شكّل الأدب الروسي في مرحلة من المراحل قانونًا ورمزًا ثقافيًا ووطنيًا، وشكّل أيضًا طريقة للتفكير والشعور والإدراك، إذ يمكن من خلال الاطلاع على الأدب الروسي المرور بذاكرة تاريخية تعبر عن الهوية الوطنية لروسيا والدول التي كانت جزءً منها، والذي كان يُعدّ في أوج ازدهاره أهم أشكال التنشئة الاجتماعية والتاريخية، ومن الجدير ذكره أن الأدب الروسي قام على مبدأ الفكرة الروسية أو القومية أو أيدلوجية الدولة والانتماء لأمة واحدة على أساس الوحدة.

مفهوم الأدب الروسي

يُعرف الأدب الروسي (بالإنجليزية: Russian Literature) بأنه كافة الأعمال الأدبية التي أُنتجت باللغة الروسية بدءً من تنصيير كييف روس أواخر القرن العشرين ميلادي من قبل مواطنيها أو مهاجريها، إضافة إلى كافة الأعمال الأدبية المنتجة من قبل الأدباء في الدول التي كانت جزءً من الدولة الروسية وتشاركها تاريخ موحد أو التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي، ويضم مصطلح الأدب الروسي الأعمال الأدبية التي تكتب باللغة الروسية من غير الروس.

ومن الجدير ذكره أن الأدب الروسي أنتج بقلة قبل القرن التاسع عشر ميلادي، وقام بصورة أساسية على الحكاية الخرافية والشعبية نتيجة التأثر بالتقاليد الوثنية والتاريخ القديم، وعُرف الأدب الروسي خلال العصور الوسطى بطابعه الديني ولغته الكنسية السلافية إلى أن أنتج أول عمل روسي باللغة العامية في منتصف القرن السابع عشر ميلادي.

تاريخ الأدب الروسي

مر الأدب الروسي بالعديد من المراحل والتي شكلت فيها فترة الثلاثينيات من القرن التاسع عشر ميلادي الفترة الذهبية، وفيما يأتي أهم مراحل نشأة الأدب الروسي وتطوره:

  • الأدب الروسي القديم (Old Russian Literature)

يضم الأدب الروسي القديم كافة الأعمال الأدبية المنتجة من القرن الحادي عشر وحتى القرن السابع عشر ميلادي، والتي تميزت جميعها بطابعها الديني، إذ مُثِّل الأدب الروسي حينها عن طريق النصوص الدينية والتاريخية والعلمانية، والذي نشأ بادئ ذي بدء في كييف روس ومن ثم في موسكو روس، ومن أهم الأعمال الأدبية الروسية التي يعود تاريخها إلى فترة الأدب الروسي القديم: حياة بوريس وجليب وحكاية السنوات الماضية وزادونشينا وحكاية حملة إيغور.

  • أدب التنوير الروسي (Russian Enlightenment Literature)

عُرِف القرن الثامن عشر في الأدب الروسي بعصر التنوير والذي تميز فيه الأدب بتعدد أوجهه بحيث اشتمل على العديد من المواضيع الأدبية والعلمية وأشكال الفن المختلفة، فحاول العديد من الأدباء إصلاح لغة الأدب وتطويعها لتصبح لغة العلوم والفلسفة، ودافعوا أيضًا عن تقارب أشكال اللغة الشعبية والأدبية، إضافة إلى ظهور العاطفة في الشعر والنثر الروسي في هذه الفترة.

  • العصر الذهبي للأدب الروسي (Golden Age of Russian Literature)

احتل الأدب الروسي في القرن التاسع عشر ميلادي مكانة عالمية، إذ برزت أهمية الرواية الروسية ودخلت المسرح العلمي، ويعد بوشكين أهم رواد هذه المرحلة والذي كتب في مختلف أنواع الأدب الروسي إذ أنتج القصيدة السردية والغنائية والمأساة والقصة القصيرة والرواية، ومن الجدير ذكره أن بوشكين أول من اكتشف العديد من الموضوعات الرئيسية في الأدب الروسي.

