بغداد هي العاصمة السياسية والإدارية لجمهورية العراق وأكبر مدنها وواحدة من أكثر المدن اكتظاظًا بالسكان في الشرق الأوسط، وهي ثاني أكبر مدينة في جنوب غرب آسيا تسبقها طهران، بالإضافة إلى أنها ثاني أكبر مدينة في الوطن العربي بعد العاصمة المصرية القاهرة.
تقع بغداد على نهر دجلة الذي يقسم المدينة إلى قسمين، ويحدها من الشرق محافظة ديالى، ومن الجنوب محافظتي بابل وواسط، ومن الغرب محافظة الأنبار، ومن الشمال محافظة صلاح الدين، وتقدر المساحة الإجمالية لبغداد بـ 5.169 كم مربع، بينما يبلغ عدد سكانها 9.400.000 مليون نسمة بحسب إحصائية عام 2018م.
سبب التسمية
اختلف الباحثون والمؤرخون على أصل كلمة بغداد، فمنهم من قال إنّ أصل التسمية جاء من اللغة الفارسية القديمة، وهي مكونة من مقطعين وهما "بغ"، والتي تعني الإله، و"داد" والتي تعني الهدية أو العطية، وبهذا يكون معنى اسم بغداد "هدية الله"، وهذا هو القول الأرحج، ومنهم من قال إنّ أصل الكلمة يعود للغة الآرامية فكلمة بغداد تعني بالآرامية "حظيرة الغنم"، بينما قال آخرون إنّ أصل كلمة بغداد يعود للغة الكلدانية فاسم بغداد مأخوذ من كلمة "بلداد" وهو أحد آلهة الكلدانيين.
ولقبت بغداد على مدى التاريخ بعدة ألقاب منها مدينة السّلام ومدينة المنصور وعاصمة الرشيد والمدينة المدورة ومدينة الخلفاء ومدينة المنصور.
تأسيس مدينة بغداد
من المعروف أنّ العباسيين هم من أسسوا مدينة بغداد، ولكن الحقيقة أنّ المدينة كانت موجودة قبل العباسيين ولكنها كانت قرية صغيرة منذ الفترة الساسانية وكان بها سوق تجاري كبير يقصده العديد من التجار، وبعد سقوط الدولة الأموية عام 750، بعد حكم دام لما يقارب تسعين عامًا، تولى العباسيون الخلافة وأرادوا أنّ تكون لهم عاصمتهم الخاصة فاختار الخليفة أبو جعفر المنصور أحد المواقع شمال العاصمة الساسانية قطسيفون (آخر إمبراطورية فارسية حكمت بلاد فارس قبل الفتوحات الإسلامية) ليكون موقعًا لعاصمتهم الجديدة، وفي عام 762م أمر الخليفة المنصور ببناء المدينة واستمرت عملية البناء أربعة أعوام، ومن ثم نمت بغداد بسبب عاملين، وهما وقوعها على الطرق الاستراتيجية والتجارية على طول نهر دجلة ووفرة مياهها من الناحية الشمالية والجنوبية.
وأولى الخلفاء العباسيون أهمية كبيرة بعاصمتهم، فاشتهرت بغداد بمكتباتها الاستثنائية وقصورها الفخمة ومساجدها المذهلة التي بُنيت بأشكال معمارية منفردة، وخلال أواخر القرن الثامن وبداية القرن التاسع وصلت بغداد أوج ازدهارها في جميع المجالات، وكانت حينها أغنى مدينة في العالم ومركزًا للتعلم والتجارة، ويرجح أنها كانت أكبر مدينة في العالم بعدد سكان يقدر بمليون نسمة، ولكن فيما بعد تدهورت بغداد بسبب عدة عوامل من أهمها:
- نقل العباسيون عاصمتهم إلى مدينة سامراء وذلك عام 834م.
- وجود خلافات واضطرابات داخل الخلافة.
- تعرض بغداد لعدة غزوات من قِبل الغرب، مما أدى لتراجع المدينة وتحول بعض أجزائها لخراب.
- تراجع الزراعة بسبب إهمال نظام الري.
ورغم ذلك بقيت بغداد واحدة من أهم المراكز الثقافية والتجارية في العالم.
