المقامات لغةً جمع مقامة، ويُقصد بالمقامة المجلس، أما المقامات الأدبية فتشير إلى القصص التي تدور أحداثها في مجلس واحد، وتطور هذا النوع من الأدب وانتقل للأندلس وبلاد فارس، وتُرجمت بعض المقامات الأدبية إلى بعض اللغات الأوروبية.
تعريف المقامات الأدبية
تُعرّف المقامات الأدبية بأنها قصص قصيرة تتضمن كل واحدة منها حادثة حصلت لبطل المقامة، يرويها على لسانه أحد الرواة، ويغلب على أسلوبها البديع والسجع، وتكون نهايتها عِبرة أو طُرفة أو موعظة، فالمقامة حكاية وجيزة تروي عادةً قصة طريفة حول أحد المُكدّين (المتسولين)، وهو اسم يُطلق على فئة المحتالين الأذكياء المكارين، حيث يستطيع الشخص المُكدي خداع الآخرين بالذكاء والمكر والحيلة من خلال إيهامهم بفصاحته وعلمه وحُسن أخلاقه وتدينه.
بداية المقامات الأدبية
ظهر فن المقامات الأدبية في العصر العباسي، في القرن الرابع للهجرة، وأول ما اشتهر به بديع الزمان الهمذاني، حيث كان أوّل من أطلق على نصوصه النثرية اسم مقامات، وكان بديع الزمان من أبرز الأدباء المبدعين في عصره، وجاء بعده في الشهرة القاسم الحريري، وكذلك كتب الكثير من الأدباء العرب المقامات بمواضيع متنوعة، ومنهم على سبيل المثال ابن ناقيا وابن نباتة والزمخشري والسيوطي والسرقسطي الأندلسي وناصيف اليازجي الذي ألّف كتاب خاص بالمقامات الأدبية أسماه مَجْمَع البحرين.
أسباب ظهور المقامات الأدبية
يوجد سببان رئيسيان ساهما في ظهور فن المقامات الأدبية، وهما ما يلي:
الظروف السياسية
بحلول القرن الرابع الهجري وفي العهد العباسي ظهرت العديد من الفتن في جميع أرجاء الدولة الإسلامية التي انقسمت إلى عدة دويلات، نشأت فيها التفرقة العرقية والقومية، ممّا ألحق ضرر كبير بالوضع السياسي للدولة، وبالتزامن مع هذه الأوضاع ظهر فن المقامات الأدبية بسماته وملامحه وخصائصه، وانتشرت هذه الحركة الفنية الجديدة في أجواء تعصف بها الخلافات والمشاكل والفتن، إلى جانب التغييرات التي وصل إليها المجتمع العباسي في البناء والطعام والفن، وبرع بديع الزمان الهمذاني في تصوير الحال الجديد للمجتمع من خلال مقاماته الأدبية.
الظروف الاجتماعية
سارت الحياة الاجتماعية في هذه الفترة على خطى الحياة السياسية المضطربة، فراح أمراء الدويلات الجديدة المتناثرة في جميع أراضي الدولة الإسلامية يتنافسون في ابتداع ألوان الترف والمتعة وطلب ملذات الدنيا، ويتفننون في التسابق للوصول إلى مختلف أشكال الترف التي يمكن للعقل تخيلها ولكن لا يمكن جعلها واقع في الحقيقة، ومن الطبيعي أن يكون ثمن هذه التطلعات والعيش الرغيد باهظ للغاية، وكان على الشعب تحمّل نتيجة تحقيق أحلام قادته، وفي ظل هذه الحياة المضطربة كان من الطبيعي أن تكثر المجاعات وتتفشى السرقات وتسود ألوان الجرائم والفجور وينتشر الاستجداء والتسول، وجاء ظهور المقامات الأدبية تعبيرًا عن الوضع الذي آلت إليه الدولة العباسية ولإيجاد متنفس يخفّف من وطأة هذه الأحداث العصيبة.
