دمشق هي عاصمة الجمهورية العربية السّورية وتقع في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد ويحدها من الجنوب سهول حوران ومن الشرق البادية السورية ومن الشمال والغرب جبال القلمون وجبال لبنان الشّرقية، وتُعدّ دمشق من أقدم المدن في الشرق الأوسط ويعود تاريخ تأسيسها للألفية الثالثة قبل الميلاد في العصور الوسطى، وبحكم موقعها الجغرافي الواقع على الطريق الذي يربط الشّرق والغرب كانت دمشق فيما مضى مركزًا تجاريًا وثقافيًا مهمًا.

ومدينة دمشق من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، حيث أظهرت الحفريات في المدينة أنها كانت مأهولة بالبشر منذ 8000 - 10000 قبل الميلاد.

التاريخ القديم لدمشق (قبل الفتوحات الإسلامية)

تُظهر السجلات التاريخية أنّ الآراميين البدو الذي قدِموا من شبه الجزيرة العربية هم أول من سكنوا مدينة دمشق وأنشأوا بها نظامًا لتوزيع المياه من خلال إنشاء مجموعة من الأنفاق والقنوات، وفيما بعد قامت دولة آرامية في دمشق وأطلقوا عليها اسم "آرام دمشق"، ثم سيطر عليها الإسرائيليون خلال القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد، ومن ثم استطاع الجيش الآشوري الاستيلاء على المدينة عام 732 قبل الميلاد.

بعدها وقعت دمشق تحت سيطرة الغرب خلال الحملة التي قادها الإسكندر الأكبر على الشرق الأدنى، ولكن بعد وفاته عام 323 قبل الميلاد أصبحت دمشق مدينة مُتنازع عليها من قبل العديد من الإمبراطوريات، لتقع في نهاية المطاف تحت الحكم الروماني ودمجوها لاحقًا في اتحاد عشر مدن عُرف باسم "ديكابولس"، وخلال هذه الفترة كانت دمشق موطنًا لعدد من يهود الشتات، وفيما بعد احتلها العرب الأنباط، ولكنها عادت مرة أخرى لسيطرة الرومان وأنشأوا بها العديد من المباني التي ما تزال آثار بعضها موجود حتى يومنا هذا وحظيت حينها بأهمية كبيرة لوقوعها على طرق التجارة العالمية.

دمشق بعد الفتوحات الإسلامية

فيما يلي سنتعرف على تاريخ نشأة دمشق بعد الفتح الإسلامي:

  • الخلافة الإسلامية: في أثناء الخلافة الإسلامية، سيطر المسلمون على الأردن وفلسطين بعد أنّ هزموا جيوش الروم وأجبروهم على دفع الجزية للمسلمين، واتجه المسلمون نحو دمشق لقتال الروم وتحرير المدينة بما أنها كانت أكبر حامية للروم آنذاك وفُتحت صُلحًا بعد حصار المسلمين لها.
  • الخلافة الأموية: اتخذ الأمويون من دمشق عاصمة لخلافتهم وشيدوا فيها العديد من المباني والقصور وكان أهمها المسجد الأموي الذي أمر ببناءه الخليفة الوليد بن عبد الملك، ويُعدّ حتى يومنا هذا من أهم المساجد في العالم، وازدهرت دمشق كذلك في العهد الأموي من جميع النواحي السياسية والإدارية والعمرانية والتجارية والاقتصادية.
  • الخلافة العباسية: في عام 750م سقطت الخلافة الأموية وقامت الخلافة العباسية بعد أنّ حاصرت الجيوش العباسية دمشق لمدة شهر ونص، وبعد ذلك دخلتها مُعلنةً انتهاء الخلافة الأموية بعد حكم دام ما يقارب 90 عامًا، ويروي التاريخ أنّ الجيوش العباسية ارتكبت العديد من أعمال القتل والنهب والتخريب في المدينة، وخلال الخلافة العباسية تراجعت مكانة دمشق وأصبحت مدينة مُتنازع عليها من قبل بعض الجماعات والدويلات فوقعت تحت حكم الطولونيين ثم الإخشيديين ثم استولى عليها القرامطة.
  • الخلافة الفاطمية: في عام 970م سيطر الفاطميون على دمشق وعانت المدينة في البداية من فترة مضطربة، ولكن في عهد الفاطمي الظاهر ازدهرت دمشق وبدأ مخطط المدينة يتحول من التخطيط الروماني إلى النمط الإسلامي، ولكن عانى أهلها من المجرمين وابتزاز العسكر لهم.
  • الدولة الأيوبية: نشأت الدولة الأيوبية في مصر ثم امتدت إلى بلاد الشام، وأولى صلاح الدين الأيوبي اهتمام كبير بدمشق حتى أنها كانت مكان يقصده طلاب العلم من جميع أنحاء العالم للدراسة في كلياتها المختلفة.
  • حكم المماليك: شهدت دمشق في أثناء حكم المماليك نهضة كبيرة وازدهرت من مختلف النواحي، ولكن في عام 1400 اجتاح المغول المدينة وقتلوا الكثير من أهلها وأحرقوا المسجد الأموي واستعبدوا الرجال والنساء ونقلوا عدد كبير من حرفيّ المدينة إلى عاصمتهم سمرقند، وفي يومنا هذا يوجد في دمشق منطقة تُسمى "برج الروس" وهي اختصار لكلمة "الرؤوس" وسُميت بذلك لأنّ جنود المغول كانوا يعلقون رؤوس البشر عليه لإلقاء الرعب بقلوب الأهالي، وفيما بعد استعاد المماليك دمشق وعملوا على إعادة بنائها.
  • الخلافة العثمانية: في عام 1546م طويت صفحة المماليك في بلاد الشام وبدأت دمشق صفحة جديدة مع العثمانيين الذين اتخذوا من دمشق مركزًا لولاية ضمت أجزاء من بلاد الشام تعاقب عليها عدة ولاة وحظيت دمشق خلال الحكم العثماني باهتمام كبير كونها كانت إحدى نقاط انطلاق قوافل الحج لمكة المكرمة، وشهدت حركة عمران كبيرة شملت القصور والمدارس والمباني، وبقيت دمشق تحت الحكم العثماني حتى عام 1918 عندما دخلتها قوات الثورة العربية بقيادة نوري السعيد.