بغداد بعد سقوط الخلافة العباسية
استمر حكم العباسيين مدة خمسة قرون، وفي عام 1258م هاجم المغول بقيادة هولاكو مدينة بغداد وقتلوا معظم سكانها، ومنهم الخليفة العباسي المعتصم بالله، ونهبوها ودمروا أجزاء كبيرة منها ودمروا القنوات والسدود المائية وأسقطوا الدولة العباسية، وفي عام 1401م هاجم القائد التركي تيمور شاه مدينة بغداد وقتل عدد كبير من أهلها ونهب خيراتها، ومن عام 1400م ـ 1411م، حكمت بغداد السلالة الجلائرية، ومن عام 1411ـ 1469م حكمتها أحد قبائل التركمان ويطلق عليها اسم "قره قويونلو"، ومن ثم وقعت المدينة تحت حكم قبيلة أخرى من التركمان وتسمى "آق قويونلو" وبقيت تحت سيطرتهم حتى عام 1508م، ومنذ عام 1508م ـ 1534م وقعت بغداد تحت سيطرة الدولة الصفوية.
وفي عام 1534م غزا الأتراك مدينة بغداد وسيطروا عليها، وخلال حكمهم ضعفت المدينة وتراجعت أهميتها نتيجة الهجمات الفارسية المتكررة عليها، فكان الفرس يحكمونها لفترات قصيرة ثم يحررها العثمانيون، وكانت أطول فترة حكم الفرس المدينة هي الفترة ما بين 1623م ـ 1638م، وبقيت بغداد على هذا الحال، تارةً يحكمها الفرس وتارةً يحكمها العثمانيون.
وفي عام 1817م حكم بغداد المماليك بأمر من السلطة العثمانية وعُين داود باشا واليًا لبغداد، وخلال حكمهم شهدت المدينة عهدًا من التقدم والنهضة حيث قاد داود باشا حركة إصلاحية شملت الجيش والتعليم والاقتصاد.
بغداد في العصر الحديث
بقيت بغداد تحت حكم المماليك حتى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914م، إذ وقعت بلاد الرافدين تحت الانتداب البريطاني، وفي عام 1920م اتُخذت بغداد عاصمة للدولة العراقية، وبتاريخ 5 مارس/آذار 1920م انتفض الشعب العراقي ضد الحكم البريطاني وذلك بسبب تراجع الدولة البريطانية عن وعودها للشعب العراقي باستقلال بلاده، وسُميت هذه الانتفاضة بثورة العشرين، وعلى إثرها نشرت بريطانيا ما يزيد عن 100 ألف جندي في شتى أنحاء البلاد، ولكن لم يأبه الشعب العراقي لهم، بل على العكس امتدت الثورة لتشمل كافة المدن العراقية، وخلالها دارت العديد من المواجهات بين الطرفين وراح ضحيتها الآلاف من الشعب العراقي ومئات من الجيش البريطاني، وعندما شعرت بريطانيا أنها لا تستطيع الاستمرار بهذه المواجهة بعد أنّ كلفتها خسارة عشرات الملايين وفقدان عدد كبير من جنودها، قررت تعيين الملك الهاشمي فيصل الأول ملكًا على العراق وذلك عام 1921م، ولكنه كان يتبع للدولة البريطانية، ولاقي الملك فيصل ترحيبًا من كافة أطياف الشّعب العراقي.
وبتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1932م حصلت العراق على استقلال رسمي وبقي الملك فيصل ملكًا على العراق حتى وفاته عام 1933م.
وبقيت العراق تحت حكم الهاشميين حتى عام 1958م عندما أطاح الجيش العراقي بحكمهم بدعم من بريطانيا وبمساندتها، وحكم البلاد العميد عبد الكريم قاسم، وفي عام 1968م تولى حزب البعث العربي الاشتراكي تحت قيادة صدام حسين حكم العراق، وخلال حكمه شهدت بغداد نهضة كبيرة في مختلف المجالات ساعدها في ذلك نمو الاقتصاد بسبب تصدير البترول.
ولكن تراجعت البلاد بسبب الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات، وشنت خلالها إيران عدة هجمات صاروخية على بغداد تسببت بعدة أضرار وعدد من القتلى، وفي عام 1990م اندلعت حرب الخليج وتعرضت بغداد لقصف مكثف دمر الكثير من أجزائها.