  • العصر الفضي للأدب الروسي (Silver Age of Russian Literature)

شكل العصر الفضي في الأدب الروسي مدة بسيطة نسبيًا والتي امتدت من 1890م وحتى 1921م، إذ تميزت هذه الفترة بالاضطرابات والحروب والثورات والتي أثرت بصورة مباشرة على الأدب الروسي بحيث ظهر الشعر جليًا كأحد أشكال التعبير الأدبي عن العاطفة والمشاعر، إضافة إلى ذلك برزت العديد من التجارب الجريئة في جميع أشكال الفن من قبل العديد من الأدباء.

  • الأدب السوفيتي الروسي (Soviet and Russian Literature)

أثرت الحياة السياسية للدولة الروسية على الأدب بصورة خاصة إذ بعد تشكل الاتحاد السوفيتي انتشر الأدب الروسي تحت مسمى الأدب السوفيتي والذي ضم جمع أعمال دول الاتحاد السوفيتي الخمسة عشر والمكتوب بأكثر من 88 لغة من اللغات الروسية المنتشرة آنذاك، وأبرز خصائص الأدب الروسي خلال هذه الفترة بروز الواقعية الاشتراكية واستخدام المصطلحات الإيجابية للتعبير عن الواقع السوفيتي ونقل الإنجازات الثورية والإنسانية والفكرية، ومن الجدير ذكره أن كتاب الاتحاد السوفيتي في تلك الحقة أطلق عليهم لقب "مهندسي أرواح البشر" إذ كان لأدبهم أثر في تشكيل التوجهات والمبادئ والتنشئة والإصلاح الاجتماعي والوطني.

  • الأدب الروسي ما بعد الاتحاد السوفيتي أو الأدب المعاصر (Contemporary (Post-Soviet) Russian Literature)

نتج عن انهيار الاتحاد السوفيتي تشكل عصر جديد في الأدب الروسي وهو العصر الممتد من عام 1991م حتى اليوم الحاضر، والذي تميز بصعوبته وقلة أسماء الكتاب المميزين أو البارزين فيه مقارنة مع الفترات السابقة، مع ظهور أسماء من العنصر النسائي كروائيات في هذه الفترة كتوجه جديد في الأدب الروسي، ومن الجدير ذكره أن فترة التسعينيات بشكل خاص حققت نجاحًا باهرًا فيما يطلق عليه اسم أدب الإثارة والقصص البوليسية.

خصائص الأدب الروسي

تميز الأدب الروسي عن غيره من الآداب بالعديد من الخصائص وفيما يأتي ذكرها وبيانها:

  • ازدراء الحياة

ظهر في الأدب الروسي بصورة جلية كره الشخصيات الرئيسة للحياة بشكل واضح وصارخ دون تردد من الكاتب في إظهار هذا الجانب، ويمكن القول إن إظهار هذا الجانب كان يعبر بطريقة أو بأخرى عن واقع حقيقي معاش.

  • إبقاء الأثر

تميز الأدب الروسي وخاصة أدب الأطفال بترك أثر قاسٍ قصير المدى والكفيل بتحقيق أهداف التنشئة الاجتماعية مثل عدم التعجرف والتأكيد على احترام الذات بصورة تأدبية، ومن ناحية أخرى برز عنصر التعزيز الإيجابي في هذا النوع من الأدب إذ أظهر الجانب الإيجابي من الحياة والكون.

  • سيادة المعاناة

تميز الأدب الروسي بسيادة المعاناة البشرية فيه، إذ يمكن من خلال قراءة الأعمال الأدبية الروسية فقدان الأمل بخلاص البشرية إذ تم التخلي عن كافة الأفكار المتفائلة حول التجربة الإنسانية.

  • بروز عنصر الكآبة

يظهر عنصر الكآبة بصورة واضحة في الأدب الروسي إذ تظهر الأعمال الأدبية بصورة قاسية، ويُعدّ ظهور الحس الكوميدي أو الانفصال عن قساوة المشهد من الأمور النادرة بصورة عامة في الأدب الروسي، وأشهر الأعمال الأدبية التي يبرز بها عنصر الكآبة رواية الجريمة والعقاب للكاتب الروسي فيودور دوستويفيسكي.

