فاس مدينة مغربية تقع في أقصى شمال شرق البلاد، وتأسست في القرون الوسطى على يد إدريس الأول عام 789م، وأبرز ما تشتهر به هو أنها موطن لأقدم جامعة في العالم ألا وهي جامعة القرويين التي تأسست عام 859م، وإضافةً لتاريخها العظيم تمتلك فاس موقع جغرافي مميز إذ أنها مُحاطة بالكامل بمجموعة من التلال المنخفضة المُغطاة بالأشجار.

وتمتد مدينة فاس على مساحة تُقدّر بـ 312 كم مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي 1.112.072 نسمة وتُعد ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث عدد السكان بعد الدار البيضاء التي يقدر عدد سكانها بـ 3.359.818 نسمة.

سبب التسمية

بعد أن هرب إدريس بن عبدالله الهاشمي القرشي المُلقب بإدريس الأول وأنصاره من العباسيين الذين كانوا ينوون قتله توجه نحو مصر هربًا منهم ومنها توجه نحو مدينة فاس في المغرب ووقع اختياره عليها كونها كانت منطقة خصبة ذات أودية، فأخذ فأسًا وضربه في أرضها وأمر أنصاره للاستقرار بها والبدء ببناء منازلهم فيها والتي أصبحت فيما بعد عاصمة للدولة الإدريسية، وفسر المؤرخون تسمية مدينة فاس بهذا الأسم نسبة لضربة الفأس الذي ضربها مؤسسها إدريس الأول بأرضها.

ولكن بعض الروايات التاريخية كان لها رأي آخر إذ كتب فيها بعض المؤرخين أنه عندما قدم إدريس الأول للمدينة سألوه أتباعه عن الاسم الذي يريد إطلاقه على المدينة فأمرهم أنّ يسموها على اسم أول شخص غريب يدخلها، وبعد عدة أيام دخلها شخص ألثغ (الألثغ هو من كان بلسانه لثغة تجعله ينطق السين ثاء والراء عين أو ياء) فسألوه عن اسمه فقال: اسمي فارس ولكن بسبب اللثغة أُسقط حرف الراء من لفظه وسُميت بفاس.

تاريخ مدينة فاس

مدينة فاس هي أحد أهم المدن في بلاد المغرب العربي وأعرقها والتي يُطلق عليها لقب العاصمة الروحية والدينية والثقافية للمغرب، وكما ذكرنا فيما سبق فإنّ مؤسسها هو إدريس الأول في عام 789م الذي بناها وأتباعه على الضفة اليمنى لنهر فاس ومن ثم انتقلت لها عشرات العائلات القروية والذي أسسوا حيًا لهم في المدينة وأسموه "عدوة القرويين"، ومن ثم هاجر إليها عشرات العائلات الذين أُرغموا على ترك الأندلس وأسسوا فيها حيًا لهم أسموه"عدوة الأندلسيين"، ومن بعدهم هاجر للمدينة عدد من اليهود وأيضًا أنشأوا حيًا خاصًا بهم اُطلق عليه اسم "حي الملاح".

وبعد أنّ توفى المؤسس إدريس الأول مسمومًا بنى ابنه إدريس الثاني بعد عشرين عامًا من وفاته على الضفة اليسرى من نهر فاس مدينة ثانية وذلك في عام 808م وبنى حولها سور عظيم له ستة أبواب بالإضافة لمسجد جامع، وقام ببناء سور آخر حول المدينة القديمة وبنى له فيها قصرًا وسوقًا للتجارة، وخلال هذه الفترة انتعشت فاس اقتصاديًا وثقافيًا وعمرانيًا ونشطت بها الزراعة وصناعة الخزف وساعد على نموها موقعها الاستراتيجي الواقع على ملتقى الطرق التجارية التي تربط الشّرق بالغرب.

وبقيت مدينة فاس مُقسمة إلى قسمين حتى دخلها المرابطون فأمر يوسف بن تاشفين بتوحيدهما فأصبحتا مدينة واحدة مما ساهم بإنعاش الحياة الاقتصادية، وفي عام 859م تأسست بها جامعة القرويين التي كان يقصدها طلاب العلم من شتى بقاع العالم، وبقيت المدينة تحت حكم المرابطين حتى عام 1143م حينها استولى عليها الموحدون بعد أنّ حاصروها لمدة تسعة أشهر وبعد سقوط دولتهم وقعت المدينة تحت حكم المرينيين الذين اتخذوها عاصمةً لهم بدلًا من عاصمتهم القديمة مراكش وخلال حكمهم شهدت المدينة نهضة عمرانية واقتصادية لم تشهدها من قبل، ففي عام 1276م بنى أبو يوسف يعقوب سور جديد حول المدينة و بنى بها مسجدًا كبير وعددًا من القصور والحدائق.

وبعد سقوط الدولة المرينية وقعت المدينة في عام 1554م تحت سيطرة الدولة السعدية وكانت من أبرز إنجازاتهم تشييد أروقة جامع القرويين وإعادة ترميم أسوار المدينة وبناء برجين كبيرين من الجهة الشمالية والجنوبية وبنوا عددًا من القصور، ولكن فيما بعد تدهورت أحوال الدولة السعدية وتراجعت مما تسبب بانقسام المدينة إلى قسمين وهما فاس البالي وفاس الجديد، وفي عام 1667م وقعت المدينة تحت سيطرة العلويين.

