تُعرف المدينة المحرمة (بالإنجليزية: The Forbidden City) بأنها أبرز المعالم السياحية في قلب العاصمة الصينية بكين، وهي مُقامة على مساحة شاسعة وتتكون من أكثر من 90 مجمعًا ومئات المباني التابعة للقصر والمحاطة بجدران عالية باللون الأحمر وتتميز ببلاطها المزجج ذي اللون الأصفر، والمنشأة نتيجة انقلاب قام به الابن الرابع لمؤسس سلالة مينغ.

ويشار إلى أن المدينة المحرمة شكلت مركزًا سياسيًا لمختلف الأسر الحاكمة لأكثر من 500 عام بعد الانتهاء من بنائها عام 1420م، إذ توالى عليها 24 إمبراطورًا منذ القرن الخامس عشر وحتى أخر إمبراطور صيني وذلك بدايات القرن العشرين، وتحولت المدينة المحرمة بعد ذلك إلى متحف وطني عام 1925م وتُعدّ من أهم مواقع التراث الثقافي الصيني والأكثر شعبية وزيارة، حيث تستقبل يوميًا ما يقارب 8 آلاف زائر من مختلف بلدان العالم.

تاريخ المدينة المحرمة

يعود تاريخ المدينة المحرمة أو كما يطلق عليها أحيانًا مجمع القصر الإمبراطوري إلى عام 1406م إذ أمُر ببنائها آنذاك من قبل الإمبراطور يونغلي وسيطرت عليها المحكمة رسميًا عام 1420م، وكانت صعبة الوصول للعديد من رعايا المملكة إذ سمح للإمبراطور فقط بدخولها ودخول كافة أقسامها الإدارية، وفيما يأتي أهم وأبرز الإضاءات التاريخية حول المدينة المحرمة منذ سلالة مينغ مرورًا بسلالة تشينغ وحتى يومنا الحالي:

  • فترة البناء والتصميم (1420-1406م)

بنيت المدينة المحرمة وصممت بعد تدمير بكين بدايات القرن الخامس عشر ميلادي واستمر بنائها ما يقارب 14 عامًا، مما تطلب تضافر جهود المهندسين المعماريين لتبرز أسماء مهمة مثل كاي شين (Cai Xin) ونجوين آن (Nguyen An) ولو شيانغ (Lu Xiang) وغيرهم العديد، ويشار إلى أن إتمام البناء تطلب توفير 100000 حرفي ماهر وما يقارب مليون من العمال والعبيد.

وتميزت عمارة المدينة خلال هذه الفترة باستخدام الخشب الصلب خاصة في تصميم الأعمدة في القاعات الرئيسية، والذي تم نقله من غابات جنوب الصين إلى بكين في الشمال الغربي، وجُلبت القطع الصخرية المستخدمة في العمارة من المحاجر القريبة من موقع البناء، ومن ناحية أخرى صمم خلال هذه الفترة حول المدينة المحرمة خندق بعمق 6 أمتار وعرض 25 مترًا.

  • إعادة بناء القناة الكبرى (1415-1411)

كانت القناة الكبرى جزء من المدينة المحرمة بهدف توفير الطعام لإرضاء سكان بكين المتنامي من الحرفيين والعسكريين والمسؤولين إضافة إلى توفير المواد اللازمة للبناء، إذ كان النقل المائي أرخص الطرق وأكثرها مرونة وسهولة للإمبراطورية لتوفير المتطلبات المختلفة آنذاك، وعلى الرغم من أن بكين كانت مدينة داخلية، ربطت القناة الداخلية الكبرى بين وادي نهر اليانغتسي ودادو، إضافة إلى بناء سد ساعد على تحويل مجرى نهر وين إليها مما أعطى بكين والمدينة المحرمة قيمة وقوة أكبر.