دمشق في وقتنا الحاضر

دمشق في وقتنا الحاضر هي عاصمة الجمهورية العربية السورية ومن أجمل المدن في الشرق الأوسط، فأشاد بجمالها وخصوبتها الرحالة والمستكشفون واُطلق عليها لقب "لؤلؤة الشرق".

وتبلغ مساحتها ما يقارب 105 كم ويُقدر عدد سكانها بخمسة مليون نسمة بحسب إحصائيات عام 2021 وغالبية سكانها هم مواطنين هاجروا من الريف إلى المدينة ويعتنق أغلبهم الدين الإسلامي، ويقوم اقتصادها على عدد من الموارد أبرزها التجارة والسياحة والصناعة ومن أبرز الصناعات التي تشتهر بها المدينة الملابس ومواد البناء والمواد الغذائية والصناعات الثقيلة، بالإضافة إلى الصناعات اليدوية مثل صناعة الذهب والفضة والأواني النحاسية وصناعة الملابس الجلدية.

أهم المعالم التاريخية في دمشق

تمتلك دمشق ثروة كبيرة من المعالم التاريخية التي تعود لفترات مختلفة وساهم بهذه الثروة الحضارات التي تعاقبت عليها، والزائر للمدينة يُتاح أمامه عدة خيارات لاستكشاف المدينة، فيما يلي سنتعرف على أهم هذه المعالم:

  • الجامع الأموي: والمعروف باسم الجامع الكبير أو جامع بني أمية وهو من أقدم المساجد في العالم وأشهرها.
  • سوق الحميدية: وهو واحد من أشهر الأسواق في دمشق وأقدمها، بجانب أنه أهم مركز تجاري في المدينة، ويضم السّوق محال لبيع الأقمشة والألبسة ومستلزمات المنزل والصناعات التقليدية.
  • ضريح صلاح الدين الأيوبي: وهو المكان الذي دُفن به السلطان الأيوبي صلاح الدين ويُعدّ من أهم المواقع الدينية في دمشق.
  • مقام السيدة رقية: وهو المكان الذي دُفنت به رقية ابنة الإمام الحسين ويعود تاريخ بناءه للقرن الأول للهجرة.
  • كنيسة حنانيا: وهي من أقدم الكنائس في العالم، بناها الرومان قبل أكثر من 2000عام.
  • خان أسعد باشا: وهو من أكبر الخانات في دمشق والشرق الأوسط إذ يمتد على مساحة 2500م ويتميز بروعة هندسته ودقة بنائه.
  • قلعة دمشق: ويعود تاريخ بنائها للعصر الأيوبي، وتتميز القلعة بقوة تحصيناتها وتُعد القلعة الوحيدة في سوريا التي لم تُشيد على مُرتفع.
  • قصر العظم: وسُمي بذلك نسبةً للحاكم العثماني أسعد العظم الذي أمر ببناءه عام 1749م، ويُعدّ واحد من أهم النماذج الشاهدة على روعة العمارة الدمشقية.

وعلى الرغم من الحروب والصراعات التي شهدتها دمشق منذ الآلاف السنين، لا تزال مدينة الياسمين التي تغنى بها الشّعراء تُحافظ على سحرها وتألقها وجمالها حتى يومنا هذا.