ما هي قصة مدفع الإفطار (مدفع رمضان)؟
مدفع الإفطار أو مدفع رمضان هو مدفع يستخدم للإعلان عن موعد الإفطار وإخبار الناس به كل يوم طوال شهر رمضان المبارك، وهو تقليد شائع في الكثير من الدول الإسلامية، حيث يقوم جيش الدولة بإطلاق قذيفة صوتية لحظة أذان المغرب بعد غروب الشمس، ليعلن انتهاء الصوم وإمكانية الإفطار، ويسمع المسلمون أيضًا طوال شهر رمضان كلمة "مدفع الإمساك اضرب" للإشارة إلى بدء الإمساك والتوقف عن تناول الطعام قبل طلوع الفجر طوال أيام شهر رمضان، وهذا التقليد في الفطار والسحور متبع منذ أكثر من 570 عام تقريبًا. ولا يعرف الكثير من الناس متى بدأ هذا التقليد ولا القصة المؤكدة حول استخدام مدفع الإفطار لأول مرة، لذا هناك عدد من الروايات التي تروي تاريخ بداية هذا التقليد الرمضاني الذي انتشر في مصر وانتقل منها إلى عدة دول عربية وإسلامية.
بداية استخدام مدفع الإفطار
لا يُعرف متى بدأ استخدام مدفع الإفطار لأول مرة، ولا حتى علماء التاريخ المصريين أنفسهم يعرفون، لكن بعضهم يرجح أنه بدأ منذ عام 859 هجرية، والبعض الآخر يقول إن هذا بدأ قبل ذلك بعشرات السنين خلال حكم محمد علي باشا الكبير، وفي العموم هناك عدة روايات حول بداية استخدام مدفع الإفطار أشهرها ما يأتي:
الرواية الأولى
تقول أشهر الروايات إن محمد علي باشا الكبير والي مصر كان اشترى عدد كبير من المدافع الحربية الحديثة، وفق الخطة التي وضعها لتطوير جيش مصري قوي وبناءه، وفي يوم من أيام شهر رمضان المبارك بينما كانت تجري الاستعدادات لإطلاق إحدى هذه المدافع لتجربتها، انطلق صوت المدفع بالتزامن مع لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق قلعة محمد علي القائمة حتى الآن في جنوب القاهرة، فتخيل الشعب أن هذا تقليد جديد متبع للإفطار واعتادوا عليه، وسألوا الحاكم أن يستمر في اتباعه خلال شهر رمضان في وقتي الإفطار والسحور، وبهذا تحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميًا إلى ظاهرة وتقليد رمضاني مرتبطين بالشهر الكريم بين كل المصريين بشكل عام، ولم يتوقف التقليد من وقتها إلى الآن إلا خلال الحروب العالمية.
الرواية الثانية
تقول الرواية الثانية إن هذا المدفع مرتبط باسم الحاجة فاطمة، لذا يعرف أيضًا باسم مدفع الحاجة فاطمة، والذي يعود تاريخه إلى عام 859 هجرية، ففي هذا العام كان هناك والي عثماني يتولى حكم مصر يعرف باسم خوشقدم، وكان جنوده يقومون باختبار مدفع جديد حصلوا عليه هدية من صديق ألماني أهداه إلى السلطان، وكان اختبار المدفع يتزامن بالصدفة مع موعد أذان المغرب وغروب الشمس في يوم من أيام شهر رمضان، لذا خمن المصريون أن السلطان أدخل تقليد جديد يبلغ المصريين من خلاله بموعد الإفطار.
لكن حين توقف المدفع عن الانطلاق بعدها في هذا الموعد ذهب علماء وأعيان البلد لمقابلة السلطان وطلبوا منه الاستمرار في عمل المدفع في شهر رمضان، لكنهم لم يجدوه، بل وجدوا زوجته الحاجة فاطمة، والتي استمعت إليهم ونقلت طلبهم للسلطان، ووافق السلطان على الطلب، وأطلق بعض الأهالي على المدفع اسم مدفع الحاجة فاطمة لهذا السبب. بينما يقول البعض إن أعيان وعلماء وأئمة المساجد بعد أن انطلق مدفع الإفطار لأول مرة، ذهبوا لتهنئة والي مصر بقدوم شهر رمضان، لذا أبقى الوالي على ضرب المدفع يوميًا طوال الشهر تقليدًا شعبيًا.