خصائص المقامات الأدبية
من أبرز خصائص المقامات الأدبية ما يلي:
- اختيار كاتب المقامات لأعماله بطل واحد تدور جميع حكايات مقاماته حوله، ويختار راوي معين لسرد تلك الأحداث.
- يميل اختيار ألفاظها إلى وجود فنون البلاغة المتنوعة بما فيها الكنايات والتشبيهات والاستعارات والمجاز، وتغلب على الألفاظ الغرابة المثيرة.
- تتميز المقامات الأدبية بمحتواها الغني بالحكم والمواعظ والعِبر.
- تدور معظم حكايات المقامات حول الاحتيال والترحال بين البلدان لكسب الرزق بالمكر والحيلة.
- للمقامات الأدبية فائدة تعليمية، فعندما يستمع إليها طلاب العلم ويحفظونها فإنّهم بذلك يتزودون برصيد لغوي عظيم ومفيد.
- يمتلئ أسلوب المقامات الأدبية بالصناعة اللفظية من طباق وجناس مع ثبات دائم لوجود السجع.
عناصر المقامات الأدبية
تتكوّن جميع المقامات الأدبية من بطل معين وراوي، فالراوي في مقامات بديع الزمان الهمذاني هو عيسى بن هشام والبطل هو أبو الفتح الإسكندري، وهما شخصيتان خياليتان لا وجود لهما واقعيًا، أما الراوي في مقامات الحريري فكان شخصية خيالية افتراضية أطلق عليها اسم الحارث بن همام، أما بطل مقامات الحريري فاسمه أبو زيد السروجي.
المقامات الأندلسية
كان الأدب الأندلسي عمومًا انعكاس لصورة أدب المشرق، ولكنه اتخذ هويته الخاصة بمرور الوقت، وازدهر بالتزامن مع ازدهار الأندلس وتراجع مع انهيارها، وتعد المقامات من أشهر الآداب العربية التي انتقلت للأندلس بين القرنين الخامس والتاسع للهجرة، وتميزت المقامة الأندلسية بالطول والإسهاب، واختفى دور الراوي في كثير من المقامات الأندلسية، ومن أبرز رواد هذا الفن أبو مطرف عبدالرحمن بن فتوح وأبو حفص بن شهيد.
المقامات الفارسية
اقتبس الفرس من المقامات العربية، فكانت المقامات الفارسية محاكاة وتقليد لنظيرتها العربية، ولكن خصائص المقامة الفارسية كانت مختلفة عن خصائص المقامة العباسية، ومن أشهر من قاموا بتأليف المقامات في بلاد فارس القاضي حميد الدين أبو بكر البلخي.
المقامات العربية الحديثة
برزت في العصر الحديث مجموعة من المقامات، ولكن على نطاق ضيق الغاية، ويرى النقاد أنّ فن المقامات الحقيقي تلاشى بحلول القرن التاسع عشر للميلاد، ومن شعراء المقامات في العصر الحديث الأديب والشاعر أحمد فارس الشدياق.
تطور المقامات الأدبية
أثارت مقامات بديع الزمان الهمذاني اهتمام من جاء بعده من الأدباء وألهمتهم أشدّ الإلهام، لذلك ذهب الكثير منهم لتقليدها، ولكن لم تلقى مقاماتهم تلك الشهرة التي وصلت إليها مقامات الهمذاني، باستثناء أبي محمد قاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري الذي لاقت مقاماته قبول كبير، حيث اتّبع أسلوب الهمذاني في الرواية والأسلوب مع اختلافها في الصياغة والأحداث، وبرع أيضًا عدد من الأدباء (السالف ذكرهم) في فن المقامات الأدبية، وانتشر هذا الفن على نطاق واسع في القرون التالية، وأُجريت عليها بعض الموضوعات الجديدة مثل الفقه والحديث والنحو، وانتقل فن المقامة الأدبية في خلال العصور الوسطى إلى الأندلس من خلال من ارتحل إلى الشرق طلبًا للعلم.