الدولة الإخشيدية هي النموذج التاريخي الثاني للدولة التي استقلت بحكم مصر وبعض ولايات المشرق العربي عن الخلافة العباسية بعد الدولة الطولونية، حيث قامت بعد انهيار حكم الدولة الطولونية بنحو ثلاثين عامًا وتشابهت معها كثيرًا فى ظروف نشأتها ومظاهر الحكم، وكذلك في عدد سنوات بقائها في الحكم، ولذلك فإنه في كثير من كتب المؤرخين يتم تناول تاريخ الدولتين على أنه وحدة واحدة لا تنفصل عن بعضها البعض.

 ولم يكن قيام الدولة الإخشيدية إلا نتيجة مباشرة لسقوط دولة بني طولون، وامتدت الدولة الإخشيدية من مصر إلى فلسطين ثم الحجاز والأردن، بل ونجحت في ضم مناطق جديدة لم تستطع سالفتها أن تضمها، وذلك لعدة أسباب كان من أهمها تقارب الإخشيديين مع حكام الدولة العباسية.

ورغم استمرار حكم الإخشيديين مدة تقارب الخمسة وثلاثين عامًا، واجهت في تلك الفترة الكثير من الأطماع، خاصةً في حكم مصر، وتربصت بها دولة قوية أخرى ذاع صيتها من المغرب العربي ونافست الدولة العباسية على الخلافة، وهي الدولة الفاطمية، واستمرت بينهما المشاحنات والخلافات حتى استطاعت في وقت قصير الاستيلاء على معظم الإمارات التي كانت تتبع الخلافة العباسية في إفريقيا والمشرق العربي.

ولأن مصر كانت دومًا عبر التاريخ محطًا للأنظار، استطاع الإخشيديون الحفاظ على حكم مصر من بعض تلك الأطماع، بل وازدهرت في عهدهم الحياة السياسية والاقتصادية فى مدة قصيرة، حتى سقطت على يد جوهر الصقلي القائد الفاطمي، لتدخل مصر حقبة تاريخية طويلة وهى عصر الدولة الفاطمية.

 من هم الإخشيديون؟

تشير أغلب المصادر التاريخية إلى أن أصول أسرة الملوك الإخشيدين تعود إلى مدينة فرغانة، وهي إحدى المدن التي فتحها العرب فى بلاد ما وراء النهرين، ومن الجدير بالذكر أن تلك المنطقة فُتحت على يد العرب في القرن الثاني الهجري وسميت بذلك الاسم فى كل المصادر التاريخية العربية إشارة إلى النهرين العظيمين الذين يحدّانها، وهما نهر سيحون ونهر جيحون، وكان من أهم مدنها الشهيرة في الحضارة الإسلامية: سمرقند وبخارى وفرغانة وطشقند وخوارزم ومرو وترمذ، وهي أسماء تدل على أعلام لهم مكانتهم فى بزوغ نجم الحضارة الإسلامية، لذلك فإن لقب الإخشيد يعود في الأصل إلى اللغة الفارسية وكان يطلق على ملوك فرغانة، ومعناه ملك الملوك، وكان كل من ملك فرغانة يلقب به كما يلقب الفرس ملكهم كسرى والروم قيصر والترك خاقان واليمن تبع والحبشة النجاشى، وأول من تلقب به محمد بن طغج الإخشيدي، وعلى ذلك فإن لفظ الإخشيد لم يكن اسم علم لشخص معين، بل كان لقبًا يطلق على تلك الطائفة التي حكمت مصر.

وتقول بعض المصادر التاريخية الأخرى وهي الأصح إنه لقب فارسي بالأصل ولم يكن يلقب به إلا الملوك والنبلاء وهو ما أعطاه الخليفة العباسي أبو العباس محمد الراضى بالله للأمير محمد بن طفج نظرًا لبطولاته في القضاء على المتمردين على الدولة العباسية، ومن تلك النقطة بدأت ملامح حكم الدولة الإخشيدية في مصر.

قيام الدولة الإخشيدية

مُحمَّد بن طُغج بن جف بن بلكين الملقب بالإخشيدي، هذا الاسم الذي بزغ نجمه لأول مؤسس لدولة حكمت ربوع مصر ومناطق من المشرق العربى، كان من أسرة عريقة اتسمت بالقوة والشجاعة، وبالعودة إلى الوراء قليلًا فإن جده جف بن بلكين قدم إلى العراق بتوجيهات من الخليفة العباسي المعتصم لما وصف به من الشجاعة والإقدام، وفي فترة عرفت بالاعتماد على العنصر التركي في قيادة الجيوش، ظل جف قائدًا للجيش العباسي طيلة فترة حكم المعتصم والواثق والمتوكل إلى أن توفى عام 241، ومن هنا بدأت رحلة الإخشيديين في الوصول إلى عرش مصر والشام من خلال الأحداث التالية:

  • بعد وفاة جف ترك من الأبناء كل من طفج، والتي تعنى بالعربية عبدالرحمن، وبدر.
  • عين طغج حاكمًا على دمشق بأوامر من خمارويه بن أحمد بن طولون، وكان محل ثقة.
  • ظل طغج بن جف واليًا على دمشق في عهد جيش بن خمارويه الطولوني.
  • بعد الانقلاب على خمارويه وضياع الدولة الطولونية، ما لبث أن شق طفج مع أخيه بدر عصا الطاعة على أمير مصر مع مجموعة من الأشراف.
  • كلف خمارويه طفج بمهمة قتل راغب الخادم والي الثغور، تنفيذًا لأوامر الخليفة العباسي، إلا أن الأخير رفض وأخذ يتلمس الأعذار، لكن خماوريه عزم على الفتك به، غير أنه قتل قبل تحقيق ذلك.
  • بعد أن قتل خمارويه تولى ابنه هارون بن خمارويه مكانه، وكان لهؤلاء القواد الذين انضموا للجيش العباسي أثر كبير في القضاء على الدولة الطولونية.
  • حكم طغج بلاد الشام في عهد هارون بن خمارويه حكمًا مستقلًا إِلى حد كبير، وكان له شأن بارز في أحداث المنطقة وأثر كبير في تحريض بعض قواد الطولونيين على أمرائهم.
  • تولى طغج بن جف بعد القضاء على الطولونيين ولاية قنسرين ثم تركها وذهب إِلى بغداد حيث سجن مع ولديه محمد وعبيد الله، وذلك بعد خلافات مع الخليفة المعتمد، وظل محبوسًا حتى وفاته.
  • بعد انهيار الدولة الطولونية وعودة الديار المصرية إلى جسد الخلافة العباسية في بغداد بعد ثلاثين عامًا، ولما كان لأسرة طفج من دور كبير في نهاية الدولة الطولونية، عين محمد بن طفج واليًا على الشام ومصر في عام 930م/ 334ه‍.
  • حقق محمد بن طفج والى مصر عدة انتصارات على المتمردين من بقايا الموالين للدولة الطولونية، وكذلك الدولة الفاطمية، إلى أن استطاع الانفراد بحكم مصر وتأسيس الدولة الإخشيدية، وذلك بعد أن أثبت ولاءه للخليفة العباسي الذي لقبه بلقب رفيع، وهو الإخشيد، في سنة 334ه‍ /935 م.

ملوك الدولة الإخشيدية

  • مُحمَّد بن طُغج بن جُف (323 - 334 ه / 935م - 946م)

لم يكن الطريق إلى مصر مفروشًا بالورود أمام ملوك الدولة الاخشيدية، وخاصًة محمد بن طفج وهو أول حكامها، حيث واجه الكثير من العقبات والمؤامرات الداخلية والخارجية، إلا أنه استطاع بالنهاية أن يستقر بمصر، وكان محمد بن طغج الإخشيدي واليًا حازمًا يقظًا خبيرًا بالحرب شديد الحذر والحيطة على نفسه، فاعتمد على جُنده وحرسه وخدمه، وكان يسير معهم في الشوارع يرد مظالم الناس، وعرف له مجلسًا لعامة الناس كل أربعاء، وكان بلاطه مجمعًا للعلماء والشعراء، وازدهرت البلاد في عصره وساد الأمن، وعرفت مصر الكثير من مظاهر الحياة الحديثة، ومنها على سبيل المثال استحداث منصب كبير الوزراء والذي لم يكن معروفًا قبل ذلك ومنصبي الحاجب والمحتسب.

  • أُنوجور بن مُحمَّد بن طُغج (335 - 349 هـ / 946- 960م)

تولى الحكم بعد وفاة أبيه وهو ابن أربعة عشر عامًا، ولُقب بأبي القاسم، واسمه أنوجور وتعنى باللغة العربية محمود، ولم يكن أنوجور هو الحاكم الفعلى للبلاد، بل كان خادمه الأمين أبو المسك كافور وكان خادمًا حبشيًا مطيعًا لسيده الأمير محمد بن طفج، وقام برعاية ابنه وصد عنه الأطماع التى توالت للانقضاض على الحكم، وخاصًة تلك المحاولات التي قام بها سيف الدولة الحمداني والي دمشق، وخصص كافور لأنجور راتبًا سنويًا قدره 400 ألف دينار، حتى توفي أنوجور بعد أربعة عشر عامًا وهو فى سن صغيرة.

