احتل فن العمارة الصينية مكانة مميزة وفريدة حول العالم إذ تميز بخصائصه وأسلوبه الملفت الذي يعود بتاريخه إلى قبل 2500 عامًا والمشتق بصورة أساسية من الفلسفة الصينية التقليدية قديمًا، والذي تظهر بين عناصره مقومات التوازن إذ تدمج العمارة مع الطبيعة والنباتات والصخور والمياه لينتج عنها جنة مصغرة للإنسان على الأرض، ومن الجدير ذكره أن فن العمارة الصينية قائم على معتقدات تاريخية وتقليدية متكيفة بالدرجة الأولى مع التضاريس والبيئة والمناخ، والتي يمكن نقلها كتجربة معمارية إلى أي دولة من دول العالم.
ويشار إلى أن فن العمارة الصينية يحتل مكانة خاصة في قارة آسيا إذ أثر بصورة كبيرة على أسلوب العمارة في كل من اليابان وكوريا وفيتنام، وتطور على مر العصور بتطور الظروف البيئية والاجتماعية دون أن يُظهر أي اختلافات كبيرة إلا في بعض التفاصيل المتعلقة بالزخرفة الفنية المستخدمة في البناء وذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر ميلادي، إذ أصبحت العمارة الصينية الحديثة منتشرة وتختلف عن العمارة التقليدية، بحيث مزجت بين الأسلوب الحديث والتقليدي في البناء واتخذت شكلًا جديدًا.
ما هو فن العمارة الصينية؟
يشير مصطلع العمارة الصينية (بالإنجليزية: Chinese Architecture) إلى كافة البنيان والهياكل المعمارية ضمن محيط الجمهورية الصينية، وتحديدًا في المقاطعات التاريخية الثماني عشر في حوض النهر الأصفر (حوض هوانغ) التي يحدها من الغرب جبال التبت، ومن الشمال جبال جوبي ومن الجونب الغربي بورما ولاوس وفيتنام.
ومن الجدير ذكره أن العمارة الصينية أحد أشكال العمارة المعتمد بصورة أساسية على استخدام المواد الخام، والتي من أهمها التراب والحجر والطوب والأخشاب، بهدف تحقيق أهداف عدة أهمها تحمل الكوارث والأعاصير والفيضانات، إذ تطلبت طبيعة البيئة في الصين المتميزة بالنشاط الزلزالي والفيضانات استخدام الأسلوب المرن في البناء والذي يحمي من الكوارث الطبيعية المختلفة.
ويشار إلى أن السمة الأساسية المميزة للعمارة الصينية هي استخدام الأخشاب في القاعدة -أرضية معزولة – والأعمدة التي يتم وصلها بالأساسات ليُحمل عليها الهيكل العام للبناء، إضافة إلى استخدام الأقواس التي تتميز بالمرونة القليلة بما يسمح بمقاومة الزلازل والأعاصير إضافة إلى إمكانية التوسع وإعادة البناء والتشكيل خاصة في حالات التلف أو التضرر، ويشار إلى أنه تم استخدام اللوحات والمنحوتات والزخرفة في مراحل تطور العمارة الصينية بهدف إضافة الجمالية والجاذبية على البناء.
خصائص العمارة الصينية
تتمتع العمارة الصينية بالعديد من الخصائص التي تميزها عن غيرها من أنواع العمارة المختلفة وفيما يأتي أهم سبع خصائص للعمارة الصينية:
- البناء الخشبي
شكلت الأخشاب في العمارة الصينية المادة الأساسية في بناء الهياكل التقليدية ويشار إلى أن كافة المباني الخشبية المتبقية إلى يومنا الحالي تعود بتاريخها إلى 1368- 1644م، ويُعد معبد ينجيشان الخشبي (بالإنجليزية: Yingxian Wooden Pagoda) أقدم مبنى ديني تقليدي والذي يعود بتاريخه إلى عام 1056م، والجدير ذكره أن العمارة الصينية وجدت قبل ذلك حسب السجلات التاريخية.
- الارتفاع المنخفض
تميزت العمارة الصينية بارتفاعاتها المنخفضة إذ كان هنالك عددًا قليلًا من المباني متعددة الطوابق، حيث تميزت جميع المباني الخاصة والحكومية والملكية بالشكل الواحد والارتفاع المنخفض، ومن الجدير ذكره أن المباني التي تمتعت بصفة تعدد الطوابق هي المطاعم والفنادق والمعاقل العسكرية والمعابد.
- الألوان
استخدم اللون الأصفر بصورة خاصة في القصور الإمبراطورية كأحد خصائص العمارة الصينية، إضافة إلى استخدام اللون الأحمر على الأسطح في الأعمال الخشبية المطلية والذي يرمز حسب الثقافة الصينة إلى الحظ، ويشار إلى أنه تم استخدام اللون الأخضر والذي يشير إلى النمو والإنسجام والثورة حسب الثقافة الصينية.