  • الانتهاء من البناء وافتتاح المدينة المحرمة (1420-1415م)

بعد الانتهاء من إعادة بناء القناة الكبرى، نُقلت المواد المراد استخدامها بشكل أسرع إلى بكين وتتالت عمليات البناء والإنشاء، وبحلول عام 1417م أُعيد بناء العاصمة مع انتهاء فترة حكم الإمبراطور نانجينغ، لتنتهي أعمال البناء في المدينة المحرمة عام 1420م، وفي رأس السنة من عام 1421م افتُتحت المدينة المحرمة أو كما عرفت آنذاك أيضًا بعاصمة مينغ.

  • فترة أسرة مينغ (1644-1420م)

شكلت المدينة المحرمة في عهد أسرة مينغ مسرحًا للوظائف الإمبراطورية وكانت مقرًا رسميًا للأسرة الإمبراطورية الحاكمة، ويشار إلى أن المدينة المحرمة آنذاك تميزت بمبانيها الفريدة والجديدة وتفردها في العالم إذ لم يوجد أي قصر يضاهيها في العالم.

  • فترة التمرد على أسرة مينغ (1644-1643)

ما بين عام 1643 وعام 1644 ميلادي، تعرضت أسرة مينغ للعديد من العوامل التي أدت إلى إضعافها مثل تمرد قوات الجيش والعوامل الطبيعية وانتشار الفساد، ويشار إلى أن القوات العسكرية والفلاحين استطاعوا بحلول عام 1644م الاستيلاء على المدينة المحرمة بقيادة لي زيتشنغ الذي أعلن نفسه إمبراطورًا لسلالة شون.

  • احتراق المدينة المحرمة (1644م)

أشعل المتمردون خلال فترة التمرد النار في أجزاء من القصر الإمبراطوري مما جعل الإمبراطورية ومركزها في حالة من الفوضى لعدة أشهر حتى قام آخر حكام سلالة مينغ بشنق نفسه حين اجتاحت قوات الجورتشن (مانشو) والمغول المناطق الجنوبية من الإمبراطورية.

  • المدينة المحرمة تحت حكم أسرة تشينغ (1912-1644م)

اُعلنت المدينة المحرمة في 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1644م مركزًا لسلالة تشينغ وأهم ما يميز هذه المرحلة تغيير بعض أسماء أماكن المدينة المحرمة إذ اُلغيت كلمة العليا من كافة أسماء المباني انطلاقًا من مبدأ الانسجام وإلغاء مبدأ السيادة، وأضيفت النقوش والعلامات ثنائية اللغة الصينية والمانشو على القصر، ويُشار إلى أنه خلال هذه الفترة أُعيد بناء المدينة المحرمة مع الحفاظ على القناة الكبرى كما كانت في سابق عهدها.

وبحلول عام 1912م، أُعلنت جمهورية الصين العظيمة بقيادة صن يات سين وألغيت إمبراطورية تشينغ رسميًا وفتحت المدينة المحرمة أبوابها للجمهور بعد أن تنازل عنها الإمبراطور بويي بموجب الإتفاقية الجديدة مع الجمهورية الصينية إذ أصبحت المدينة المحرمة خاضعة للحكم الجمهوري الصيني رسميًا.

  • المدينة المحرمة ضمن قائمة التراث العالمي

اعترفت منظمة اليونسكو  عام 1987م بالمدينة المحرمة ضمن مواقع التراث العالمي لما لها من أهمية بالغة في تطوير الثقافة والعمارة الصينية، وأعلنت أنها أكبر مجموعة في العالم تضم الهياكل الخشبية التاريخية، والجدير ذكره أن متحف المدينة المحرمة حاليًا يضم ما يقارب 1.5 مليون قطعة أثرية تاريخية.

ويشار إلى أنه مع بداية القرن الواحد والعشرين ميلادي، وضعت الجمهورية الصينية خطة لترميم المدينة المحرمة خلال فترة زمنية طويلة نسبيًا امتدت 16 عامًا تشمل ترميم المباني والتماثيل واللوجات الجدارية والزخارف والبوابات.

تصميم المدينة المحرمة وعمارتها

أُنشئت المدينة المحرمة على مساحة تقدر بما يقارب728433.81  متر مربع وضمت980  مبنى منشأ وفقًا للأنماط الثقافية المعمارية المنتشرة في شرق آسيا، إذ تُعدّ المدينة المحرمة تجسيدًا حقيقيًا للعمارة الصينية التقليدية، حيث ركزت على أهم سمة في العمارة الصينية وهي التماثل الثنائي للدلالة على التوازن.