  • أبو الحسن عليّ بن مُحَمَّد بن طُغج (349-355ه‍ / 961-966م) 

تولى الحكم بعد وفاة أخيه وكان عمره واحد وعشرون عامًا، ومع ذلك ظل كافور هو الحاكم الفعلى للبلاد، وذلك لدوره الكبير في استقرار الأوضاع وحب الناس له، الأمر الذي لم يوافق عليه علي، فأثار الخلافات مع كافور وأراد أن يخرج إلى الناس ويجتمع بهم، إلا أن كافور منعه من ذلك، وحدد إقامته وخصص له راتبًا سنويًا مثل أخيه، وفي ظل هذه الأوضاع والخلافات ما بين علي بن الإخشيد وكافور، ازدادت غارات هجوم الفاطميين على مصر من خلال هجوم ملك النوبة على أسوان وانخفاض منسوب النيل، حتى تولى كافور الحكم بعد وفاة علي بن الإخشيد، ليكون كافور هو أول عبد حبشي أسود يحكم مصر في سابقة تاريخية نادرة الحدوث.

  • أبو المسك كافور الإخشيدي (355-358ه‍ / ‍966 -968 م)

لقب بالأستاذ وظل يحكم مصر طيلة ثلاثة وعشرون عامًا، من أصل أربعة وثلاثين عامًا هي كل فترة حكم الإخشيدين، منها عشرون سنة ظل حاكمًا في الظل، حيث كان ابنا الإخشيدي دون السن التي تؤهلهما لأمور الحكم، إلى أن أصبح كافور سنة 966 م واليًا من قبل العباسيين على مصر في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ، وهي أن يتولى أحد الأفراد خارج السلالة الحاكمة الحكم، بل كان خادمًا لهم، وما بين نظريات الاختلاف والاتفاق من قبل المؤرخين على شخصية كافور، استطاع السيطرة على مصر ووسع أملاكه لتشمل فلسطين والشام، واشتهر كافور بحبه للفنون والترف وازدهرت البلاد في عصره، إلا أن الأزمات لاحقته فى أواخر حكمه وحدثت في عهده مجموعة من الأزمات الاقتصادية الطاحنة، منها انخفاض منسوب النيل إلى أن ضرب المصريين موجات من الجفاف أدت إلى ارتفاع الأسعار والغلاء، وحدثت بعض الزلازل المدمرة، بالإضافة إلى هجوم قبائل النوبة الجنوبية، الأمر الذي أدى إلى سقوط الدولة الإخشيدية بعد وفاته، لتنتهى قصة أخرى من قصص ملوك الدولة الإخشيدية التي اختلفت عليها الكثير من المصادر.

  • أبو الفوارس أحمد بن محمد بن عليّ (357-358ه/ 968-969 م)

كان تحت وصاية عَمّه الحسن بن عُبيد الله بن طُغج وعندما مات كافور، ضاع التوازن السياسي للدولة الإخشيدية في مصر بعد أن خلفه أبا الفوارس أحمد وعمره أحد عشر عامًا، وهو حفيد الإخشيدي، فلم يستطع مقاومة القوات الفاطمية التي استولت على مصر وأسقطت الدولة الإخشيدية، وبدأت في مصر والشام الدولة الفاطمية.

مظاهر الحياة في الدولة الإخشيدية

  • الحياة السياسية

اتسمت الحياة السياسية في الدولة الإخشيدية بالاستقرار النسبي، وذلك بعد القضاء على الكثير من التهديدات التي واجهتها، واستطاع محمد بن طفج أن يثبت دعائم الحكم له ولأسرته في ظل العديد من التحديات كان أبرزها:

  • القضاء على المتمردين والموالين من بقايا الدولة الطولونية وبعض المتمردين على الدولة العباسية.
  • صد هجوم الفاطميين المتكرر على مصر في أغلب فترات حكم الدولة الإخشيدية.
  • قيام الدولة الحمدانية في دمشق بمحاولة السيطرة على مصر، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
  • القضاء على الأُسرة الماذرائيَّة، وعلى رأسها مُحَمَّد بن علي الماذرائي، وكانوا من كبار قادة الجيش الذين ظلوا موالين للدولة الطولونية. 
  • حافظ ملوك الدولة الإخشيدية على علاقتهم الطيبة مع الخلفاء العباسيين، مما كان له دور كبير في الاستقرار الذي مكنهم من خلق نهضة حضارية واقتصادية.