- المماثلة
تميزت العمارة الصينية القديمة بالمماثلة إذ كانت كافة المباني تضم من الجانب الشمالي الجنوبي السقف الرئيسي، وفي الجهة الشرقية والغربية تضم الأجزاء الثانوية من المبنى، بالإضافة إلى وجود الحدائق جزءً أساسيًا من البناء، ويشار إلى أن التقسيم الداخلي للمباني تميز بالتناظر فالمبنى منقسم إلى قسمين متشابهين تمامًا من حيث التقسيم والمساحة.
- فناء سيهيوان
تضم كافة المباني في العمارة الصينية التقليدية منطقة خاصة يطلق عليها اسم فناء سيهيوان والتي استُخدمت لأهداف عدة أهمها تنظيم درجة الحرارة وتهوية المبنى وتجميع المياه من الأسطح المنحدرة، وغالبًا ما تتميز هذه المساحة بموقعها الجنوبي بحيث تسمح لأشعه الشمس بالوصول إلى المبنى خاصة في أوقات الرياح الشمالية الباردة.
- مواجهة الجنوب
تواجه كافة المباني الصينية في العمارة الصينية التقليدية الجهة الجنوبية ويعود السبب في ذلك إلى أن الصين تقع في نصف الكرة الأرضية الشمالي ويشكل الجزء الجنوبي مصدرًا للضوء والدفء، ويمكن تفسير مواجهة الجنوب في العمارة الصينية أيضًا إلى توفر فرصة للتمتع بالمناظر الطبيعية ومحاكاة للمأوى الطبيعي القديم إذ كانت المنازل الحجرية في الكهوف وغيرها غالبًا مواجهة للجهة الجنوبية.
- التناسق
تتمتع العمارة الصينية بالتناسق الكبير، إذ حافظت العمارة الصينية عبر تطورها التاريخي وامتدادها عبر فترة زمنية طويلة على الشكل والعنصر الأساسي للعمارة الصينية، ويعود السبب في ذلك إلى الاستمرارية الثقافية وحرفية البنائين الذي تمسكوا بالتقاليد المعمارية ونقلوها بمهارة وإبداع.
تاريخ العمارة الصينية
مرت العمارة الصينية بمراحل عدة ساعدت على تطورها، وفيما يأتي أهم مراحل التطور التاريخي للعمارة الصينية:
- العمارة الصينية في العصر الحجري الحديث (1600 ق.م(
تميزت العمارة الصينية في العصر الحجري الحديث بشكلين أساسيين وهما الشكل الدائري والمربع إذ تميز البناء الدائري بالخنادق المحاطة به ذات العمق الكبير وأسقفته المخروطية، أما المباني ذات الشكل المربع فبنت بأسقف هرمية، ويشار إلى أن قرية بانبو (بالإنجليزية: Banpo) تضم العديد من المباني التي تعود بتاريخها إلى العصر الحجري الحديث.
- العمارة الصينية في عصر أسرة شانغ (1046 -1600 ق.م(
تبلورت العمارة الصينية في عصر أسرة شانغ وأخذت طابعها التقليدي إذ ظهرت المباني بشكل مستقيم ذي جدران ترابية في محيط المراكز الحضرية للمدن وحسب السجلات التاريخية، ويمكن القول إن العمارة في هذه الحقبة هي امتداد للأسلوب المعماري في العصر الحجري الحديث.
- العمارة الصينية في عصر أسرة زو ( 256-1046ق.م)
تطورت العمارة الصينية في عصر أسرة زو إذ ظهرت أشكال وعناصر جديدة في البناء حيث شيدت الجدران الدفاعية الطويلة واستخدمت الأقواس، بالإضافة إلى إدخال الطوب والبلاط للأسقف، ومن الجدير ذكره أن قاعات الحداد والمقابر والمذابح خلال هذه الفتره اتخذت نمطًا عاديًا مماثلًا للمباني السكنية.
- العمارة الصينية في عصر سلالات تشين وهان (221 ق.م -220م)
تميزت العمارة الصينية في عهدي تشين وهان باستخدامها التقنيات الحديثة والتي ساعدت في تطور المباني الخشبية، إضافة إلى استخدام الحجارة والبلاط، ويشار إلى أن خلال هذه الفتره حدثت ثورة في العمارة الصينية إذ أدخلت الزخرفة جزءًا لا يتجزأ من العمارة بحيث ظهرت اللوحات المختلفة واستخدم السيراميك في العديد من أجزاء المباني.
