سيدوني غابرييل كوليت (Sidonie-Gabrielle Colette)‏ هو الاسم الأدبي للأديبة الفرنسية كوليت التي كانت واحدة من أشهر الأدباء الفرنسيين، وعند وفاتها أقامت لها الحكومة الفرنسية جنازة رسمية، لتكون أول امرأة في تاريخ فرنسا تُكرّم بهذه الطريقة بعد موتها.

الولادة والنشأة المبكرة

وُلدت سيدوني غابرييل كوليت في بلدة سان سوفور أون بويساي الفرنسية بتاريخ 28 يناير 1873م، وهي الطفلة الأخيرة لأبويها، وعاشت حياة أسرية سعيدة، وكانت الطفلة المدللة لدى والديها اللذين رأها جوهرة العائلة، وأظهرت سيدوني ميل للاستقلالية وحب الاستكشاف منذ صغرها، والتحقت من سن السادسة حتى السابعة عشر بمدرسة عامة في بلدتها، وبعد ذلك لم تتلقى أي تعليم رسمي، وأثرت حياتها الريفية العزيزة على قلبها على كتاباتها مستقبلًا، حيث خصصت جزء من أعمالها للتحدث على حياتها التي أمضتها بسعادة في بلدتها.

الزواج الأول والطلاق

تزوجت سيدوني غابرييل كوليت في سن العشرين من الناقد والكاتب هنري غوتييه أو كما يُدعى باسم ويلي، والذي كان يكبرها بخمسة عشر عامًا، وانتقلت للعيش معه في باريس، وبعد مرور مدة قصيرة من زواجها اكتشف زوجها موهبتها في الكتابة، لذلك حبسها عنوةً في غرفة لإجبارها على الكتابة، وتمكنت بالفعل من كتابة سلسلة روايات كلودين المكونة من أربعة أجزاء (جسّدت فيها تجاربها الشخصية كفتاة من المقاطعات وكزوجة لرجل متحرر)، وقام زوجها بنشر عملها باسمه في عام 1901م، ولكن أُعيد نشرها مرة أخرى باسم كوليت، وفي عام 1906م انفصلت كوليت عن زوجها، وعلى الرغم من الشعبية الواسعة التي حظيت بها رواياتها، وكذلك المسرحيات المأخوذة عنها، لم تجني أي شيء من أرباحها التي كان يحتفظ بها زوجها ويلي لنفسه.

العمل على المسرح

عملت سيدوني غابرييل كوليت بعد طلاقها على المسرح لعدة سنوات في سبيل إعالة نفسها، فتنقلت في خلال هذه الفترة بين قاعات الموسيقى في جميع مناطق فرنسا ولعبت فيها عدة أدوار، وعلى الرغم من ذلك لم يكن الدخل الذي تجنيه كافيًا لتعيش حياة كريمة، حيث كانت في كثير من الأوقات تعاني من الجوع والفقر، ممّا انعكس على صحتها الجسدية العامة، وفي السنوات التي قضتها كوليت في العمل على المسرح لاحقتها العديد من الفضائح بتهمة إقامة علاقات جنسية شاذة مع عدة نساء أخريات، ولكنها لم تكترث كثيرًا لهذه الملاحقات والتهم وواصلت حياتها كما أرادت.

الزواج مرة أخرى

كتبت سيدوني غابرييل كوليت عن تجربتها مع الفقر والحياة التي قضتها على المسرح في روايتها La Vagabonde التي انتهت من كتابتها في عام 1910م، وبعد عدة سنوات قضتها بمفردها، تزوجت سيدوني في عام 1912م من هنري دي جوفينيل، محرر في إحدى الصحف، وأنجبت منه في عام 1913م طفلتها الوحيدة كوليت دي جوفينيل، وفي فترة اندلاع الحرب العالمية الأولى بدأت كوليت العمل صحفية وعادت إلى الكتابة بطريقة مختلفة، وأبدت كذلك اهتمام بالتصوير الفوتوغرافي.

العودة للكتابة من جديد

عادت كوليت إلى الكتابة بقوة وعزم، ونشرت روايتها (Mitsu) عام 1919م، والتي تحولت في الخمسينيات إلى فيلم كوميدي فرنسي، وكانت الرواية تدور حول علاقة شاب مع امرأة يبلغ عمرها ضعف عمره تقريبًا وإصرارهما على التمسك بهذه العلاقة رغم كل الفروقات والظروف، وفي عام 1926م نشرت كوليت تكملة لروايتها الأولى كانت بعنوان (The Last of Cheri)، والتي كتبت فيها الآثار المأساوية التي نتجت عن العلاقة في الرواية الأولى.

الطلاق والزواج الثالث

كانت رواية سيدوني غابرييل كوليت تتشابه إلى حد كبير مع قصة زواجها الثاني من هنري دي جوفينيل، الذي كان يصغرها كثيرًا في العمر، ونتيجة لعدة خيانات متعددة من الطرفين انتهى زواجهما في عام 1924م، ولم تنتظر كوليت طويلًا حتى التقت في عام 1925م بالشاب موريس جوديكت، الذي كان يصغرها بـ 16 عام، واستمرت علاقتهما لمدة عشر سنوات قبل أن يتزوجا في عام 1935م، وبقيت مرتبطة به حتى وفاتها.

النمط والمواضيع

انقسمت أعمال سيدوني غابرييل كوليت إلى أعمال نشرتها باسمها الحقيقي وأعمال منشورة باسم مستعار، وكانت تعتمد في موضوعاتها على أحداث حياتها الشخصية إلى حد كبير، كذلك تناولت في طرحها لأعمالها عدد من القضايا الحساسة، مثل العلاقات الجنسية الشاذة (السحاق) والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وهذا ما دفع الكثيرين إلى مهاجمتها وانتقادها، وتضمنت روايات كوليت أيضًا بعض قضايا المرأة في المجتمع، أما نمط الشخصيات الأنثوية فكانت غالبًا محصورة بالمرأة غير السعيدة والمتمردة على التقاليد المجتمعية بطريقة أو بأخرى، بما في ذلك ارتباط المرأة برجل يصغرها بسنوات كثيرة.

 الوفاة

تدهورت صحة كوليت الجسدية في نهاية أربعينيات القرن العشرين، وحدّ التهاب المفاصل الذي أرهقها من قدرتها على الحركة، وكانت تعتمد للغاية على رعاية زوجها موريس جوديكت، وبحلول يوم 3 أغسطس 1954م توفيت كوليت في باريس ورفضت الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية السماح بإقامة جنازة دينية لها بسبب طلاقها المتكرر، ولكن قامت الحكومة الفرنسية بتشييعها بجنازة رسمية تكريمًا لها لِما قدمته من أعمال أدبية خلال حياتها.

الإرث

كان لدى سيدوني غابرييل كوليت عدد كبير من المعجبين بأعمالها، بما في ذلك العديد من الأدباء المعاصرين لها، ولكن على الرغم من أنّ الكثير صنفوها على أنها موهوبة، كان هناك الكثير من التحفظات حول حياتها الشخصية وبعض شخصيات رواياتها، ولكن بمرور الوقت ازداد الاعتراف بها واحدة من أبرز الكتّاب الفرنسيين اللذين أثروا الأدب الفرنسي وأحد الأصوات المهمة في أدب المرأة، وتمّ ترشيحها لجائزة الأوسكار، وفي عام 2018م أُنتج فيلم يروي السيرة الذاتية لحياتها.