لعب الأدب الإسباني منذ نشأته في العصور الوسطى دورًا مهمًا في تاريخ إسبانيا في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والثورية وغيرها، إذ نقل العديد من الصور المتعلقة بأهوال الحروب الأهلية في إسبانيا وأظهر العنصر الديني والتعليمي والتربوي في العديد من الأشكال الأدبية التي تطورت لتشمل النثر والشعر والمسرح.

ويشار إلى أن الأدب الإسباني ونتيجة انتمائه لبقعة جغرافية استراتيجية كانت محط أنظار العديد من الدول العظمى على مر العصور، تأثر بصورة كبيرة بالعديد من الثقافات والتي من أهمها الثقافة العربية واليهودية والمسيحية، إذ يمكن من خلال الاطلاع على الأدب الإسباني إيجاد جذور لهذه الثقافات المتنوعة والتي منحته طابعًا فريدًا متميزًا عن غيره من الآداب.

ومن الجدير ذكره أن تاريخ الأدب الإسباني يعود إلى ما يقارب 1000 عام ويُعد أحد فروع الأدب الرومانسي والممهد لتطور أدب أمريكا اللاتينية والذي يضم بين طياته الأدب القشتالي ويشير إلى كافة الأعمال الأدبية المنتجة من قبل الأدباء في الدول الناطقة باللغة الإسبانية في القارات المختلفة خارج أوروبا، إضافة إلى إسبانيا.

مفهوم الأدب الإسباني

يشير مصطلح الأدب الإسباني (بالإنجليزية: Spanish Literature) إلى كافة الأعمال الأدبية المنتجة في إسبانيا ضمن ثلاثة أقسام لغوية رئيسية وهي القشتالية والكتالونية والجاليكية، إذ تشير القشتالية إلى كافة الأعمال الأدبية المنتجة في فترات الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبيرية والمتميزة بلغتها الرومانسية والشعبية، بينما يشير الأدب الكتالوني إلى الأعمال الأدبية المنتجة في القرن الرابع عشر ميلادي في إسبانيا والمتميزة باستخدام اللهجة الفرنسية القديمة والتي تطورت عنها المدرسة الشعرية واستخدمت فيها القافية الشعرية والوزن، بينما تشير الجاليكية إلى الأدب المكتوب باللغة البرتغالية والذي يعد جزء لا يتجزأ من الأدب الإسباني، والجدير ذكره أن هذه اللغة استخدمت في الأدب الشعري والغنائي بصورة خاصة في القرون الوسطى.

تاريخ الأدب الإسباني

مر الأدب الاسباني بالعديد من المراحل وفيما يأتي أهم مراحل تطور الأدب الإسباني والتعريف بها:

  • الأدب الإسباني في العصور الوسطى

تشكل العصور الوسطى (القرن  15-5ميلادي) مهد الأدب الإسباني إذ تشير السجلات التاريخية إلى أن أول عمل أدبي أنتج باللغة الإسبانية المكتوبة كان في العصور الوسطى، وتعد قصيدة إل سيد (بالإنجليزية: El Cid) أول عمل شعري مكتوب، وأشهر الأدباء في هذا العصر الكاتب الإسباني جونزالو دي بيرسيو مؤلف كتاب معجزات السيدة العذراء.

  • الأدب الاسباني في القرن الخامس عشر ميلادي

صُنف القرن الخامس عشر ميلادي في تاريخ الأدب الإسباني حلقة وصل بين أدب العصور الوسطى وأدب النهضة، وتميز بموضوعاته التي تتناول الدين والتعليم بصورة أساسية، ويشار إلى أن الشعراء خلال هذه الفترة أظهروا عبر الأدب الإسباني فلسفتهم الدنيوية، وأشهر من قام بذلك الشاعر القشتالي خورخي مانريكي.

  • الأدب الإسباني في عصر النهضة

امتدت هذه الفترة لتمشل الأدب في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ميلادي، إذ تميز فيها الأدب بالفصل بين الخيال والقوة الخارقة والطبيعية كرد فعل على أدب العصور الوسطى الذي تميز بإظهار الجانب الديني، وأهم ما برز في هذه الفترة ظهور ثلاثة أنواع للشعر الإسباني وهي شعر الدنس والشعر الصوفي والشعر الزاهد، وأشهر شعراء هذه الفترة جارسيلاسو دي لا فيجا وفراي لويس دي ليون والقديس يوحنا والقديسة تريزا.

