"الفقر يُجفف الروح والعيون"
كانت تلك من مقولات روساليا دي كاسترو (بالإسبانية: Rosalía de Castro) الشاعرة والروائية الإسبانية، والتي كانت من أبرز الأدباء خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وتميزت بحياتها المليئة بالجدل حيث أنها استخدمت اللغة الجاليكية مع اللغة الإسبانية في أعمالها الأدبية، وكانت الجاليكية في ذلك الوقت غير مناسبة للكتابات الأدبية، ورغم كل ذلك، حجزت روزاليا مكانًا لها بين أعظم الشعراء في إسبانيا.
ولادة روساليا دي كاسترو
ولدت روساليا دي كاسترو في سانتياغو دي كومبوستيلا في 23 فبراير من عام 1837، وتاريخ 1836 الذي يظهر في شهادة ميلادها غير صحيح، وهو خطأ من قبل القس الذي دوّن الشهادة لأن جميع الوثائق التي تسبقها وتليها ذكرت أن تاريخ الميلاد يعود إلى عام 1837.
وفي وثيقة موقعة أمام كاتب عدل في عام 1843، اعترفت دونا تيريزا دي كاسترو بروزاليا ابنة بيولوجية لها وقالت إن تاريخ ميلادها الصحيح هو 23 فبراير 1837، وكانت والدتها تبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا عندما ولدت روزاليا وكانت تنتمي إلى عائلة نبيلة ولكن في حالة تدهور.
ابنة غير شرعية
كان والدها خوسيه مارتينيز فيوجو رجل دين في الكنيسة الجماعية في سانتا ماريا دي إيريا فلافيا، ولهذا السبب -بسبب منصبه كاهنًا- لم يعترف بروساليا ابنة له، ولكن وبرغم انكاره لها، كانت عائلته تعرف حقيقة الأمر، وما يفسر ذلك أن شقيقتين لرجل الدين، وهما تيريزا وماريا جوزيفا مارتينيز فيوجو، اعتنوا بالفتاة الصغيرة في طفولتها المبكرة.
وعاشت روساليا معهم في قرية أورتونيو على مشارف سانتياغو حتى عام 1842، وبعدها استقرت مع والدتها في بلدية بادرون، ووفقًا لسجل من المجلس المحلي بتاريخ 17 سبتمبر من ذلك العام، والذي حدد تلك الفترة التي عاشت فيها روساليا مع والدتها، كانت تعيش معهم أيضًا خادمة اسمها ماريا مارتينيز، وكان ذلك هو السبب الرئيسي في تَعَلُم روساليا الصغيرة اللغة الجاليكية التي يتحدث بها الفلاحون.
العودة إلى سانتياغو
في عام 1850 انتقلت روساليا ووالدتها إلى سانتياغو دي كومبوستيلا، وهناك درست الفرنسية والموسيقى والرسم وظهرت لأول مرة في العمل الميداني لمساعدة المصابين بأمراض مثل التيفوس والكوليرا، الذي قتل حوالي 3000 من سكان المدينة البالغ عددهم 25000 نسمة، وأيضًا في المساعدة المجتمعية لتخطي مجاعة عام 1853.
وفي مدرسة سانتياغو للشباب، التقت بمثقفين شباب مثل أوريليو أغيري، الذي جمعته بها علاقة عاطفية لم تدم طويلًا، وإدواردو كوندال ومانويل مورغويا، المؤرخ الذي تزوجت منه في أكتوبر من عام 1858.
مدريد وبداية أعمالها الأدبية
قبل ذلك بعامين، انتقلت روساليا دي كاسترو إلى مدريد، حيث عاشت مع ابنة عم والدتها جوزيفا كارمن غارسيا، وفي عام 1857 نشرت مجموعتها الأولى من القصائد "لا فلور" في ستة نصوص، وفي العاصمة التقت روساليا أيضًا بالشاعر غوستافو أدولفو بيكير، وهو من ساعدها في تطوير موهبتها، وأيضًا أثرت قراءتها لترجمات الشاعر الألماني هاينريش هاينه بشكل كبير على مواضيعها وأسلوبها.
الأبناء
بعد تسعة أشهر من زواجها من مانويل مورغويا، رُزقت روساليا بابنتها الأولى أليخاندرا، وإجمالًا، أنجب الزوجان روساليا ومانويل سبعة أطفال توفي أحدهم، أدريانو هونوراتو، قبل أن يبلغ من العمر عامين، نتيجة سقوطه من أعلى المنزل، ووُلدت طفلة أخرى، فالنتينا، ميتة.
