التراث العالمي هو المفهوم الشامل لكل ما تبقى من أوجه الحضارات القديمة، والتي ساهمت بشكل كبير في إضافة قيمة إنسانية مادية أو غير مادية للأجيال المتتالية. ولم تشغل قضية التراث دولة بعينها أو مجتمعًا واحدًا، بل أصبح الاهتمام بها عالميًا، حيث اهتمت العديد من المنظمات العالمية بالحفاظ على ذلك التراث وتنميته وتخليده لأكبر وقت ممكن، ليكون شاهدًا لأجيال جديدة. وتطلب الحفاظ على تلك الثروة الكبيرة جهودًا عالمية تحت إشراف منظمات مجتمعية غير حكومية، ولهذا ظهرت فكرة منظمة اليونسكو إلى العالم عام 1945 وكان من أهم أهدافها الحفاظ على التراث العالمي بجميع أشكاله.
ماهي قوائم التراث العالمي؟
في مؤتمر لجنة العلوم والثقافة والفنون -المعروفة اختصارًا بمنظمة اليونسكو- في سنة 1972 اتخذت اللجنة في حيثياتها بعض الأمور التي من شأنها المحافظة على التراث العالمي ووضعتها تحت مسمى "قوائم التراث العالمي" وتعرف بأنها المواقع التراثية العالمية التي تم ترشيحها بصفة خاصة من قبل تلك اللجنة تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، وشرعت اللجنة في ترشيح بعض المعالم التراثية ضمن البرنامج؛ قد تكون هذه المعالم طبيعية كالغابات وسلاسل الجبال، وقد تكون ثقافية من صنع الإنسان مثل البنايات والمدن، وتم اللجوء إلى ترشيح مناطق بعينها ووضعها على قائمة موحدة تضمن حمايتها الاتفاقيات الدولية ويعاقب عليها القانون الدولي إذا تم الإخلال ببند من بنودها، وكان من أهم أسباب انطلاق هذا البرنامج:
- محاولة الحفاظ على ما تبقى من آثار حضارية، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ساهمت في دمار بعض المعالم الحضارية، مما شكل ضررًا سياسيًا واقتصاديًا على العالم بأسره.
- عجز معظم الحكومات بمفردها عن حماية هذا التراث إذ أنها تفتقر إلى الموارد اللازمة للمحافظة عليه.
- عدم التزام معظم الحكومات بالبنود العامة لمنظمة الثقافة والعلوم، ومن هنا كان لا بد من وضع لائحة عامة تلتزم بها جميع حكومات العالم والمساعدة قدر الإمكان في الحفاظ على التراث.
- المساعدة على بقاء المعرفة الحضارية للأجيال الصاعدة وتنميتها والمحافظة عليها، حيث أن تجاهل المعرفة من شأنه أن يخلق مجتمعًا جاهلاً بميراث حضارته.
- إلزام الدول الكبرى بتقديم يد المساعدة والإسهام في الحفاظ على ما تبقى من آثار طبيعية وغير طبيعية في العالم.
اتفاقية قوائم التراث العالمي
كان لتلك الاتفاقية خلفيات تاريخية مهمة، ولم تتبلور بالشكل الذي أصبحت عليه الآن إلا بعد عدة محاولات لإنقاذ أشكال الحضارة الإنسانية من الإهمال والتهميش، وكانت نقطة البداية من مصر وإيطاليا -هاتين الدولتين اللتين امتلكتا نصف آثار العالم- وبدأ اتخاذ تلك الخطوة بعد حدثين مهمين وهما:
- تفكيك معبد أبو سمبل
قررت الحكومة المصرية في عام 1954 بناء سد أسوان (السد العالي)، والذي كان من شأنه إغراق الوادي التي يحتوي على تلك الآثار، لذلك استعانت الحكومة المصرية في ذلك الوقت بمنظمة اليونسكو التي دشنت حينها حملة في جميع أنحاء العالم لحماية تلك الآثار، وتم تفكيك كل من معبدي أبو سمبل وفيلة ونقلهما إلى مواقع أعلى.