  • الأدب الإسباني في عصر الباروك

امتدت هذه الفترة حتى نهاية القرن السابع عشر ميلادي إذ تميز الأدب خلالها بالتشاؤم والكآبة كرد فعل على المثالية والتفاؤل الظاهر في أدب النهضة، وتجدر الإشارة إلى أنه مع انحطاط الإمبراطورية الإسبانية البطئ منذ القرن السابع عشر، بدأ الأدب الإسباني يأخذ اتجاه جديد نحو الشعر المصطنع إذ ظهرت فيه الكثير من التعبيرات اللاتينية، إضافة إلى ذلك، أُعيد خلال هذه الفترة إحياء المسرح ليظهر لوبي دي فيجا كأحد أهم الكتاب المسرحيين في عصر الباروك وبجانبه الكاتب المسرحي العظيم بيدرو كالديرون دي لا باركا والذي ساعد على تطور الشخصيات المسرحية إذ أضفى عليها التفكير والعمق.

  • الأدب الإسباني في عصر التنوير والنيوكلاسيكية

خلال القرن الثامن عشر ميلادي وفي عهد الملك فيلب الخامس، عاد الأدب الإسباني إلى الكلاسيكية وذلك بهدف تحقيق عدة غايات أهمها الغايات التعليمية والأخلاقية، ومن أهم الإنتاجات الأدبية خلال هذه الفترة حكايات إيريارت وسامانييجو ورواية كارتاس ماروكاس.

  • الأدب الإسباني في القرن التاسع عشر ميلادي

يشير العصر الرومانسي في الأدب الإسباني إلى فترة القرن التاسع عشر ميلادي، إذ نشأت الرومانسية كرد فعل على العقلانية المنتشرة في الحقبة السابقة، وأهم الأدباء في هذه المرحلة إسبرنيسيدا وبيكير.

ومن ناحية أخرى ظهر اتجاه آخر في الأدب الإسباني في القرن التاسع عشر ميلادي وهو الواقعية والطبيعية، وأشهر ما كُتب في هذا الاتجاه كتاب الحلقات الوطنية للكاتب جالدوس والذي تناول تاريخ ما يقارب 100 عام من الحروب في إسبانيا، ويعد كلارين أهم ممثل للمدرسة الطبيعية في الأدب الإسباني.

  • الأدب الإسباني في القرن العشرين ميلادي حتى يومنا الحالي

تميز الأدب الإسباني في القرن العشرين بالجمال الشكلي بصورة أساسية وأراد الأدباء خلال هذه الفترة تجديد المجتمع إذ استخدموا الأدب وسيلة لنقل صورة ووجهة نظر معينة فتحدثوا عن مشاكل إسبانيا واستخدموا لغة بسيطة وواضحة، ومع انتهاء الحروب الأهلية ما بعد عام 1997م أُطلق على أدب هذه الفترة اسم أدبيات ما بعد الحرب وأبرز كتاب هذه المرحلة كاميليو خوسيه سيلا.

خصائص الأدب الاسباني

تميز الأدب الإسباني عن غيره من الآداب بالعديد من الخصائص وفيما يأتي ذكرها وبيانها:

  • خصائص الأدب الإسباني في العصور الوسطى

تميز الأدب الإسباني خلال العصور الوسطى بمواضيعه الدينية وتعاليم العقيدة والأخلاق، وضم أول الأعمال الأدبية النثرية والشعرية والتي تميزت بموضوعاتها البطولية، إضافة إلى ذلك برزت الأسطورة في الأدب الإسباني ومآثر الفرسان، ومن الجدير ذكره أن الأدب الإسباني كتب خلال هذه الفترة باللغة القشتالية.

  • خصائص الأدب الإسباني خلال عصر النهضة

تميز الأدب الإسباني خلال هذه الفترة بظهور العديد من الاتجاهات وأهمها الطبيعة، إذ أصبحت الطبيعة نموذجًا للفن والحياة، وظهرت الإنسانية كعنصر أول في الأدب وليس الدين، إضافة إلى بروز عنصر الاعتدال والعقلانية والانسجام في الإنتاج الأدبي، ويشار إلى أن الأساطير اليونانية والرومانية ظهرت بصورة جلية في الأدب الإسباني، وأصبح الحب يظهر مصدرًا للتعذيب في الأدب الإسباني، وظهر أيضًا الأدب الصوفي خلال هذه الفترة.

