تُعدّ الحضارة البابلية إحدى أعظم حضارات ما قبل التاريخ، وكانت مدينة بابل العراقية عاصمة الحضارة البابلية ومركزها، وإليها يعود تسميتها بهذا الاسم، وشهدت حضارة بابل العديد من التطورات في مختلف نواحي الحياة، وما تزال بعض من آثار هذه الحضارة قائمة حتى هذا اليوم.

بداية تأسيس الحضارة البابلية

تأسست مدينة بابل الواقعة في بلاد ما بين النهرين القديمة (العراق حاليًا) منذ أكثر من 4000 عام كميناء صغير على نهر الفرات، ثمّ تطورت بعد عدة قرون لتصبح واحدة من أكبر مدن العالم القديم، وأصبحت مدينة بابل مركز للحضارة البابلية التي امتدت من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط، وتميزت المدينة بمبانيها الفاخرة والجميلة في تلك الفترة، وكان سكان جنوب بلاد ما بين النهرين يتحدثون اللغة الكادية، وهي إحدى اللغات السامية.

ازدهار الحضارة البابلية

شهد حكم الملك حمورابي تحول كبير في الحضارة البابلية، حيث أصبحت بابل قوة عسكرية كبرى في فترة حكمه التي امتدت من 1750-1792 قبل الميلاد، بعد أن غزا الدول المجاورة، ووضع معظمها تحت سيطرة الحكم البابلي، وأسّس الإمبراطورية البابلية، وتحولت بابل في عهده إلى مدينة مركزية مؤثرة، وساعده في ذلك إنشاء واحد من أقدم الأنظمة القانونية المكتوبة والأكثر كمالًا في العالم والتي سُمّيت بشريعة حمورابي، ومكّنت هذه القوانين بابل من التفوق على مدن الحضارات الأخرى في المنطقة، ولكن لم تبقَ الحضارة البابلية قوية لفترة طويلة، إذ تراجعت الإمبراطورية البابلية بعد وفاة حمورابي وعادت مملكة صغيرة لبضعة قرون.

ازدهار الحضارة البابلية من جديد

عادت الإمبراطورية البابلية إلى التطور والازدهار من جديد في عهد الملك البابلي نبوخذ نصّر الثاني، الذي أسّس الإمبراطورية البابلية الحديثة، والتي استمرت من 626-539 قبل الميلاد، وأصبحت الإمبراطورية البابلية الحديثة أقوى دولة في المنطقة بعد هزيمة جيرانها الآشوريين عام 612 قبل الميلاد في نينوى، وفي هذه الفترة أصبحت الحضارة البابلية تجسّد فترة نهضة ثقافية في الشرق الأدنى؛ حيث بنى البابليون العديد من المباني الرائعة والفخمة، إلى جانب الكثير من الأعمال الفنية التي يعود تاريخها إلى فترة حكم الملك نبوخذ نصر الثاني.

إنجازات الحضارة البابلية

تنوعت الإنجازات التي تحققت في فترة الحضارة البابلية، حيث برع البابليون في العديد من المجالات منها العلوم والهندسة والفنون والأدب والرياضيات والموسيقى، ومن أبرز إنجازات هذه الحضارة ما يأتي:

  • التطور المعماري

كان البابليون بناة ومهندسين بارعين، وأولوا أهمية كبيرة لمباني الدولة الرئيسية، ومن أعظم الأمثلة على براعتهم الهندسية الحدائق المعلقة التي بناها نبوخذ نصر في مملكته، وكان ارتفاع هذه الحدائق حوالي 23 متر، وهي تضم العديد من المنصات المتدرجة المزينة بأشجار وأزهار ونباتات جميلة، وصُنّفت حدائق بابل المعلّقة من ضمن عجائب الدنيا السبع القديمة.

  • كتاب تشخيص طبي

برع البابليون في مجال الطب أيضًا، وهم من أوائل الذين شخصوا الأمراض ووصفوا الأدوية ودونوا ذلك في كتيّب يوضح لممارسي مهنة الطب كيفية التعرف على الأمراض بشكل عقلاني ومنطقي، ومن ثمّ وصف العلاج المناسب لكل حالة مرضية.

