أفسس (بالإنجليزية: Ephesus) هي مدينة ساحلية قديمة يفوق عمرها 6 آلاف عام، وهي موجودة حاليًا في تركيا الحديثة وبالتحديد في ولاية إزمير عند التقاء بحر إيجه مع المصب السابق لنهر كايستروس، وفيما سبق كانت أفسس واحدة من أهم المدن اليونانية وأهم مركز تجاري في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وتُعد أفسس في الوقت الحالي من أقدم المدن التركية وأعرقها وواحدة من أهم الوجهات السياحية في البلاد إذ يفوق عدد زوارها المليون زائر سنويًا يقصدونها بهدف مشاهدة آثارها والاستمتاع بمناظرها الطبيعية المُمتدة على مرمى البصر.

أصل التسمية

كلمة أفسس تعني "المرغوبة" باللغة اليونانية، ومن المؤكد أنها سُميت بذلك نظرًا لموقعها الاستراتيجي المحاذي لنهر كايستروس ولأهميتها التجارية في العصور القديمة.

المناخ

تتمتع أفسس بمناخ البحر الأبيض المتوسط إذ يتميز طقسها  بأشهر صيف طويلة وحارة وجافة، وأشهر شتاء معتدلة إلى باردة ممطرة، فخلال الصيف تتراوح درجات الحرارة من 31 ـ 33 درجة مئوية ولا يمكن أن تنخفض عن 17 درجة مئوية ويُعد شهر يوليو هو الأكثر سخونة، ومع حلول شهر سبتمبر تبدأ درجات الحرارة بالانخفاض معلنةً عن قدوم فصل الخريف التي تنخفض فيه درجات الحرارة لأدنى مستوياتها في شهر نوفمبر الذي يشهد عادةً تساقط أمطار مُتفرقة، وخلال فصل الشتاء تشهد أفسس غالبًا تساقط للثلوج ويسجل شهر ديسمبر أكبر هطول للأمطار خلال الموسم، وأبرد الأشهر في الموسم هو شهر يناير.

وفي بداية مارس تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع مبشرةً بحلول فصل الربيع، ولكن هذا لا يمنع من تساقط الأمطار إذ يُعد شهر مارس أبرد أشهر الخريف وأعلاها بالهطول المطري، ولكن مع قدوم شهر أبريل تنخفض احتمالية سقوط الأمطار وتبدأ درجات الحرارة بالارتفاع التدريجي.

وللراغبين بزيارة مدينة أفسس الأثرية فإنه يُنصح بزيارتها خلال شهري يوليو وأغسطس، وفي المقابل يُنصح بالابتعاد عن زيارتها في يناير ومارس ونوفمبر وديسمبر.

تأسيس مدينة أفسس الأثرية

من المتفق عليه أن مدينة أفسس تأسست في العصر الحجري، ولكن يختلف المؤرخون على هوية الشعب أو الشخصية التي أسست المدينة، فوفقًا لأحد الأساطير أنّ الأمير اليوناني أندروكليس هو من أسس مدينة أفسس خلال القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وفي التفاصيل تقول الأسطورة إنه عندما كان الأمير يبحث عن موقع مناسب لبناء مدينة جديدة لجأ لأحد الكهنة ليرشده على الموقع الأفضل لبناء المدينة فأخبره الكاهن بوجود خنزير سيظهر من الموقع الجديد، وفي أحد الأيام بينما كان الأمير يقلي السمك في الخارج سقطت إحدى الأسماك من إناء القلي وانحدرت إلى الأدغال القريبة مما أدى لاشتعال النيران حينها خرج خنزير بري مُسرعًا من بين الشجيرات هاربًا من النيران، فتذكر أندروكليس حكمة الكاهن وقرر أنّ يتخذ من مكان خروج الخنزير موقعًا لتأسيس مدينته الجديدة وأطلق عليها اسم أفسس.

وتقول أسطورة أخرى إن مدينة أفسس تأسست على يد قبيلة تُدعى "أمازون" وأنهم أطلقوا عليها اسم ملكتهم "أفسيا".

تاريخ مدينة أفسس

ذكرنا فيما سبق أن الكثير من تاريخ مدينة أفسس غير مسجل وغير معروف، وما هو معروف أنّ المدينة وقعت تحت حكم ملوك ليديان وذلك في القرن السابع، وخلال حكمهم ازدهرت أفسس من شتى النواحي وتساوى الرجال والنساء بنفس الفرص والامتيازات، وكانت المدينة موطنًا للفيلسوف هيراكليتس، وخلال حكمهم بنى الملك الليدي كروسوس معبد أرتميس، وأرتميس هي آلهة الولادة والعفة والصيد وكانت من أكثر الآلهة احترامًا عند اليونانيين، وفي عام 356 ق.م أقدم شخص مجنون على حرق المعبد ثم أُعيد بنائه.

