على غرار الأثر الذي خلّفته أعمال شكسبير في الأدب الإنجليزي وأعمال دانتي في الأدب الإيطالي، هناك أربع روايات كان لها التأثير الأكبر في الأدب الصيني، وتُصنف ضمن الجواهر التي يعجّ بها الأدب الصيني الكلاسيكي والتي تُعدّ مقياسًا للأعمال الأدبية الصينية القيّمة وحجر الأساس للأعمال الأدبية الصينية المعاصرة، وهذه الروايات هي "حافة الماء" و"رحلة إلى الغرب" و"رومانسية الممالك الثلاث" و"حلم الغرفة الحمراء".
أصل هذه الروايات وأثرها
يرجع تاريخ هذه الروايات الكلاسيكية الأربع العظام في الأدب الصيني (بالإنجليزية: Four Great Classical Novels) إلى عهد أسرة مينغ وعهد أسرة تشينغ، ويعرفهم الصينيون من خلال الأوبرا أو وسائل الإعلام والثقافة المنتشرة حيث بُنيت الكثير من الأعمال الفنية، مثل القصص والمسرحيات والأفلام والألعاب، على هذه الروايات.
ولم يقف تأثير هذه الروايات حد الصين والصينيين فقط، بل امتد تأثيرها عبر قارة آسيا فصورت الأساطير اليابانية والكورية وغيرها من الأساطير المنتشرة في منطقة جنوب شرق آسيا، وما يميزها أنها أضفت طابعًا فلسفيًا وشاعريًا على الأعمال الأدبية الصينية، وجمعت بين الحكايات التاريخية والخرافات، وبرزت بطابعها الساخر في التعبير عن الواقع والسلطة، وهو الأمر غير المتعارف عليه في ذلك الوقت.
ما هي الروايات الكلاسيكية العظام في الأدب الصيني؟
تتكون الروايات الكلاسيكة العظام في الأدب الصيني من أربع روايات، وهي كما يلي:
"حافة الماء"
نُشرت رواية حافة الماء أو هامش المياه أو الهامش المائي في القرن الرابع عشر ولم تُعرف شخصية كاتبها، إلا أن المؤرخين يرجحون أنها "شي ناي آن" (Shuǐhǔ Zhuàn)، وهي أولى الروايات الصينية الكلاسيكية التي وضعت الأساس الذي سارت عليه الروايات الثلاث الأخرى في القائمة. ويُذكر أنها تُرجمت إلى عدد من اللغات الأخرى بعناوين مختلفة مثل "حكاية الأهوار" و"الخارجون عن القانون من الأهوار" و"كل الرجال أخوة" و"رجال الأهوار" و"أهوار جبل ليانغ".
وتدور أحداث الرواية في عهد أسرة سونج حول حياة مجموعة من الخارجين عن القانون الذين تقضي عقوبتهم بالمشاركة مع الإمبراطور في حربه ضد الغزاة للحصول على العفو، واستندت أحداث الرواية في حبكتها إلى قصة واقعية لرجل يُدعى "سونج جيانج" هزمه الإمبراطور في القرن الثاني عشر، وأتت عصابته المكونة من 36 من الخارجين عن القانون لإنقاذه لتكون محور الحكايات الشعبية في جميع أنحاء الصين. ويرجع البعض نجاحها إلى سخريتها من ظلم الطبقات الحاكمة وشكاوى العامة من هذا الظلم، بالإضافة إلى تصويرها لاستياء الكثيرين من حكم أسرة مينغ. ويُذكر أن الرواية حُظرت لفترة من الوقت زعمًا بتحريضها على أعمال الشغب والفتنة.
"رحلة إلى الغرب"
تُصنف رواية رحلة إلى الغرب بأنها الرواية الأكثر تأثيرًا وشهرة داخل الصين وخارجها من الروايات الصينية الكلاسيكية الأربع، وكتبها وو تشنغ إن (Xī Yóu Jì) في القرن السادس عشر، وتدور أحداثها حول رحلة راهب هندي يدعى "شوانزانغ" الذي يسافر من الهند إلى الصين ويتنقل عبر المقاطعات رفقة ثلاثة من تلاميذه اصطحبوه للتكفير عن خطاياهم وذنوبهم في الماضي، وتمثل البوذية المحور الذي تقوم عليه الرواية والإطار الذي تستند إليه القصة، والتي تتقاطع مع بعض الأساطير والمعتقدات الدينية مثل وحدة الوجود وتعاليم الطاوية.