ومن ناحية أخرى يمكن ملاحظة بعض الخصائص المعمارية الأخرى الظاهرة في المدينة المحرمة مثل التركيز على الامتداد العرضي بدلًا من الارتفاع كعلامة مميزة للعمارة الصينية التقليدية إضافة إلى بروز اللون الأحمر في البناء وهو لون الحظ في الثقافة الصينية.

إضافة إلى ما سبق، تجدر الإشارة إلى أن المدينة المحرمة اتخذت شكلًا مستطيلًا وأحيطت بجدار يبلغ ارتفاعه 7.9 أمتار يضم في كل زاوية من زواياه برجًا ذا أسقف معقدة مع حواف متعددة يبلغ عددها في كل برج 72 حافة، وتضم المدينة أيضًا بوابة ميريديان (المدخل الجنوبي الضخم) والتي يبلغ ارتفاعها 38 مترًا وتطل على فناء كبير يضم نهر يقطعه خمسة جسور.

سبب تسمية المدينة المحرمة بهذا الاسم

أطلق على المدينة المحرمة هذا الاسم لأنها حُرّمت على عامة الناس إذ رأي الأباطرة أنفسهم أبناء الجنة واتخذوا من هذا القصر مكانًا لإقامتهم وأمروا بتمركز قوات الحرس خارج الأبواب ومنعوا الناس العاديين من عبور القصر ودخوله.

 ويُشار إلى أن المدينة المحرمة أطلق عليها أيضًا اسم المدينة الأرجوانية المحرمة والسبب في ذلك يعود لجذور فلسفية ثقافية تقليدية إذ رمز اللون الأرجواني إلى النبل والنبلاء، فكان لون التكريم والحكمة والأباطرة والكنوز والقوة.

ومن ناحية أخرى، أطلق على المدينة المحرمة اسم المدينة الأرجوانية المحرمة نسبة إلى نجم زيوي (النجم الأرجواني الممنوع) الواقع في منتصف السماء الشمالية إذ رأى الإمبراطور نفسه ابن السماء وبالتالي يجب أن يتوافق مكان إقامته مع الإمبراطور السماوي (النجم الأرجواني) فأُطلق على المدينة المحرمة اسم المدينة الأرجوانية المحرمة.

أجزاء المدينة المحرمة

تُعدّ المدينة المحرمة أكبر قصر إمبراطوري في العالم وتضم العديد من الأقسام والأجزاء المعمارية، إذ تتألف المدينة المحرمة من 980 مبنى وما يقارب 8700 غرفة وتضم العديد من الآثار في القاعات الرئيسية.

ويمكن في أثناء التجوال في المدينة المحرمة زيارة ست قاعات رئيسية واقعة على الخط المركزي للقصر، إضافة إلى الحديقة الإمبراطورية، حيث تُعدّ هذه المراكز الأكثر شعبية وزيارة في المدينة المحرمة من قبل مختلف الزوار.

ويمكن أيضًا في أثناء التجوال قي مساحات المتحف مشاهدة حجرة نوم الإمبراطور ومكتبه، إضافة إلى قصر الرحمة والهدوء وهو المكان المخصص لزوجات الأباطرة والمكتبة الملكية أو كما يطلق عليها قاعة العمق الأدبي وقصر إطالة السعادة المصمم وفقًا للطراز المغربي والذي حُوفِظَ عليه بحالة غير مكتملة حتى يومنا الحالي.

إضافة إلى إمكانية رؤية العديد من الأعمال الفنية مثل السيراميك واللوحات والخط والبرونز في أهم المعارض مثل معرض الساعات (قاعة عروض الأجداد) ومعرض الكنوز في قصر نينغشو غونغ ومعرض اللوحات في قاعة السيادة العسكرية ومعرض الخزف في قاعة المد الأدبي ومعرض الأواني البرونزية في قصر التفضيل السماوي.