الدولة العباسية التي يطلق عليها أيضًا اسم الخلافة العباسية أو دولة بني العباس هي ثاني سلالة إسلامية حاكمة بعد الدولة الأموية، حيث استطاع العباسيون الإطاحة ببني أمية من طريقهم والسيطرة على الخلافة والحكم بعد أن قضوا على أخر خليفة أموي وطردوا كل أبناء الدولة الأموية الذين لم ينج منهم إلا من فر إلى الأندلس، مثل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، والعباسيون هم سلالة من رجال العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كونوا جبهة بمساعدة الفرس والشيعة الكارهين للدولة الأموية للإطاحة بالأمويين وزعزعة كيان دولتهم ونجحوا في هذا في نهاية المطاف وأعادوا نقل عاصمة الدولة من دمشق إلى الكوفة ثم الأنبار، قبل أن يبدأوا في تشييد مدينة بغداد لتصبح عاصمة لدولتهم التي استمرت قرابة الثلاثة قرون، ولتصبح في عهدهم أفضل مدن العالم وأكبرها وأجملها وراعية الفنون والثقافة والعلوم.
وكان أزهى عصور الدولة العباسية هو عصر هارون الرشيد وابنه المأمون، حيث وصلت فيه الدولة لمكانة علمية وثقافية لم يسبق لها مثيل في العالم كله، لكن كأي دولة كبيرة تمر بلحظات قوة ولحظات ضعف وانهيار، انهارت الدولة العباسية في نهاية المطاف عام 1258م بسقوط بغداد، وكان من أهم أسباب ضعفها ظهور الأحزاب الدينية والسياسية والحركات الانفصالية، على رأسها الحركة الفاطمية وحركة الأغالبة والأدارسة وغيرهم، وسقطت الدولة بعد أن أصابها الضعف وتمكن هولاكو خان من نهب بغداد وحرقها وقتل أغلب شعبها على رأسهم الخليفة وأبنائه، حيث انتقل بعدها من تبقى من بني العباس للقاهرة وأعادوا إقامة الخلافة –اسمًا فقط– عام 1261م، بينما كان المماليك في واقع الأمر هم الحكام الفعليين للدولة، وظلت الخلافة العباسية قائمة بهذه الصورة حتى سنة 1519م، حينما تمكنت الجيوش العثمانية بقيادة سليم الأول من السيطرة على المدينة وضمها لدولتهم بعد أن تنازل آخر خلفاء الدولة العباسية عن لقبه للسلطان سليم ونقل العثمانيون مركز العاصمة من القاهرة إلى القسطنطينية.
نشأة الدولة العباسية
بدأت فكرة تأسيس الدولة العباسية منذ بداية القرن الثاني حينما كانت الدولة الأموية في أوج قوتها في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، ونشأت الفكرة على يد محمد بن علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، بدافع إعادة الخلافة لبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ العباسيون بتأسيس جماعة سرية والدعوة لها، وكان لهذه الدعوة مركزان، الأول في الكوفة والثاني بخراسان، وبعد وفاة محمد بن علي أكمل مسيرته ابنه إبراهيم الذي دعا الشيعة للوقوف بجواره والتعاون معه.
وبالفعل بدأت الحركة العباسية بالتحرك لا سيما بعد أن تغلغلت النزاعات الداخلية في الدولة الأموية، والتي أدت لإضعافها، فثار العمال والفقراء وغير العرب على الأمويين، وكان هذا الوقت المثالي لنمو قوة الحركة العباسية، وأخذ الوضع منحنى خطير حين بايع أهل الكوفة أبا العباس خليفة لهم، فقامت حرب بين الأمويين والعباسيين، حيث كان مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية هو من يقود جيش الأميين، بينما كان أبو العباس هو من يقود جيش العباسيين، والتقى الفريقان في العراق بالقرب من نهر الزاب، واستطاع العباسيون القضاء على الأمويين تمامًا، وبهذا نشأت الخلافة العباسية عام 132 هجرية، وبويع على إثرها أبو العباس خليفة للمسلمين.
عصور الدولة العباسية
مرت الدولة العباسية بأربعة عصور منها القوي والضعيف، وكل عصر من العصور كان له سمات ميزته عن غيره من العصور، وهذه العصور بالتفصيل هي:
العصر الأول
العصر الأول من عصور الدولة العباسية كان عصر قوة وتوسع، حيث بدأت الدولة العباسية فيه على يد عبد الله الأصغر الملقب بالسفاح، لأنه قضى معظم فترة ولايته في التخلص من الحركات التي كانت تحاول استرداد أمجاد الأمويين، بالإضافة إلى أنه حاول تقوية الدولة العباسية بتعيين أقاربه من العباسيين في شؤون الحكم، وبعد موته تولي أبو جعفر المنصور من بعده واستمر على نفس النهج واستطاع التخلص من أعدائه من خلال ضرب بعضهم ببعض مما أسفر عن قتل بعضهم بعضا.