وتميزت العلاقة بين روزاليا ومانويل بالتنقل المستمر بين المُدن والمساكن، فقد عاش الزوجان بين مُدن سانتياغو ومدريد وآكورونيا وبادرون وسيمانكاس وفيغو وإكستريمادورا ولا مانشا وأليكانتي وغيرها، وتعرضوا لمشاكل اقتصادية حرجة في بعض الأحيان وخلافات قوية في أحيان أخرى.
حياة عملية في تقدم
كانت مسيرة روساليا دي كاسترو الأدبية في تقدم مُستمر، وفي ذلك الوقت أنتجت أعمال مثل بنت البحر وفلافيوس وألبوم خيري، وفي عام 1863 رسخت نفسها في تاريخ الأدب بكتابين مهمين، وهما "لأمي"، وهو كتاب يحكي عن الحنان والألم بعد وفاة والدتها، والكتاب الثاني هو الأغاني الجاليكية، الذي يراه النقاد أول عمل عظيم لها. وفي هذا الكتاب قدّرت روساليا حياة الفلاحين الجاليكيين وجمال أراضيهم، وعكست تلك اللغة الشفوية التي تعلمتها في طفولتها من خلال مؤلفات مثل القصيدة الشهيرة "وداعًا الأنهار وداعًا الخطوط".
عصر النهضة الجاليكي
يُعدّ يوم 17 مايو من كل عام يوم عصر النهضة في الأدب الجاليكي، وهو موافق لذكرى التاريخ الذي اختتمت به روساليا كتابها "الأغاني الجاليكية" في 17 مايو 1863، وكان لمانويل مورغويا (الزوج) دورًا حاسمًا في نشر الكتاب، حيث قرر طباعته دون معرفة روساليا من الأساس، وكان له دور كبير أيضًا في بقية الإنتاج الأدبي لزوجته، حيث عمل مانويل مصححًا لأعمالها وأضاف بعض الأحداث فيها وغيّر ترتيبها.
أعمال أخرى
بعد نجاح الأغاني الجاليكية، نشرت روساليا نصوص أخرى، ومن بينها كاديسيان عام 1866، وروايات الأطلال عام 1866 أيضًا، وفارس في حذاء أزرق عام 1867، ووصلت في عام 1880 إلى أخر أعمالها العظيمة، وهي مجموعة قصائد فولاس نوفاس، وفيها تخطت الكاتبة الفولكلور الجاليكي الذي اشتُهرت به وأصدرت عمل اجتماعي يُندد بالظلم والبؤس وظروف المهاجرين ومعاناة النساء الجاليكيات، مع إشارات ميتافيزيقية مستمرة إلى كرب الحياة والسعادة والموت والمستحيل.
الأعمال الأخيرة
كان أخر أعمالها كتاب يحمل عنوان "المخادع الأول" عام 1881 وكتاب "مجموعة القصائد باللغة الإسبانية على ضفاف نهر سار" عام 1884، وفي هذا الكتاب الأخير، واصلت الكاتبة خط التأمل الميتافيزيقي الذي بدأ مع فولاس نوفاس، ولكن تم التأكيد في هذه المرة على المشاعر الدينية.
الوفاة
في 15 يوليو 1885، توفيت روساليا دي كاسترو بسبب السرطان في منزلها في لا ماتانزا (بادرون) عن عمر ناهز الثامنة والأربعين عامًا، وكانت كلماتها الأخيرة لابنتها أليخاندرا "افتحي تلك النافذة، أريد أن أرى البحر". ودُفن رفات الكاتبة في مقبرة أدينا (إيريا فلافيا)، التي تُعرف اليوم ببانثيون جاليجوس في كنيسة دير سانتو دومينغو دي بونافال بمدينة سانتياغو دي كومبوستيلا.
وأخيرًا، أظهرت روساليا كثيرًا رغبتها في الراحة النهائية واعتزال الكتابة، حتى أنها، في بعض الأحيان، فكرت في الانتحار، فربما تكون الصورة الحقيقية لروساليا والتي استعرضناها لكم في "مشربية" أقل كمالًا وأقل نموذجية من صورة المرأة الأسطورة، لكن روساليا دي كاسترو كانت دائمًا أكثر إنسانية وقريبة من المجتمع ومحببة للغاية.