وبقيت مدينة فاس عاصمة المغرب حتى عام 1912م حينها فُرضت الحماية الفرنسية على المغرب فتم تحويل العاصمة إلى مدينة الرباط، وحينها هاجر عدد كبير من أهلها إلى المدن المجاورة خاصة يهود المدينة الذين هاجروا جميعًا وتركوا حي الملاح فارغًا من السّكان، وبقيت المدينة تحت حكم الاحتلال الفرنسي حتى عام 1956م حينما استقلت المملكة المغربية.

اقتصاد مدينة فاس

يعتمد اقتصاد مدينة فاس على عدة قطاعات أبرزها القطاع الصناعي وينقسم إلى قسمين: الصناعات الحديثة والصناعات التقليدية التي تشتهر بها المدينة ومن أبرزها صناعة الجلود وصناعة الأواني والتحف النحاسية ونقش المعادن وصناعة الفخار والخزف، ويعدّ القطاع التجاري وقطاع الخدمات أحد روافد اقتصاد مدينة فاس، وبسبب خصوبة التربة وتنوع المناخ ووفرة المياه السّطحية والجوفية تُعدّ مدينة فاس بيئة مناسبة للزراعة ويعمل بهذا القطاع عدد كبير من الفلاحين الذين توارثوا الأراضي الزراعية وأساسيات العمل من أجدادهم، وتنتشر في المدينة زراعة التفاح والقمح والزيتون والعنب إلى جانب عدة أصناف من الخضراوات، ويعمل بعض سكان المدينة بتربية بعض أنواع الحيوانات كالأبقار والأغنام والطيور.

السياحة في مدينة فاس

مدينة عريقة كفاس لا بد أنّ تكون السياحة فيها واحدة من أهم روافد الاقتصاد بسبب مخزونها التاريخي العريق ففي عام 2008 م احتفلت المدينة بمرور 1200 عام على تأسيسها، وفيما يلي سنتعرف على أهم أماكن الجذب السياحي في مدينة فاس:

  • مسجد القرويين: بُني المسجد في عام 857م في عهد الأدارسة ويُعدّ من أقدم المساجد في المغرب العربي، وألحق بالمسجد مكتبة تعد الأقدم بالعالم وتضم 30.000 كتابًا، وفي الوقت الحاضر يتسع المسجد لـ 20.000 مُصلٍ.
  • المدينة القديمة: والتي تُعرف باسم فاس البالي وهي من أكثر الأماكن التي يقصدها الزوار للاستمتاع بالسّير في شوارعها وأسواقها القديمة وزيارة معالمها التاريخية.
  • البرج الشمالي: بُني البرج في عام 1582م في عهد السعديين، وكان يشكل أكبر نقاط المراقبة في المدينة، وفي وقتنا الحالي تم تحويله إلى متحف يعرض الأسلحة القديمة وبعض القطع الأثرية النادرة.
  • المدرسة البوعنانية: بُنيت هذه المدرسة ما بين 1350ـ 1355م بأمر من السلطان أبي عنان الفارس المريني، وهي واحدة من أقدم المدارس في المغرب وأشهرها، وهي ليست مؤسسة تعليمية فحسب بل كانت أيضًا ساحة يؤدي بها المصلون صلاة الجمعة.
  • سوق الصباغين: وهو سوق تتلون أرضيته بألوان متعددة بسبب قيام الصباغين بتلوين الجلود في أواني صغيرة الحجم ومن ثم يسكبون المياه الملونة على جدران السوق وأرضيته لذلك أصبح السوق لوحة فنية رائعة خاصةً عندما تنعكس عليه أشعة الشّمس.
  • دار البطحاء: بُنيت هذه الدار في عهد السلطان مولاي العزيز عام 1897م بهدف استقبال الملوك والسادة، وفي عام 1915م تم تحويل الدار لمتحف يعرض مجموعة مختارة من الحرف اليدوية التقليدية في المغرب كالسجاد المُحاك يدويًا والمجوهرات.

علماء مدينة فاس

كانت جامعة القرويين مقصدًا لطلاب العلم من كل حدبٍ وصوب فكانت مقصدًا للطلاب من المغرب والمشرق ومن إفريقيا ودول أوروبا، وتخرج منها فطاحل العلماء والمُفكرين المغاربة نذكر منهم:

  • أحمد بن فرتون: أهم مؤرخي مدينة فاس.
  • محمد بن غازي: عالم مغربي له العديد من المؤلفات في عدد من ضروب العلم والمعرفة كاللغة والتاريخ والحساب والتفسير والحديث والفقه والفتوى.
  • محمد ميارة: فقيه مالكي من مدينة فاس.
  • أحمد بن زروق: أحد علماء الفقه.
  • الشيخ الإمام أحمد المنجور.
  • إسماعيل بن الأحمر: أديب وشاعر ومؤرخ.

واستقطبت جامعة القرويين العديد من العلماء والفلاسفة والمؤرخين والأطباء نذكر منهم: ابن خلدون، ابن ميمون، ابن باجة، ابن رشد.