تقع مدينة بصرى في محافظة درعا جنوب الجمهورية العربية السورية وتبعد عن العاصمة السورية دمشق مسافة 140 كم، ومدينة بصرى أو بصرى الشام كما تُسمى هي مدينة تاريخية عريقة تعود للعصور القديمة وتعاقبت عليها الكثير من الحضارات وعايشت العديد من العصور، وللمدينة أهمية دينية لدى المسلمين والمسيحيين فتقول كتب التاريخ إنه فيها بشر الراهب بحيرى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بالنبوة وهي أول مدينة قصدها عليه الصلاة والسّلام في تجارته مع عمه أبي طالب، وكانت المدينة سابقًا مقرًا لأسقفية ثم مقرًا لأبرشية مطرانية، وكانت مركزًا تجاريًا مهمًا على طريق الحرير الذي يربط الشرق بالغرب.

تاريخ مدينة بصرى

تعاقبت على مدينة بصرى عدة حضارات فالبداية كانت  مع حضارة العرب الأنباط الذين بسطوا سلطتهم على جنوب سوريا ومنها إلى دمشق، وفي عهد الملك النبطي الحارثة الثالث أصبحت بصرى ثاني عاصمة للأنباط بعد عاصمتهم الأولى البتراء الواقعة جنوب الأردن ومن هنا نمت المدينة وازدهرت بسبب تحول طرق القوافل التجارية إليها، وتحتوي المدينة على العديد من البقايا المعمارية النبطية التي تميزت ببساطتها وزخارفها النادرة وأحجارها المسطحة الناعمة وأعمدتها المتداخلة.

وخلال الغزو الروماني وقعت بصرى تحت الحكم الروماني، ومن أبرز الآثار التي تدل على الوجود الروماني فيها المسرح الروماني في المدينة إضافة لعدد من الحمامات العامة.

ثم استولى البيزنطيون على المدينة وخلال فترة حكمهم كانت للمدينة أهمية تجارية كبيرة إذ أصبحت سوق لتزويد القوافل التجارية بالبضائع، ومن أهم الآثار التاريخية الشاهدة على الوجود البيزنطي في المدينة الكاتدرائية البيزنطية، والتي تُعدّ أول كنيسة بُنيت بشكل مربع يعلوه قبة.

وفي عام 634م، وقعت بصرى تحت الحكم الإسلامي بخلافة عمر بن الخطاب وتعاقبت عليها عدة خلافات إسلامية، فالبداية كانت مع الدولة الأموية ثم الدولة العباسية ثم الدولة الأيوبية ثم دولة المماليك، وتركوا فيها العديد من المباني الإسلامية كالمساجد والمدارس الدّينية.

أهم المعالم الأثرية في مدينة بصرى

بما أنّ مدينة بصرى كانت حاضنة للعديد من الحضارات فإنها في الوقت الحاضر واحدة من أهم المواقع الأثرية التي تحتوي على أطلال من العصر النبطي والروماني والبيزنطي والإسلامي، فيما يلي سنتعرف على أهمها:

  • المسرح الروماني

يعود تاريخ المسرح الروماني إلى القرن الثاني قبل الميلاد وتُشير كتب التاريخ أنه تم بناؤه في عهد الملك الروماني تراجان ويُعدّ من أكبر المسارح التي بناها الرومان في العالم بارتفاع 680م وعرض 100م، وهو من أكثر المسارح الرومانية التي بقيت سليمة ومتكاملة حتى يومنا هذا، وعلى عكس الكثير من المسارح الرومانية التي شُيدت بالآجر شُيّد مسرح بصرى بالحجر البازلتي، ويضم المدرج 37 صفًا من المقاعد التي تتصل ببعضها البعض، 14 منها كانت مخصصة للشيوخ والأغنياء و18 صفًا منها مخصصة للطبقة الوسطى والفرسان وباقي الصفوف وعددها 5 خُصصت لعامة الشّعب ويتسع المسرح لما يقارب 15.000 شخص.

وفي الخلافة الأموية، حُوّل المسرح لحصن منيع وذلك بسد جميع أبواب المسرح الخارجية، وفي زمن الدولة الأيوبية، شُيّدت تسعة أبراج حول المسرح  بالإضافة لخزان مياه وعدد من المستودعات ليتحول المسرح لقلعة مُحاطة بخندق ولها مدخل واحد فقط، ولكن في الفترة ما بين 1946ـ 1970 تم إجراء العديد من عمليات التنقيب والترميم التي عملت على إزالة المباني والمنشآت المُحدثة والتخلص من الأنقاض ليعود المسرح كما كان عليه في السّابق واستخدم في إقامة العديد من الاحتفالات الرسمية والمناسبات الوطنية.