  • الصراحة ووضوح الرسالة

يتميز الأدب الروسي مقارنة بغيره من أنواع الأدب بوضوح رسالته وعدم غموضه، إذ يعبر الكاتب عمّا يجول بخاطره بموضوعية دون مبالغة أو تقييد أو غموض مبتعدًا عن استخدام اللغة الضعيفة بأسلوب بارع، فالقارئ للأدب الروسي لن يُترك تائهًا غير متأكد من قصد الكاتب بعد انتهاء قراءة رواية أو قصة أو أي عمل أدبي.

  • التميز والأصالة

شكّل الأدب الروسي أحد أهم أنواع الأدب في العالم وأقدمها، إذ يعد من المعالم التراثية العالمية، ويعود السبب في ذلك إلى أصل الكتابة إذ كانت المؤلفات الروسية تنتج عن كتاب يتميزون بالثقافة والمعرفة والتعلم والإبداع.

أشهر أدباء الأدب الروسي

يضم الأدب الروسي أعظم أسماء الأدباء على المستوى العالمي وأهمهم، وفيما يأتي أبرزهم والتعريف بهم:

  • ألكسندر بوشكين (Alexander Pushkin)

يُعدّ ألكسندر بوشكين والملقب بشكسبير روسيا مؤسس الشعر الروسي خلال العصر الذهبي إذ قدم الشعر الرومانسي والروايات، ومن أهم أعماله الأدبية رواية يوجين أونجين (Eugene Ongene).

  • ليو تولستوي (Leo Tolstoy)

يُعدّ الكونت ليف نيكولايفيتش تولستوي والمعروف باسم ليو تولستوي أشهر أدباء الأدب الروسي على مر العصور إذ كان روائيًا وكاتبًا للقصة القصيرة، إضافة إلى أنه كتب في المسرح والمقالات، ومن أشهر أعماله الأدبية الحرب والسلام وآنا كارينا، ومن الجدير ذكره أن أشهر الأعمال التي ساعدت على شهرته كأديب كانت شبه السيرة الذاتية الثلاثية وقصص سبفاستوبول.

  • فلاديمير نابوكوف (Vladimir Nabokov)

كان نابوكوف عالم حشرات بالإضافة إلى كونه كاتبًا وروائيًا روسيًا، ومن أشهر ما كتب نابكوف رواية لوليتا التي حظيت بالاهتمام الشعبي وحصلت على مرتبة الرواية الكلاسيكية، وترشحت لجائزة الكتاب الوطنية سبع مرات.

  • أنطوان تشيجوف (Anton Chekhov)

عرف أنطوان تشيجوف بأنه أعظم كتاب القصة القصيرة في التاريخ، وكان يمارس إلى جانب الكتابة مهنته الطبية، ومن أهم أعماله تأثيرًا رواية النورس والعم فانيا.

  • إيفان بونين (Ivan Bunin)

حصل بونين على جائزة نوبل للأدب كأول أديب روسي تميز بالواقعية واشتهر بكتابة الشعر والأدب الكلاسيكي، ومن أشهر أعماله رواية القرية والأزقة المظلمة.

  • نيقولاي غوغول

عرف غوغول ككاتب مسرحي وروائي وكاتب قصة قصيرة وتميز أسلوبه الكتابي بتصوير الشخصيات الواقعية، ومن أشهر أعماله الأدبية تاراس بولبا ومسرحية الزواج والقصص القصيرة بعنوان يوميات مجنون.

عرف دستويفسكي ككاتب وصحفي وفيلسوف روسي وتميزت كتاباته بإظهار عنصر التجربة الواعية واللاواعية للإنسان انطلاقًا من دراسته لعلم النفس البشري، ومن الجدير ذكره أن أعمال دستويفسكي ترجمت لأكثر من 170 لغة حول العالم، ومن أشهر أعماله بيت الموتى والمهانون والجرحى وملاحظات الشتاء حول الانطباع الصيفي.