الرواية الثالثة
تقول الرواية الثالثة إن بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل كانوا يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة رغمًا عنهم دوت في سماء مدينة القاهرة، وكان هذا وقت أذان المغرب في أحد أيام شهر رمضان المبارك، لذا ظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليدًا جديدًا للإعلان عن بدء موعد الإفطار، وحين علمت الأميرة فاطمة أو كما تعرف باسم الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل ما حدث، أعجبتها الفكرة وطالبت باستخدام هذا المدفع يوميًا عند الإفطار والإمساك والأعياد الرسمية.
من هي الحاجة فاطمة؟
الحاجة فاطمة هي سمو الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل، التي اشتهر عنها حبها للخير والعلم، حتى أنها تبرعت بأرض كاملة كبيرة لإنشاء الجامعة الأهلية التي تعرف الآن باسم جامعة القاهرة، وتبرعت أيضًا بكل مجوهراتها الثمينة للإنفاق على تكلفة البناء، وارتبط اسم مدفع الإفطار باسمها بسبب الرواية التي تقول إنها من طالبت باستمرار إطلاق مدفع الإفطار كل يوم، والذي كان انطلق وقت الأذان عن طريق الخطأ بينما كان الجنود يقومون بتنظيفه أو تجربته.
تاريخ مدفع الإفطار
كان المسلمون في شهر رمضان منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى الآن يأكلون ويشربون من الغروب حتى وقت النوم، وحين بدأ استخدام الأذان اشتهر بأدائه سيدنا بلال رضي الله عنه، وحاول المسلمون على مر التاريخ، لا سيما بعد زيادة رقعة الدولة الإسلامية، أن يبتكروا العديد من الوسائل التي من شأنها أن تنبه المسلمين إلى موعد الإفطار بجانب الأذان، حتى ظهر مدفع الإفطار وأصبح تقليد شائع بين المسلمين.
وكانت مدينة القاهرة، عاصمة جمهورية مصر العربية، أول مدينة ينطلق فيها مدفع الإفطار، وعلى اختلاف الروايات إلا أن كلها يشير تقريبًا إلى أن المدفع انطلق لأول مرة بالتزامن مع أذان المغرب في شهر رمضان بالصدفة، وهذا ما نال استحسان الشعب الذي ظن أنه تقليد جديد مطالبًا باستمراره، وبدأ إطلاق مدفع آخر في وقت السحور أو الإمساك.
انتشار تقليد مدفع الإفطار من مصر للعالم الإسلامي
بدأت فكرة إطلاق مدفع الإفطار أولًا في مصر، ثم انتشرت للشام والقدس ودمشق وغيرها من مدن الشام الأخرى، ثم إلى بغداد في وقت ما أواخر القرن التاسع عشر تقريبًا، ثم انتقل التقليد إلى الكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح عام 1907م، وبعدها انتقل إلى دول الخليج الأخرى قبل اكتشاف النفط، ثم انتقل لليمن والسودان ودول غرب إفريقيا، كالتشاد والنيجر ومالي، ودول شرق آسيا، مثل إندونيسيا التي بدأت في تطبيق التقليد عام 1944م.
واستمر هذا المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859م، إلا أن زيادة العمران حول مكان انطلاق المدفع من فوق قلعة محمد علي أدى لظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة المزيفة (الفشنك)، وتم الاستغناء عن استخدام الذخيرة الحية، وبعد أن جاءت بعض الشكاوى من تأثير استخدام الذخيرة الحية على مباني القلعة، تم نقل المدفع إلى نقطة إطفاء منطقة الدرّاسة بالقرب من جامع الأزهر الشريف، ثم انتقل المدفع مرة ثالثة لمدينة البعوث الإسلامية بالقرب من جامعة الأزهر.