تمثل العمارة الخشبية الصينية القديمة من الأهمية أنها تشكّل الآن مكونًا أساسيًا في النظام المعماري العالمي، فمن خلال تاريخها القديم تمكنت الصين من صياغة أسلوبها المعماري الخاص القائم على نحت الخشب والطوب وبناء الأرض الصخرية والمباني المذهلة ذات الأقواس المكعبة وما إلى ذلك، فسور الصين العظيم وضريح الإمبراطور الأول تشين والمدينة المحرمة مجرد أمثلة قليلة على هندستهم المعمارية الرائعة.

وربما كان استخدام الإطارات الخشبية من أكثر السمات المميزة للهندسة المعمارية الصينية القديمة، ومن المعروف أن الصينيين أضافوا اللوحات والمنحوتات إلى العمل المعماري بقصد إضفاء المزيد من الجمال والجاذبية عليه، وتعود أقدم المباني في الصين إلى عصر أسرة شانغ في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وتحديدًا عام 771 قبل الميلاد، والعمارة الخشبية الصينية لها مبادئها الأساسية الخاصة بالتخطيط والهيكل، ولهذا السبب تم إنشاء الأعاجيب المعمارية على مر السنين.

الخشب... العنصر الرئيسي للهندسة المعمارية في الصين

تعتمد العمارة الصينية القديمة بشكل أساسي على الخشب، ومن الشائع العثور على أعمدة وعوارض وعتبات خشبية تُستخدم لتشكيل هيكل المباني، ومن ناحية أخرى، تعمل العمدان الخرسانية أو الحوائط الطوبية فاصلًا بين الغرف، ولكنها لا تحمل وزن البناء بأكمله كما هو شائع في المباني الأخرى، على سبيل المثال في المباني المعمارية في مصر، وهذه سمة فريدة للهندسة المعمارية الصينية القديمة.

أسباب اعتماد العمارة الصينية على الخشب

كانت العمارة الخشبية الصينية الدعامة الأساسية في البناء الصيني التقليدي، حيث كان الخشب مفضلًا للهندسة المعمارية التقليدية من أروقة المدينة المحرمة إلى المنازل العادية، وهنالك أربعة أسباب لكون معظم العمارة الصينية التقليدية مصنوعة من الخشب، ونستعرضها فيما يلي:

1) توافر الخشب في الأيام الأولى للصين

يرتبط السبب الأول الذي يجعل الصينيين يفضلون الهياكل الخشبية بكثرة الغابات في أماكن ولادة الحضارة الصينية، وهي النهر الأصفر ووديان نهر اليانغتسي، ويشير تاريخ الأدلة الأثرية إلى وجود منازل على ركائز خشبية منذ أكثر من 7000 عام.

2) مدلول الخشب في الفلسفة الصينية القديمة

ظل الخشب أكثر مواد البناء شيوعًا حتى بعد استخراج الأحجار وتعدين الطوب، وذلك بسبب نظرية العناصر الخمسة المستخدمة في فلسفة فنغ شوي، والتي شكّلت العديد من جوانب الحياة منذ فترة الربيع والخريف، وذلك بين أعوام 770 و476 قبل الميلاد. ونظرًا لأن الخشب هو العنصر الذي يمثل الربيع والحياة، فإن له أفضل الدلالات المباركة للمباني، لذلك شعر أتباع فنغ شوي بأنهم مجبرون على بناء منازلهم من الخشب.

3) سهولة إنتاج الخشب

مع وجود موسم نمو قصير نسبيًا لمعظم الأشجار المستخدمة، لم يتجاوز الطلب العرض - قبل نمو عدد سكان الصين- ويظل الخشب مادة البناء المثالية لسهولة الحصول عليه ومعالجته واستبداله، حيث أصدر بعض الحُكام مرسومًا يفرض على كل عائلة أن تزرع بعض الأشجار لضمان توفير مواد البناء.

4) سهولة تشكيل الخشب

مع تطور الثقافة الصينية، أصبحت هندستها المعمارية أكثر تعقيدًا وزخرفة، وإلى جانب النمو السكاني الهائل، أراد الناس مزيدًا من الزخارف والرسومات، وكان الخشب فقط هو الذي يمكن أن يلبي هذه المطالب، وأدى الاستخدام الجيد للخشب إلى تسريع بناء العمارة الصينية التقليدية بشكل أسرع بكثير من الهياكل الحجرية. وفي العادة كانت المباني الصينية تستغرق عدة سنوات حتى تكتمل، بينما استغرقت الحضارات الأخرى عقودًا، ومع ذلك، فإن مباني الرومان والحضارات القديمة الأخرى استمرت بشكل عام لفترة أطول.

عيوب الخشب وتدهور المباني الخشبية الصينية

هنالك أيضًا أربعة أسباب لتدهور المباني الخشبية نستعرضها كما يلي:

1) الخشب قابل للتلف

أدى التعرض للعناصر الطبيعية، مثل الشمس والرياح والمطر والهجوم من قبل الحشرات وقوى الكشط الأخرى، إلى تدهور الهياكل الخشبية بسرعة، وحتى مع اختراع الطلاء وإجراءات الحفظ الأخرى تحتاج الهياكل الخشبية إلى أعمال إصلاح واستبدال متكررة، وأصبحت المواد منخفضة الصيانة مثل الطوب والحجر (والآن الخرسانة) جذابة بشكل متزايد مع ارتفاع تكلفة العمالة في الصين.