- إنقاذ مدينة البندقية وبحيرتها في إيطاليا
هذا المشروع الهائل الذي قامت به اليونسكو لإنقاذ آثار مدينة البندقية بعد أن أدى ارتفاع منسوب المياه إلى إغراقها. ومنذ ذلك الحين شرعت المنظمة مع المجلس الدولي للمعالم والمواقع في وضع مسودة لمشروع اتفاقية حماية التراث الثقافي المشترك للإنسانية.
ومن خلال عدة مؤتمرات -كان أهمها مؤتمر عالمي عُقد بالبيت الأبيض عام 1965- تمّت الدعوة إلى الحفاظ على التراث العالمي في العالم والمناطق الطبيعية الخلابة والمواقع التاريخية والأثرية الرائعة من أجل الحاضر والمستقبل لسكان العالم كله. وقدم الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة اقتراحات مماثلة في عام 1968.
وعُرضت المسودة النهائية للاتفاقية في عام 1972 في مؤتمر الأمم المتحدة واتفق جميع الأطراف على نص واحد يتعلق بحماية التراث العالمي الثقافي والتراث الطبيعي، والذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في 16 نوفمبر 1972، وكان من أهم بنوده أن تلتزم جميع الدول الأطراف الموقعة وعددهم 193 دولة طرف بالاتفاقية، وهي جزء من مجتمع دولي متحد في مهمة مشتركة لتحديد التراث الطبيعي والثقافي الأكثر تميزًا في العالم وحمايته.
معايير اختيار قوائم التراث العالمي
تنقسم قوائم التراث العالمي إلى قائمتين رئيسيتين، هما قائمة التراث الطبيعي وقائمة التراث الثقافي، وتشترك القائمتان في معيار ثابت وهو أن تكون ذات قيمة عالمية استثنائية وتستوفي على الأقل واحدًا من المعايير التي وضعتها المنظمة لكل قائمة منهما، وتضم قائمة التراث العالمي أكثر من 689 موقعًا ثقافيًا و176 موقعًا طبيعيًا يتم اختيارها وفق شروط صارمة ومعايير محددة أبرزها ما يلي:
معايير اختيار قوائم التراث الثقافي:
- أن تكون تحفة عبقرية خلابة بمقياس التطور الحضاري في ذلك الوقت.
- أن تكون من صُنع الإنسان.
- أن تمثل إحدى القيم الإنسانية المهمة لفترة من الزمن ومشتركة بين جميع الحضارات.
- أن تشمل قوائم التراث الثقافي الهندسة المعمارية والفنون الأثرية وتخطيط المدن.
- أن تكون فريدة من نوعها واستثنائية لتقليد ثقافي لحضارة قائمة أو مندثرة.
- أن تعطي مثالًا بارزًا على نوعية من البناء يوضح مرحلة مهمة في تاريخ البشرية.
- أن تكون مرتبطة مباشرة بالأحداث أو التقاليد المعيشية والأفكار أو المعتقدات أو الأعمال الفنية.
معايير اختيار قوائم التراث الطبيعي
- أن تحتوي على أهم الظواهر الطبيعية لحفظ التنوع البيولوجي بالموقع.
- أن تحتوي تلك المواقع على الأنواع المهددة بالانقراض.
- أن تكون فريدة من نوعها وذات قيمة عالمية فريدة من وجهة نظر العلم أو حماية البيئة، بمعنى أن تكون فائقة الجذب ومواقع ذات جمال طبيعي استثنائي.
- أن تمثل المراحل الرئيسية من تاريخ الأرض وسجل الحياة.
- أن تمثل أهمية كبيرة من الناحية البيئية والبيولوجية وأن تساهم في عمليات التطور والتنمية.
*ومن أهم أمثلة التراث الطبيعي مجاري المياه العذبة والساحلية والبحرية والمجتمعات المحلية من النباتات والحيوانات. وتتمثل إحدى مهام اليونسكو في إعلان قائمة مواقع التراث الثقافي والطبيعي العالمي، وهذه المواقع قد تكون تاريخية أو طبيعية،بينما تندرج حماية هذه المواقع وإبقاءها سليمة ضمن مهام المجتمع الدولي وليست من مهام المنظمة.