  • استخدام الأرقام الموضعية

يُعدّ البابليون القدماء أول من وضع الأرقام الموضعية وأول من استخدموها، حيث أعطوا لكل رقم قيمة خاصة به بناءً على موقعه، ويسّر وضع الأرقام في حل المشكلات الحسابية، وهذا بدوره طور علم الرياضيات في الفترات اللاحقة.

  • تطوير علم الفلك

تفوق البابليون القدماء كثيرًا في علم الفلك، وساعدهم في ذلك مهاراتهم الرياضية التي عززت من فهمهم للكون، وبناءً عليه أصبحوا يدركون معنى التقويم، واعتمدوا تقويم قمري يقسم السنة إلى 12 شهر، وكل شهر يحتوي على 30 يوم، ودونوا الأحداث الزمنية بسجلات ومستندات محفوظة بحرص، واستخدم البابليون الساعات الشمسية والمائية.

  • التعليم العام

أولى البابليون القدماء التعليم أهمية كبيرة، حيث حرص الملك حمورابي على إنشاء المدارس والمكتبات العامة، وكان للحضارة البابلية الكثير من الأعمال الأدبية من أشهرها قصيدة جلجامش الملحمية، واستخدم البابليون أكثر من 350 رمز لكتابة لغتهم، وكانوا يستخدمون العظام والخيزران للكتابة على الأقراص الطينية، ثمّ يقومون بتجفيفها في الشمس.

حقائق قد تعرفها لأول مرة عن الحضارة البابلية

من أبرز الحقائق عن الحضارة البابلية العريقة ما يأتي:

  • منح المجتمع البابلي المرأة كامل حريتها وحقوقها، فإضافة إلى دورها الأساسي كأم، كان يُسمح للمرأة أن تتبوأ المناصب الدينية وتبدأ أعمالها التجارية الخاصة وتطلب مهرًا، ومُنحت أيضًا الحق في ممتلكات زوجها بعد موته.
  • كان المجتمع البابلي يشجع على إنجاب المزيد من الأطفال، نظرًا لأنّه يحتاجهم كأيدي عاملة لبناء الحضارة البابلية وتقدمها، لذلك كان امتلاك الأسرة لعدد أكبر من الأطفال مدعاة فخر واعتزاز.
  • برع البابليون القدماء في التجارة، وكانوا يستوردون الذهب والفضة والنحاس والحجر والملح، ويصدرون السلع الجلدية والحبوب والزيوت والأواني الفخارية، ويُعدّ البابليون أول من وضع مصطلح عقد البيع في التاريخ وأول من وضع الختم على العقود التجارية.
  • كانت الدولة البابلية قوة عسكرية عظمى في عهد الملك حمورابي، حيث كان الجيش يتكون من جنود مدربين ببراعة، وهذا سهّل على حمورابي غزو جميع بلاد ما بين النهرين وضمها إلى مملكته.
  • أنتج البابليون مجموعة متنوعة من المحاصيل الزراعية، وكانوا يمتلكون معرفة كبيرة بأساليب الزراعة، وزرعوا الفستق في حدائق بابل، بالإضافة إلى البازلاء والشعير والزيتون والعنب والقمح وغيرها من المحاصيل الأخرى في جميع أنحاء أراضي الإمبراطورية.
  • عبد البابليون القدماء عدة آلهة وكان مردوخ إلههم الرئيسي الذي يُرجعون إليه خلق الكون، إلى جانب عدة آلهة أخرى مثل إله الشمس وإله الزراعة، وكان البابليون يتعبدون في معابد يُطلق عليها الزقورة وجمعها زقورات.

سقوط الدولة البابلية

كان عمر الدولة البابلية الحديثة التي أسسها نبوخذ نصر قصيرًا، ففي عام 539 قبل الميلاد وبعد أقل من قرن من تأسيسها، غزا الملك الفارسي كورش الكبير مدينة بابل، وبعد نجاحه في إسقاطها أصبحت الإمبراطورية تحت سيطرة الفرس، وبهذا انهارت الحضارة البابلية.