها جميعًا في مضمار التقدم، إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء".
وألفت كتاب أطلقت عليه "النسائيات"، وهو مجموعة من المقالات الاجتماعية التي تدعو لإصلاح الأوضاع الاجتماعية لا سيما للمرأة الشرقية، ويحتوي الكتاب على قصيدة واحدة فقط، وألفت كتابًا في الشعر تحت عنوان "آثار باحثة البادية"، يحتوي على العديد من القصائد الرائعة المكتوبة بأسلوب مميز ولغة راقية.
وفاة ملك حفني ناصف
يقال إن ملك حفني ناصف توفيت بسبب الاكتئاب الذي أصابها بعد أن علمت أنها قادرة على الإنجاب وإن السبب في عدم إنجابها كان زوجها الذي أصيب بالعقم بعد عملية جراحية خضع لها بعد إنجابه من زوجته الأولى، فحزنت حزنًا شديدًا لنظرة المجتمع لها كعاقر وهي التي كان بإمكانها الإنجاب، ومنهم من يقول إن سبب وفاتها هو إصابتها بمرض الحمى الإسبانية، وقد توفيت يوم 17 أكتوبر عام 1918م في منزل والدها في القاهرة، ودفنت في مقابر عائلتها بالإمام الشافعي، وأقيم لها حفل تأبين في جامعة القاهرة، ورثاها العديد من الشعراء مثل مي زيادة وخليل مطران وحافظ إبراهيم.
أجمل أشعار ملك حفني ناصف
كتبت ملك حفني ناصف العديد من القصائد الرائعة في ديوانها "آثار باحثة البادية"، ومن أجمل الأبيات التي ذكرت فيه ما يأتي:
أيسوؤكم منا قيام نذيرة تحمي حماكم من بلاء محدق
أيسركم أن تستمر بناتكم رهن الإسار ورهن جهل مطبق
وكتبت أيضًا في رثاء عائشة التيمورية:
فذب يا قلب لا تك في جمود وزد يا دمع لا تك في امتناع
ولا تبخل علي وكن جموحًا فكنز العلم أمسى في ضياع
سنبقى بعد "عائشة"حيارى كسرب في الفلاة بغير راعي
وقالت في القصيدة الوحيدة التي نشرتها في كتاب النسائيات:
بالرغم مني ما تعالجُ في النحاس المقفلِ والقيد لو كان الجمان منظمًا لم يجملِ
صبرًا لما تشقى به أو ما بدا لك فافعلِ أبدًا مروع بالإسار مهدر بالمقتلِ
إن طرت عن كتفي وقعـ ـت على النسور الجهلِ
وقالت فيه أيضًا ردًا على قصيدة الشاعر أحمد شوقي:
سميتني ملك الكنا ر وأنت رب المنزلِ
وجعلتني رهنًا لأقـ ـفاص الحديد المقفلِ
غللتني وسجنتني خوف اصطياد الأجدلِ
إن لم تكن لي حارسًا من كل عادٍ مقبلِ
فالحصن والبيداء يسـ ـتويان عند الأعزل
لو كان حبك صادقًا لفككتني من معقلي