  • الباب النبطي

يعود تاريخ بناء الباب النبطي إلى القرن الأول ميلادي ويتكون من قوس رئيسي وقوسين جانبيين وتتزيّن واجهة القوس الرئيسي من الشرق والغرب بأنصاف أعمدة تعلوها تيجان نُحتت على الطراز البيزنطي وعليه بعض الكتابات البيزنطية.

  • قوس النصر

قوس النصر أو باب القنديل كما يسميه السّكان المحليون يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث ميلادي وتم تشييده تخليدًا لانتصار جوليانوس قائد الفرقة البارتية الأولى المنسوبة إلى فيليب العربي، وهذا ما أشارت إليه أحد الكتابات الموجودة على القوس، وللقوس واجهتان جنوبية وانهارت بسبب الزلازل التي شهدتها المنطقة، وشمالية موجودة حتى يومنا هذا وتتألف واجهتها من ثلاثة أقواس يبلغ ارتفاع أوسطها -وهو الأعلى- ثلاثة عشر مترًا.

  • معبد حوريات الماء

يعود تاريخ إنشاء معبد حوريات الماء إلى القرن الثاني للميلاد وهو مبنى بأربعة أعمدة يبلغ ارتفاع الواحد منها أربعة عشر مترًا نُحتت على الطراز الكورنثي وكانت المياه فيما سبق تجري من تحت المعبد بطريقة هندسية مُعقدة وأظهرت الحفريات في الموقع أنّ الزلازل التي شهدتها المنطقة أدت لانهيار الكساء الرخامي وتمديدات المياه.

  • المعالم الإسلامية

تحتوي مدينة بصرى الشام على عدد كبير من المعالم الإسلامية نذكر منها:

  • قلعة بصرى: وهي قلعة تُحيط بالمدرج بُنيت في القرن الحادي عشر للميلاد وتم الإضافة عليها وتطويرها خلال العصور الإسلامية اللاحقة.
  • المسجد العُمري: أو مسجد العروس كما يُطلق عليه السّكان المحليون تم بنائه في خلافة عمر بن الخطاب ويتشابه مخططه مع مخطط الجامع الأموي في دمشق.
  • مسجد فاطمة: ويعود تاريخ بنائه للنصف الأول من القرن الثالث عشر في زمن الأيوبيين وسُمي بذلك نسبةً لفاطمة الزهراء ابنة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم.
  • مسجد الخضر: وبُني بأمر من عز الدين أبو منصور كمشتكين في عام 1134م الذي حكم بصرى حتى عام 1146م، وما يُميزه أنه بُني باستخدام الحجارة البازلتية السوداء.
  • المدرسة الدينية: بُنيت المدرسة على الطراز الإيراني وافتتحت عام 1130م لتدريس المذهب الحنفي وهي أقدم مبنى إسلامي في سوريا بُني ليكون مدرسة دينية.
  • حمام منجنيك: بني الحمام خلال العصور الوسطى وهو أخر أثر إسلامي بُني في بصرى الشام، يتكون الحمام من غرفة استقبال وغرف خدمات وغرف للحمام وما يميزه استخدام الجير الأبيض في بنائه.

بصرى الشام في وقتنا الحاضر

تُعد مدينة بصرى من المدن السورية التي تشهد حركة سياحة نشطة وفي عام 1980 أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) على قائمتها ضمن مواقع التراث العالمي، ولكن توقف توافد السّياح للمدينة منذ عام 2011م بسبب العقوبات الدولية التي فُرضت على الجمهورية العربية السورية والتي كانت انتكاسة كبيرة للقطاع السياحي في البلاد، وفي عام 2018م تعرضت بعض آثار المدينة منها المدرج الروماني للتخريب بسبب النزاعات والحروب الداخلية التي شهدتها البلاد.

تعرضت مدينة بصرى على مر العصور للكثير من التغيير والتخريب منها ما كان بفعل عوامل طبيعية كالزلازل ومنها ما كان بفعل البشر وما أحدثوه من حروب والتي كان أخرها الحرب السورية الداخلية إلا أنّ المدينة ما تزال محافظة على جمالها وروعتها حتى يومنا هذا.