عدد مواقع التراث العالمي
بعد اثنين وعشرين عامًا من اعتماد اتفاقية عام 1972 بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، افتقرت قائمة التراث العالمي إلى التوازن في نوع الممتلكات المدرجة وفي المناطق الجغرافية من العالم التي تم تمثيلها، وصُنف 410 موقعًا عالميًا كما يلي: عدد 304 موقع تراث ثقافي وعدد 90 موقعًا طبيعيًا و16 موقعًا مختلطًا، وتقع الغالبية العظمى من المواقع في المناطق المتقدمة من العالم ، ولا سيما في أوروبا، وفي عام 1994 قامت لجنة حماية التراث داخل منظمة اليونسكو بإدراج قائمة متوازنة وذات مصداقية، وكان من أهم أهدافها التأكد من أن القائمة تعكس التنوع الثقافي والطبيعي للعالم ذي القيمة العالمية البارزة.
وفي أخر إحصائية صدرت عام 2017 وصل عدد مواقع التراث العالمي إلى 890 موقعًا، منهم 689 موقعا ثقافيًا و176 طبيعيًا، وهناك 25 موقعًا مختلطًا، وتحتل إيطاليا نصيب الأسد من هذا العدد وتأتي فى مقدمة القائمة بعدد 54 موقعًا، تليها الصين ثم فرنسا، ورغم هذا العدد فإنه لا يلبي قوائم الانتظار داخل الدول التي تضمّ مواقع ذات أهمية عالمية، ولا تزال قائمة التراث العالمي فقيرة العدد، وعلى سبيل المثال فإن بلدًا مثل مصر بما تملكه من حضارة عريقة تسجل سبعة مواقع فقط، ولا تزال مئات المواقع الأخرى قيد الإنتظار، لذلك تسعى منظمة اليونسكو دائمًا إلى تحديث قائمتها بإضافة مواقع جديدة أو من خلال قائمة الإنتظار، ولا سيما المواقع المهددة بالخطر.
قوائم مواقع التراث العالمي
تنقسم قوائم التراث التراث العالمي الى خمس مناطق جغرافية رئيسية، وتضم كل منطقة عدد من البلدان بمجموع 183، وهي الدول التي وقعت على اتفاقية حماية التراث، وتلتزم جميعها بحماية هذه المواقع كونها ثراثًا عالميًا يلزم حمايته ماديًا ويعاقب عليه القانون الدولي حال الاعتداء عليه من أي طرف داخل الدولة أو خارجها، وتشمل هذه المناطق ما يلي:
- قائمة التراث العالمي في أوروبا وأمريكا الشمالية
تضم هذه القائمة كل الدول التي تقع حدودها داخل القارة الأوروبية وروسيا ودول القوقاز، وتضم أيضًا الدول التى تقع خارج حدود القارة، ولكنها ترتبط بأوروبا تاريخيًا أو ثقافيًا مثل تركيا وبعض مناطق أمريكا الشمالية، وتعد أوروبا الأكثر حظًا في عدد مواقع التراث العالمي حيث تمتلك وحدها 469 موقعًا بنسبة 48%.
- قائمة التراث العالمي في إفريقيا
تعد إفريقيا الأفقر من حيث عدد المواقع المُدرجة ضمن قائمة التراث العالمي بعدد 129 موقعًا فقط، بنسبة 9%، وهذا من أحد الأسباب التي تجعل منظمة اليونسكو في مرمى اتهام بعض الناشطين بالتحيز والعنصرية، ورغم ذلك لا تزال هناك محاولات حثيثة لزياده عدد مواقع التراث الخاص بإفريقيا لما تملكه من إمكانيات حضارية وطبيعية هائلة، وتحتل إثيوبيا المركز الأول في عدد مواقع قائمة التراث الخاص بإفريقيا بتسع مواقع.
- قائمة التراث العالمي في الدول العربية والشرق الأوسط
تحتل منطقة الدول العربية مكانة لابأس بها في قائمة التراث العالمي، حيث تمتلك 74 موقعًا ما بين طبيعى وثقافي بنسبة 7%، إلى جانب ذلك فإن قائمة التراث العربي المعرض للخطر من أكثر القوائم في العالم، وذلك بسبب الصراعات والحروب التي طالت مواقع تراثية فريدة من نوعها في سوريا والعراق وليبيا ولبنان.