- العمارة الصينية في عهد الممالك الثلاث (220-280م) والأسرات الست ( 220-589م)
تميزت العمارة الصينية خلال هذه الفترات بانتشار المباني الدينية وبشكل خاص المعابد والأديرة البوذية، ويشار إلى أن المعابد اتخذت مظهر التدرج والتي أصبحت تبنى من الطوب والحجر.
- العمارة الصينية في عهد سلالات سوي (581-618م) وتانغ (907-618م)
تُعدّ عصور سلالات سوي وتانغ من العصور الذهبية في تاريخ العمارة الصينية إذ انتشر فيها استخدام الطوب في الأعمال البنائية الكبرى وأصبحت الأبنية تتخذ مظهرًا أكثر روعة من ذي قبل خاصة أنه تم إدخال الزجاج عنصرًا من عناصر البناء، ويشار إلى أن أبرز سمات العمارة الصينية خلال هذه الفترة الحجم الكبير والمظهر الفاخر.
- العمارة الصينية في عهد سلالات سونغ (1279 – 960م) ويوان (1368 – 1279م(
تميزت العمارة الصينية في عهد سونغ بإجراء التحسينات العديدة عليها إذ تميزت المباني بحجمها الصغير مقارنة بمباني عهد أسرة تانغ إلا أنها كانت متنوعة بصورة أكبر وأكثر جمالًا، أما خلال أسرة يوان بنيت العديد من المعابد البوذية التبتية إضافة إلى المساجد الإسلامية بالاعتماد على الطراز الصيني.
- العمارة الصينية في عهد أسرتي مينغ (1368 – 1644م) وتشينغ (1912 – 1644م)
بلغت العمارة الصينية ذورتها في عهد آخر سلالتين للإمبراطورية الصينية مينغ وتشينغ والتي تميزت بزيادة إنتاج الطوب، واستخدمت المعايير العالمية في بناء المباني الرسمية، إضافة إلى استخدم البلاط المزجج بصورة كبيرة مقارنة بالفترات السابقة.
أنواع العمارة الصينية
تضم العمارة الصينية خمسة أنواع معمارية أساسية وفيما يأتي ذكرها والتعريف بها:
- القصور الإمبراطورية (Imperial Palaces)
تم بناء القصور الإمبراطورية كشكل من أشكال العمارة الصينية لتحقيق أهداف عدة أهمها توفير الحياة الباذخة للأباطرة، إضافة إلى توفير مراكز للسيطرة السياسية الإمبريالية ويشار إلى أن بناء القصور كان يتم على نطاق واسع بنفقات عالية إشارة إلى كرم الإمبراطورية وقوتها، ومن أشهر القصور المشيدة خلال العصور المختلفة المدينة المحرمة أو القصر الإمبراطوري والذي يعد أكبر هيكل معماري قديم في العالم.
- الجدران الدفاعية (Defensive Walls)
ظهرت الجدران الدفاعية كشل من أشكال العمارة الصينية في عهد أسرة زو والتي استخدمت لحماية المدن أو كحدود للمملكة، ومن أشهر الأسوار المشيدة عبر العصور سور الصين العظيم والذي يصنف أطول هيكل معماري قديم في العالم ويتميز بمساره المتعرج الوعر بين الجبال.
- الباغودا (Pagodas)
تتميز الباغودا (معبد ديني بوذي) بعمارته الثمانية والذي يعود بتاريخه إلى الحضارة الهندية إذ أُدخل إلى الثقافة الصينية بشكل متزامن مع دخول الديانة البوذية إلى الصين، ومن أشهر الأمثلة على الباغودا باغودا الإوز البرية العملاقة (بالإنجليزية: Big Wild Goose Pagoda).
- المذابح والمعابد (Altars and Temples)
احتلت المعابد ضمن العمارة الصينية مكانة مهمة إذ عبرت بشكل أساسي عن أحد عناصر الثقافة الصينية والتي كانت مركزًا لإقامة العديد من الاحتفالات والصلاوات وتقديم القرابين، ومن أشهر المعابد أو المذابح في الصين معبد السماء في بكين (بالإنجليزية: The Temple of Heaven).
- الأضرحة (Mausoleums)
اهتمت العمارة الصينية ببناء الأضرحة إيمانًا بأن الروح باقية بعد موت الجسد فظهرت الأضرحة في الصين عبر العصور المختلفة بمظهر جمالي إذ ضمنت الأعمال الفنية والمنحوتات والمخطوطات، ويشار إلى أن البناء المعياري للضريح يتكون من أربعة جدران وأربعة أبواب متواجهة لبعضها البعض وأربعة أبراج بحيث يظهر كل برج في زاوية من زوايا الهيكل، وغالبا ما تبنى الأضرحة في الجبال أو بجانبها، ومن أشهر الأضرحة في الحضارة الصينية ضريح الإمبراطور تشين شي هوانغ.