 

  • الحياة الاقتصادية

تنوعت الحياة الاقتصادية في عهد الدولة الإخشيدية، وكان من أبرز مظاهرها:

  • الزراعة

كانت الزراعة هي المصدر الرئيسي للاقتصاد في عصر الدولة الإخشيدية، وعمل أمراؤها على خلق نهضة زراعية جديدة من خلال شق الترع وبناء الجسور والتنوع في المحاصيل الزراعية بخلاف القمح الذي كان المحصول الرئيسي في مصر.

  • الصناعة

اهتم الإخشيديون بالصناعات الثقيلة وأنشأوا أول مصنع حربي حين نقل محمد بن طغج الإخشيدي دار الصناعة من جزيرة الروضة إلى دار خديجة بنت الفتح وأطلق عليه دار الصناعة الكبرى، والذي أنشئ به أول مصنع حربي، وشيد المصريون به أول أسطول بحري بصناعة مصرية خالصة بعد أن أُحرق أسطول محمد بن طفج على أيدي بعض المتمردين، ورغم ذلك أهمل الإخشيديون بعض الصناعات المهمة مثل صناعة البردي والورق والتي كانت تشتهر بها مصر في ذلك الوقت.

  • العملة

صنع الإخشيديون عملة خاصة بهم ونقشوا عليها صورهم، مستقلين بذلك عن الدولة العباسية، وصادروا أموال الأغنياء وأعطوها للفقراء وصرفوها على المنافع العامة.

  • الفنون والعمارة 

اهتم الإخشيديون بالفنون، ولكنهم لم يهتموا بالعمارة كثيرًا مثل اهتمام الدولة الطولونية، وكان كافور الإخشيدي يقيم الحفلات الموسيقية والأمسيات الشعرية، بل وقرب كثيرًا من شعراء بغداد إلى مجلسه وكان يجزل لهم العطايا، ومن أشهرهم المتنبي، والذي مدح كافور أيضًا في كثير من القصائد.

ومن بقايا الدولة الإخشيدية في الفنون المعمارية:

  • البستان الإخشيدي الذي بناه محمد بن طغج الإخشيدي على مساحة شاسعة شمال الفسطاط.
  • مسجد الجيزة الذي بناه كافور الإخشيدي على الطراز التركي.

أشهر علماء الدولة الإخشيدية

  • المؤرخ أبو عمرو الكندي
  • العالم أبو إسحاق المروزي 
  • الطبيب البالسي

سقوط الدولة الإخشيدية

كان الترف والبذخ هو أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار الدولة الطولونية، بينما كان سقوط الدولة الإخشيدية طبيعيًا في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التي حدثت في أواخر عصرها، لا سيما الجفاف الذي حل بالأراضي المصرية بسبب انخفاض منسوب النيل، وما حل بالمصريين من مصائب أوردها الكثير من المؤرخين في حكايات تشيب لها الولدان، إلى جانب ذلك كانت هناك مجموعة من الأسباب الأخرى التي أدت بالنهاية أن يستنجد المصريون بقيادة قادرة أن تنقذهم من براثن الجوع والفقر والمشاحنات ودولة تتقى الله فى رعيتها، وتمثل ذلك في الدولة الفاطمية بقيادة المعز لدين الله الفاطمي، والتى وجد المصريون فيها ضالتهم، ومن بين مجمل الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولة الإخشيدية:

  • هاجم القرامطة بلاد الشام وامتد نفوذهم إليها، فعجزت الدولة الإخشيدية وفقدت السيطرة على الأوضاع.
  • الخلافات الداخلية بين أفراد الأسرة الإخشيدية على الحكم، لا سيما بعد وفاة كافور الإخشيدي وخروج الحسن بن عبيد الله بن طغج عن إجماع الدولة.
  • خلافات قادة الجند مما أدى إلى اختلاف داخل الجيش وتمرد الكثير من الجنود.
  • ثورة طرابلس الشام سنة 968م ضدّ الإخشيديين، والتي شجعت الإمبراطور البيزنطي نقفور فوقاس الثاني على دخولها والسيطرة عليها.
  •  أصابَ الدولة الإخشيدية القحط والغلاء الشديد الناجم عن نقص فيضان النيل.
  • قيام الحسن بن عبيد الله الإخشيدي بالإساءة في معاملة السكان والأعيان، فقام بسجن عدد كبير منهم ومصادرة أموالهم.
  • إنشاء الفاطميين لقاعدة ممنهجة اقتصادية واجتماعية داخل مصر، تمثلت في إرسال البعثات التجارية والعلمية وإغداق العطايا، لتكون أول من يستدعى إلى دخول مصر دون مقاومة.
  • بعد دخول الفاطميين مصر، قضوا على أسرة بني طغج، وتم إجلاء أخر الأمراء أبو الفوارس (من أحفاد الإخشيد) عن الفسطاط سنة 969 م لتسقط بذلك الدولة الاخشيدية.