- قائمة التراث العالمي في آسيا والمحيط الهادي
تحتل منطقة آسيا والمحيط الهادي المركز الثاني في قائمة التراث العالمي بعدد 221 موقع، بنسبة 22%، وتأتي الصين في المركز الأول قاريًا والثاني عالميًا بعدد 54 موقع.
- قائمة التراث العالمي في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي
تأتي منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في المركز الثالث من حيث عدد المواقع المسجلة في قائمة التراث العالمي بعدد 90 موقعًا، وتحتل دولة البرازيل النصيب الأكبر فيها بنسبة 13%.
قائمة التراث العالمي المعرض للخطر
التراث العالمي المعرض للخطر هو كل تراث طبيعى أو ثقافي يحتمل أن يكون معرضًا للخطر في المستقبل بسبب عوامل طبيعية أو بشرية، ويتم تحديد تلك القائمة بناءًا على عدة شروط أقرتها لجنة حماية التراث في اليونسكو منها :
- حالة المواقع الطبيعية
يجب أن تتضمن أخطارًا مؤكدة، مثل انخفاض خطير في عدد الكائنات التي تتواجد في الموقع أو الأنواع الأخرى ذات القيمة العالية والنادرة أو تدهور الجمال الطبيعي لها أو انخفاض القيمة العلمية للموقع بفعل أنشطة بشرية كقطع الأشجار والتلوث والمستوطنات البشرية.
- حالة المواقع الثقافية
يجب أيضًا أن تشمل أخطارًا مؤكدة مثل فقدان الأصالة التاريخية للمبنى وضعف التماسك الهندسي للمبنى والأهمية الثقافية، وتشمل أيضًا مشاريع التنمية والصراعات السياسية والحروب، وتحتل إفريقيا والشرق الأوسط المركز الأول في قوائم التراث العالمي المعرض للخطر لعدة أسباب منها:
- كثرة الصراعات السياسية والمسلحة خاصة في إفريقيا
- عدم وجود نظام ديمقراطي حاكم داخل هذه الدول
- ضعف الإمكانيات الاقتصادية
*تسعى منظمة اليونسكو الى تحديث قوائمها والمساعدة في توفير المساعدات المادية اللازمة لحماية القوائم المعرضة للخطر، وأدرجت مؤخرًا أكثر من 52 موقعًا حول العالم.
شعار اليونسكو لقوائم التراث العالمي
يمثل شعار اليونسكو أهمية قصوى في تحديد مواقع التراث العالمي ويتم استخدامه لتحديد الممتلكات المحمية بموجب اتفاقية التراث العالمي والمدرجة في قائمة التراث العالمي الرسمية، ويجب أن يحمل كل موقع مدرج في قائمة التراث العالمي هذا الشعار فى السجلات المركزية للمنظمة ويتم الترويج له حول العالم وصممه الفنان البلجيكي ميشيل أوليف واعتُمد رمز رسمي لاتفاقية التراث العالمي في عام 1978، ويمثل شعار التراث العالمي الترابط بين التنوع الطبيعي والثقافي في العالم.
قوائم التراث بين المصداقية والتمييز
كشفت دراسة عالمية في الفترة من 1987 إلى 1993 أن أوروبا والمدن التاريخية والمعالم الدينية والمسيحية والعمارة "النخبوية" كانت جميعها ممثلة تمثيلًا زائدًا في قائمة التراث العالمي، في حين أن جميع الثقافات الحية، وخاصة "الثقافات التقليدية" في إفريقيا والشرق الأوسط كانت ناقصة التمثيل، مما يفقد قائمة التراث العالمي الكثير من المصداقية والشفافية في تحديد هوية المواقع التراثية حول العالم واعتمادها أصولًا وممتلكات حديثة العهد وتفتقر إلى الأصول التاريخية المؤهلة لأن تكون تراثًا حقيقيًا، وفي ظل ذلك تسعى الدول الفقيرة إلى البحث عن هويتها الثقافية والتاريخية في ظل معطيات عالمية جديدة.