وضمّت الرواية العديد من المخلوقات مثل الشياطين الذين يواجههم شوانزانغ، بالإضافة إلى مجموعة من الحيوانات التي تتصرف بشكل إنساني مثل القرد والخنزير وغول النهر، الذين يمثلون التلاميذ الثلاثة. ويُذكر أن الرواية تُرجمت إلى الإنجليزية بعنوان "القرد"، مع التركيز على هذه الشخصية وعلى مآثرها ومنحها المساحة الأكبر، وحققت نجاحًا كبيرًا. وتُصنف الرواية ضمن أدب "الآلهة والشياطين" –مصطلح صاغه الكاتب والمؤرخ لو شون- وتماثل في أهميتها الأساطير اليونانية لهومر.
"رومانسية الممالك الثلاث"
تعود رواية رومانسية الممالك الثلاث أو غراميات الممالك الثلاث (بالإنجليزية: Three Kingdoms) إلى القرن الرابع عشر وتُنسب إلى المؤلف الصيني لوو غوان جونغ (Sānguó Yǎnyì) وتتناول فترة الممالك الثلاث في تاريخ الصين ابتداءً من عام 169 ميلادي حتى نهاية عام 280 عند توحيد الأراضي الصينية.
وتدور أحداث الرواية حول المؤامرات والخداع السياسي، وتتميز بالجمع بين التاريخ والأساطير، بالإضافة إلى ضمها مئات الشخصيات. ويدور موضوعها الأساسي حول تفكك الصين إلى ثلاث ممالك، وهي "مملكة تساو واي" و"مملكة شو هان" و"مملكة وو الشرقية"، ثم انعقاد المصالحة بينهم وتوحدهم في نهاية المطاف.
وتحظى الرواية بشعبية جارفة في الصين حتى وقتنا الحالي، وكان لها تأثير كبير على الهوية الصينية، ولا يزال الكثير من شعب الصين يرددون عبارتها الافتتاحية "إنها حقيقة بديهية عامة في هذا العالم، أن أي شيء منقسم منذ فترة طويلة سيتوحد في النهاية، وأي شيء موحد طويلًا سينقسم بالتأكيد" ويشيدون بها.
"حلم الغرفة الحمراء"
كتبت رواية حلم الغرفة الحمراء (بالإنجليزية: The Dream of the Red Chamber) في القرن الثامن عشر بيد المؤلف تساو شوي تشين (Hóng Lóu Mèng)، وهي أشبه بسيرة ذاتية لمؤلفها، يعبر فيها عن التدهور المالي والمعنوي والأخلاقي لأسرته في حكم أسرة تشنغ.
وتُصنف هذه الرواية بأنها الأكثر دقة في تصوير المجتمع الصيني عن الروايات الثلاث الأخرى، واعتمد الكاتب فيها على تصوير طبقات المجتمع على اختلافها من حيث الغنى والفقر خلال القرن الثامن عشر، وقدم عرضًا مفصلًا لحياة الطبقة الأرستقراطية الصينية في القرن الثامن عشر. وتتميز الرواية بأنها تعطي نظرة ثاقبة على العالم الديني والاجتماعي والسياسي للصين من خلال عيون الطبقة العليا هناك، بالإضافة إلى نظرة موسعة على مجموعة متنوعة من جوانب الحياة الثقافية الصينية.
أهمية الروايات الكلاسيكية الأربع العظام في الأدب الصيني
تتمثل أهمية تلك الروايات الأربع في أنها وضعت أساس الأدب الصيني المعاصر ومقاييسه وعناصره، بجانب الآفاق التي فتحتها أمام الجمهور والقرّاء من العامة حول بعض جوانب الحياة المخفية عنهم، وتمثل نافذة تاريخية على الحياة في الفترات التي تتناولها وأخبرت بالكثير عما كان يدور في فترات الأسر والممالك الصينية القديمة من نزاعات وتمرد وتفكك، ثم اتحاد في النهاية.