2) قابلية الخشب للاشتعال

يتمثل العيب الثاني للإنشاءات الخشبية في تعرض الخشب للحريق، ووفقًا لسجلات من سلالة مينغ إلى أسرة تشينغ بين 1368 و1912، كان هناك أكثر من 50 حريقًا رئيسيًا في مدن الصين، وبسبب خطر نشوب الحرائق لم تعدّ الهياكل الخشبية مستخدمة ومرغوبة كثيرًا.

3) الضغط على موارد الغابات

في العصر الحديث للصين وبسبب التطور السريع والكثافة السكانية الهائلة، تم استخدام الأراضي بشكل متزايد للزراعة والنقل والصناعة والإسكان واستُنفدت موارد الغابات بشدة. واليوم، أصبحت حماية موارد الغابات سياسة عامة في الصين لتلبية متطلبات التنمية المستدامة، وتم وقف إزالة الغابات وتقليل الطلب على الأخشاب في المباني في الصين.

4) عدم متانة الخشب

والسبب الأخير هو أن بعض أنواع الأخشاب لم تعد كافية لتحمل ضغط المباني أو بناء عدة طوابق، ويبدو أن المباني متعددة الطوابق المصنوعة من الطوب والخرسانة المسلحة هي الحل الوحيد القابل للتطبيق لإسكان المواطنين بشكل مريح، فالخشب ببساطة ليس قويًا بما يكفي للبناء الحديث.

أساليب خاصة ومواهب فريدة في العمارة الخشبية الصينية

يتطلب الخشب أساليب معقدة للغاية لتحويله لزخارف صينية خاصة، وليس من قبيل الصدفة أن جزءًا كبيرًا من الإنشاءات والمباني ذات الأهمية الكبيرة في الصين لها أسقف ملونة، بالإضافة إلى نوافذ ذات تصميم رائع وأنماط زهور جميلة على أعمدة خشبية، والتي تعكس بشكل عام المظهر العظيم ومستوى البراعة والخيال الثري للبناة الصينيين وموهبتهم الفريدة.

ويجب أن يقال أيضًا إن تصميم ما يُعرف "بمجمع الفناء الصيني"  فريد من نوعه، فالهيكل الرئيسي له يقع في المحور المركزي للفناء، بينما توجد الهياكل التي تُعدّ أقل أهمية على اليسار واليمين، والأكثر إثارة للاهتمام هو أن التصميم الكامل لهذا النوع من المباني متماثل وإذا قارنته بالطراز المعماري الأوروبي مثلًا، فيمكنك بسهولة أن تميز النمط المعماري الصيني لأنه متميز  وغير متماثل أو مُقلد من أي ثقافة أخرى.

وليس هذا فقط، فالمناظر الطبيعية تختلف في كل فناء، لذلك حتى عندما نمر بهذا النوع من البناء ندرك أنه يمكن تقدير كل الهندسة المعمارية من وجهات نظر مختلفة، وبالمثل، من داخل المباني، لا توجد نافذتان يكون المنظر منهما متماثلًا أبدًا.

أنماط العمارة الصينية القديمة

ذكرنا في البداية أن الهندسة المعمارية القديمة للصين تستخدم مواد هيكلية مختلفة لإنشاء مبانيها، وبالتالي، هناك أيضًا أنماط معمارية مختلفة في الصين، ومن بينها ما يلي:

  • العمارة الإمبراطورية: وهو نوع من العمارة يشمل القصور الإمبراطورية والحدائق والأضرحة، وغالبًا ما يُبنى هذا النمط المعماري على ترتيب تناظري محوري بهدف عكس تفوق القوة الإمبراطورية، وبالتالي توجد مبان ذات محور مركزي طويل ورائع، بينما يتم الاحتفاظ ببقية المباني بعناصر صغيرة وبسيطة.
  • عمارة الحديقة: تشتهر الحدائق الصينية في جميع أنحاء العالم بتنوعها، وبالطبع تميزها بحرفية عالية الجودة، وهذا الجزء الحرفي ليس موجودًا فقط في أنواع الحدائق المختلفة، ولكن له أيضًا علاقة بالفكرة البناءة والفريدة من نوعها للأساليب المستخدمة من قبل البناة والحرفيين الصينيين.
  • العمارة الدينية: بشكل عام تتبع العمارة الدينية أو البوذية النمط المعماري الإمبراطوري، وهكذا، عادة ما يحتوي الدير البوذي الكبير على قاعة أمامية حيث يوجد تمثال بوديساتفا، بالإضافة إلى قاعة كبيرة حيث توجد عادة تماثيل بوذا، وغالبًا ما تحتوي هذه المباني الدينية على آثار غوتاما بوذا، وبهذا المعنى تميل المعابد الأقدم إلى أن تكون ذات أربعة جوانب، بينما تميل المعابد الأكثر حداثة، إذا جاز التعبير، إلى أن تتكون من ثمانية جوانب.
  • المعابد الصينية: تعكس المعابد إلى حد كبير التاريخ القديم والثقافة الواسعة للصين، ولهذا السبب تُعدّ كنوزًا معمارية حقيقية وتشمل المعابد البوذية.

وعلى أي حال، فإن المعابد في الصين بقيت عناصر ثقافية خلال كل سلالة، وأثرت ثقافة المعبد من جانبها أيضًا على العديد من جوانب الحياة الصينية، بما في ذلك الرسم والخط والموسيقى، وكذلك النحت، وبالطبع العمارة نفسها. وعلى الرغم من اندثار العمارة الخشبية الصينية بشكل كبير في وقتنا الحالي، تُعدّ حتى الآن الشكل المميز للصين.