وفي شهر أبريل/نيسان من عام 2003م دخلت القوات الأمريكية بغداد بسبب ادعاء أمريكا أنّ العراق يطور أسلحة نووية وكيميائية وبحجة الحفاظ على الأمن وإرساء القانون في البلاد، وتعرضت المدينة مرة أخرى لقصف مكثف وتعرضت ممتلكاتها للنهب والسرقة، ومن ثم احتلت القوات الأمريكية بغداد وأطاحت بحكم صدام حسين.
وفي عام 2007م بدأ الجيش الأمريكي الإنسحاب من العراق، وفي عام 2011م أعلنت الحكومة العراقية رسميًا انسحاب جميع القوات الأمريكية من البلاد، مخلفةً ورائها آلاف القتلى من الشعب العراقي، منهم من كان ضحية الخلافات الطائفية وآخرين كانوا ضحية الاشتباكات مع الجيش الأمريكي.
اقتصاد مدينة بغداد
تُعدّ مدينة بغداد مركزًا رئيسًا للصناعة في العراق ويسهم اقتصاد المدينة بنسبة 40% من إجمالي اقتصاد البلاد، ويعتمد اقتصاد بغداد بالمرتبة الأولى على تكرير النفط فيتواجد في شرق المدينة أكبر حقل نفطي في العراق، وتحوي المدينة مصفاة لتكرير النفط تحتل المرتبة الثالثة محليًا من حيث إنتاج النفط.
وتحوي مدينة بغداد أيضًا مصانع للإسمنت والتبغ، بالإضافة لمعامل تصنيع السجاد والجلود والمنسوجات، وكغيرها من المدن العراقية تحوي أرض بغداد العديد من المعادن أبرزها الكروم والألومنيوم والسيراميك والمنجنيز.
أما فيما يتعلق بالقطاع الزراعي، تشتهر بغداد بزراعة أشجار النخيل لا سيما على ضفاف نهر دجلة.
أبرز المعالم التاريخية والأثرية في بغداد
بغداد مدينة ذات حضارة عريقة وتاريخ زاهر دونته مئات السجلات والكتب، لذلك من الطبيعي أنّ تنتشر فيها العديد من المعالم التاريخية والأثرية التي يمتد تاريخها لآلاف السنين، ومن أبرز هذه المعالم نذكر ما يلي:
- متحف العراق: يضم المتحف قطع نادرة ومهمة تعود لحضارات ما بين النهرين كالحضارة البابلية والسومرية والأكادية، بالإضافة إلى للحضارتين الإسلامية والفارسية، ولكن للأسف تعرض المتحف للسرقة والنهب في أعقاب الغزو الأمريكي على المدينة في عام 2003م.
- جامع الخلفاء: بُني الجامع في زمن الخليفة العباسي المكتفي بالله، ويعد أحد أهم المعالم الإسلامية في المدينة والمسجد الوحيد المتبقي من العهد العباسي.
- المدرسة المستنصرية: تأسست المدرسة المستنصرية في القرن الثالث عشر بأمر من الخليفة العباسي المستنصر بالله، وتعد من أقدم المدارس في العالم الإسلامي، وتحوي المدرسة ساعة نادرة تدل على مدى براعة العرب وتقدمهم علميًا، بالإضافة لنافورة كبيرة.
- مسجد الكاظمية: وهو أحد أهم المعالم الدينية لدى الشيعة، حيث يضم المسجد ضريح الإمام موسى الكاظم وحفيده الإمام محمد الجواد، ويتميز المسجد من الداخل بهندسة معمارية فريدة.
- شارع المتنبي: وهو أحد أهم الشوارع الثقافية في العراق، فعلى امتداد الشارع الذي يبلغ طوله ما يقارب واحد كيلو متر تنتشر العديد من المكتبات والأكشاك التي تزخر بالعديد من الكتب باللغتين العربية والإنجليزية وتوجد بعض الكتب باللغة الفرنسية، بالإضافة لعدد من الكتب النادرة، وسمي الشارع بهذا الاسم لوقوعه على مقربة من تمثال المتنبي.