وقبل أن يموت المنصور أخذ البيعة لابنه المهدي الذي تولى الحكم من بعده، وكان رجلًا فطنًا حسن السيرة، خير الناس لأهله واصلًا لرحمه، وأخذ البيعة من ابن عمه عيسى بن موسى وأعطاها لابنيه الهادي وهارون الرشيد ليتوليا الحكم من بعده، وخلال حكم هارون الرشيد وصلت الدولة العباسية لأقوى عصورها، إذ كان رجلًا شديد العدل، يهتم لأمر الرعية ويتفقد أحوالهم، وخاض الكثير من الحروب مع البيزنطيين، وكان كل حكام أوروبا يحاولون التقرب منه وكسب وده، وتولى من بعد الرشيد الأمين والمأمون والمعتصم والواثق بالله، واستمرت الدولة العباسية في عهدهم بالتوسع والقوة أكثر وأكثر.
العصر الثاني
لم يكن العصر العباسي الثاني بقوة العصر الأول على الإطلاق، إذ إن الأول اتسم بقوة خلفائه وحنكتهم في إدارة شؤون الدولة، وكان الخليفة فيها صاحب القرار والكلمة الأولى، أما العصر الثاني فلم يكن كذلك، إذ إن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تغيرت واتسعت رقعة الدولة فأصبح من الصعب على الخليفة إدارة شؤونها كلها بكفاءة، وهذا ما أدى لتصاعد قوى صغيرة ومحاولة إقامة دول منفصلة، إذ تصاعد في هذا الوقت نفوذ الأتراك بعد تعيينهم قادة في الولايات النائية وفرضهم للضرائب على الناس وزيادة العبء على كاهلهم، لذا يمكننا أن نطلق على هذا العصر اسم عصر النفوذ التركي، وأهم النتائج المترتبة على ذلك حروب الزنج التي تبعها انفصال العديد من الدول عن الخلافة العباسية وازدياد قوة الشخصيات التركية أكثر لا سيما في عهد المعتصم، خصوصًا بعد انتقال الخلافة من بغداد لسامراء، التي أصبحت مركزًا قويًا للأتراك.
العصر الثالث
العصر الثالث هو العصر الذي كان رد فعل على العصر الثاني، فبعد ازدياد النفوذ التركي واستيلاء الأتراك على مقدرات الدولة العباسية، ظهر بنو بويه الذين شكلوا حركة انفصالية، أسس على إثرها علي بن شجاع بن بويه دولة في فارس والأهواز وكرمان والري وأصفهان وهمذان، وجذب الناس إليه بفضل شجاعته وقوته وفطنته وحسن تصرفه، ومن قوة ما حققه بنو بويه سمي هذا العصر باسم العصر البويهي الفارسي على اسمهم.
العصر الرابع
هذا العصر هو آخر فصول الدولة العباسية، حيث أنه كان عصر ضعف لا سيما بعد ازدياد حدة الأمور بين السنة والشيعة، وفي هذا الوقت قامت دولة السلاجقة على يد السلطان طغرلبك في خراسان عام 431 هجرية، ولهذا يطلق على هذا العصر اسم العصر السلجوقي التركي، وكانت هذه الدولة تعتنق مذهب أهل السنة وتحاول القضاء على الدولة البويهية الشيعية في فارس، وكانت العلاقة بين السلاجقة وبين الخليفة العباسي طيبة ووطيدة.
سقوط الدولة العباسية
كان المماليك قد قويت شوكتهم في المشرق وكان لهم دور كبير في حمايته في العصر العباسي، لا سيما بعد اجتياح هولاكو لبغداد وإسقاطها، وقام سيف الدين قطز بمحاربة جيش هولاكو في معركة عين جالوت وانتصر عليهم عام 1261م، وتوفي قطز في أثناء عودته من المعركة من الشام لمصر وتولى بعده الظاهر بيبرس الذي استطاع التغلب على الصليبيين في العديد من المعارك وفتح بافا وأنطاكية، ثم طلب بيبرس من الخليفة العباسي أن يعطيه تفويض مطلق الصلاحية لإدارة شؤون البلاد، وبهذا التفويض أصبح الخليفة العباسي مجرد رمز للدولة ومصدر لشرعيتها فقط، ويمكننا أن نقول إنه مع سقوط بغداد عام 1258م سقطت الدولة العباسية كدولة، أما الخلافة نفسها كاسم استمرت حتى عام 1517م في كنف المماليك، ولم تسقط الخلافة العباسية تمامًا إلا بعد انهيار الدولة المملوكية وسقوطها إثر معركة مرج دابق، التي انتصر فيها السلطان سليم الأول العثماني على الأشرف طومان باي آخر المماليك.