وفي عام 546 ق.م سقطت مدينة أفسس في يد الفرس وازدهرت في ظل حكمهم، وفي عام 334 ق.م هزمت جيوش الإسكندر الأكبر الفرس واستولوا على المدينة، وعندما توفي الإسكندر عام 323 ق.م استولى أحد جنرالاته ويُدعى "ليسيماخوس" على أفسس وأطلق عليها اسم زوجته "أرسينيا"، وبعد مدة من الزمن أراد نقل المدينة إلى مكان آخر يبعد 2 ميل عن المدينة القديمة، وطلب من أهل أفسس ترك مدينتهم والانتقال للمدينة التي بناها وعندما رفضوا ذلك أجبرهم على الانتقال إليها.

وفي عام 263 ق.م وقعت مدينة أفسس تحت الحكم المصري إلى جانب أجزاء كبيرة من الإمبراطورية السلوقية، وفي 196 ق.م تمكن الملك السلوقي أنطيوخوس الثالث من استعادة أفسس، وبعد مرور ست سنوات، أي في عام 190 ق.م، وقعت معركة مغنيسيا بين السلوقيين ومملكة بيرغامون تمكنت الأخيرة من الانتصار بالمعركة والاستيلاء على مدينة أفسس.

وفي عام 129 ق.م توفي ملك بيرغامون أتالوس تاركًا وراه وصية يُقر بها التنازل عن أفسس لصالح الإمبراطورية الرومانية، وبموجب الوصية استولى الرومان على المدينة وازدهرت في حكمهم أكثر من أي وقتٍ مضى وغدت أهم مركز تجاري في آسيا ومركزيًا فكريًا وسياسيًا رائدًا، وفي عام 17 م تعرضت أفسس لزلزال ألحق بها أضرارًا جسيمة أدى لتراجعها فترة من الزمن ثم بدأت بالتعافي واستعادة مكانتها.

ومنذ القرن الأول انتشرت المسيحية في أفسس وزار المدينة العديد من المسيحيين البارزين منهم القديس سانت جون، وأصبحت المسيحية الديانة المُهيمنة في أفسس.

تراجع أفسس

في عام 262 م دمر القوط مدينة أفسس، وأمر الإمبراطور ثيودوسيوس بتدمير معبد أرتميس واستخدام آثاره لبناء الكنائس المسيحية، وأمر أيضًا بإغلاق المعابد والمدارس وحظر حرية العبادة وحَرم النساء من العديد من الحقوق التي كُن يتمتعن بها، مما أدى لانحدار المدينة وتراجع مكانتها.

وفي القرن الرابع تعرضت أفسس لزلزال هائل دمر معظم ممتلكاتها مما زاد من تدهور الأوضاع في المدينة، وفي القرن الخامس وقعت أفسس تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية ولكن الحال لم يتغير ووصلت المدينة لحال يُرثى له وأصبح ميناؤها عديم الفائدة، وفي نهاية ذلك القرن ترك العثمانون مدينة أفسس وأصبحت شبه خالية من السكان، ولم تعد المدينة مُهمة لأحد سوى لبعض المؤرخين والعلماء الذين كانوا يتوافدون إليها لمشاهدة آثارها القديمة.

أبرز المعالم الأثرية في مدينة أفسس

أفسس مدينة أثرية بامتياز، يزورها سنويًا ما يزيد عن مليون سائح من شتى بقاع العالم، وفيما يلي سنتعرف على أبرز المعالم الأثرية التي لا يمكن تفويت اكتشافها عند زيارة أفسس:

  • معبد آرتميس: هو معبد يوناني بُني عام 550 ق.م، ويُعد أحد عجائب الدنيا السبع القديمة، وفيما مضى كان المعبد هيكل مستطيل طوله 115 مترًا وعرضه 46 مترًا مع صفين من الأعمدة بارتفاع 13 مترًا، ولكن في وقتنا الحالي لا يوجد شيء في المعبد سوى عمود واحد من أصل 127 عمودًا، ومن الجدير بالذكر أنّ المعبد بقي مفقودًا حتى عام 1864 م إذ استمرت عمليات البحث عنه مدة 5 سنوات إلا أنّ تم العثور عليه مدفونًا على عمق 25 قدمًا تحت طين المستنقعات.
  • مكتبة سيلسوس: بُنيت المكتبة عام 110 م في أثناء الحكم الروماني لأفسس، ويُعتقد أنه في حينها كانت ثالث أكبر مكتبة في العالم بعد مكتبة الإسكندرية في مصر ومكتبة بيرغامو في إيطاليا، ويُقال إنها كانت تضم ما يزيد عن 12.000 مخطوطة إلا أنها دُمرت بسبب حريق اندلع بها، والزائر لمكتبة سيلسوس سيندهش من روعة واجهتها الأمامية وجمال أعمدتها التي ما تزال سليمة على الرغم من مرور ما يزيد عن 2000 عام على بنائها.
  • مسرح أفسس القديم: هو مسرح روماني تم بنائه قبل أكثر من 2000 عام، ويتميز المسرح بفن معماري رائع وبناء ضخم إذ يبلغ عرضه 140 مترًا وتتسع مدرجاته لما يزيد عن 20.000 شخص.
  • متحف أفسس: وهو المكان المُفضل لجميع الزوار الراغبين بمعرفة المزيد عن مدينة أفسس القديمة إذ يضم المتحف جميع القطع الأثرية التي تم العثور عليها في أفسس وما حولها.