  • خصائص الأدب الإسباني في عصر الباروك

تميز الأدب خلال هذه الفترة بالسخرية والقسوة، وضم العديد من الموضوعات الأساسية مثل الموت والطبيعة والمشاكل الاجتماعية الإنسانية المخادعة، ويشار إلى أن عنصر التعقيد ظهر بصورة كبيرة في الأدب الإسباني خلال هذه الفترة ويعود السبب في ذلك إلى استخدام الكثير من الزخرفة والحشو والمبالغة والتلاعب بالألفاظ.

  • خصائص الأدب الإسباني في عصر التنوير

تميز الأدب في هذه الفترة بالانفتاح والتعدد إذ احتوى على العديد من الاتجاهات حيث أصبح من الممكن تنمية الشغف الكتابي والتعبير عن المكنونات العاطفية والغرائز، وطغت قيمة الخيال على العقل والواقع في الأدب الإسباني، بالإضافة إلى ظهور عنصر الحيادية اعتقادًا بأن الحياد سبب في الوصول إلى الحقيقية.

  • خصائص الأدب الإسباني في عصر ما بعد الحروب الأهلية والعصر الحديث

تميز الأدب الإسباني خلال هذه الفترة بقوة الصور والموسيقى والصوت خاصة في اللون الشعري، وتميزت الأعمال الأخرى ببحثها عن الذات والجوهر الإنساني، وظهرت موضوعات عدة أهمها البحث عن الخلود عند الموت واستخدام الواقع الحالي ونقد الانتقادات الموجهة ضد التزييف الاجتماعي والسياسي والإنسانية والكرامة والحب.

أهم أدباء الأدب الإسباني

ضم الأدب الإسباني العديد من الأسماء العظيمة والمشهورة على المستوى العالمي، وفيما يأتي أهم أدباء الأدب الإسباني والتعريف بهم:

يُعد ميغل دي سيرفانتس من أشهر الأدباء الإسبان على مر العصور ورائد الرواية الحديثة ويعود السبب في ذلك إلى روايته الأشهر عالميًا دون كيشوت دي لا مانشا والتي نشرت عام 1580م، وتجدر الإشارة إلى أن رواية دون كيشوت تُعدّ ثاني أكثر الأعمال المترجمة في العالم بعد الكتاب المقدس، والتي تروي حكاية رجل نبيل محبط ينطلق لإحياء الفروسية وتحقيق العدالة لها.

يُعدّ فيديريكو جارسيا لوكا أحد أشهر الأدباء الإسبان في القرن العشرين وأحد أشهر الكتاب المسرحيين والشعراء على المستوى المحلي في إسبانيا، وأهم الموضوعات التي تطرق لها هي الفلامنكو والغجر والحياة الريفية، وظهرت الحياة الأندلسية في أدبه بصورة جلية.

يُعدّ خوان خمينيز أحد أهم الأدباء في إسبانيا والحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1956م، برز خمينيز في مجال الشعر وتميز بغزارة إنتاجه، وتميز شعره أيضًا بالتعبير عن الحب بصورة أساسية، وأهم ما يميز كتاباته الشعرية أنها كتبت بلا رسالة لكنها كانت تنتج لطبيعة غنائية إذ كان خمينيز منجذب للشعر الخالص (الشعر من أجل الشعر).

  • روساليا دي كاسترو (Rosalía de Castro)

تُعدّ روساليا دي كاسترو أولى الكاتبات الحاصلات على اعتراف وطني في إسبانيا ككاتبة، إذ تميزت كاسترو بكتابتها باللغة الجاليكية المتميزة بتصويرها للجانب القاسي والمظلم من الحياة، وتطرقت لموضوع الفقر بصورة أساسية في أدبها، بالإضافة إلى بروز عنصري الحزن والحنين في كتاباتها.

  • بيو باروخا (Pío Baroja)

اشتهر بيو باروخا، أحد أدباء القرن السابع عشر، بكتاباته الواقعية إذ كتب عن حياة الطبقات العاملة والفقراء وكان من أشهر أعماله ثلاثية الكفاح من أجل الحياة.