مملكة جوسون أو تشوسون أو كما يطلق عليها "سلالة يي" هي آخر وأطول سلالة ملكية حكمت كورويا، حيث استمرت حوالي خمسة قرون بين عامي 1392م و1910م، والتي أسسها الجنرال يي سونغ جي المشهور باسم الملك تايجو -وهو نفسه الذي أسس عاصمتها هانيانغ (المعروفة الآن باسم سيول)- بعد أن أسقط مملكة كوريو وأطاح بها، وسعت سلالة جوسون إلى توسيع المملكة وحدودها حتى وصلت إلى نهري يالو وتومين، واتخذت جوسون من التعاليم الكونفوشيوسية نظامًا للحكم والمجتمع، ويرجع هذا لعلاقتها الوثيقة بالصين التي أثرت عليها بصورة كبيرة.
وفي هذا الوقت أصبحت الثقافة الكورية الكلاسيكية، بجانب العلوم والأدب والتجارة والتقنية، في قمة التقدم والازدهار، إلا أن المملكة تعرضت في القرنين السادس والسابع عشر للعديد من الغزوات من قبل اليابان والصين، اللذان استطاعا احتلال أجزاء من شبه جزيرة كوريا، الأمر الذي جعل المملكة في حالة انعزالية شديدة، حتى أنه أطلق عليها في هذا الوقت "مملكة الراهب"، وبعد انتهاء هذه الحروب شهدت المملكة سلام امتد على مدار مائتي سنة، وبحلول نهاية القرن التاسع عشر عانت مملكة جوسون من ضعف شديد وتفكك أدى لسقوطها، إلا أنها تركت تراثًا عظيمًا يفتخر به شعب كوريا الحديثة ويعتز به، وهذا ما نلاحظه في أعمالهم الدرامية والسينمائية.
تاريخ مملكة جوسون
امتدت مملكة كوريو التي كانت تحكم البلاد قبل جوسون على مدار 400 عام، لكنها كانت تعاني من حالة من الضعف والتدهور الشديد في نهايات القرن الرابع عشر، ويعود هذا للعديد من الأسباب على رأسها الصراعات الداخلية للسيطرة على الحكم واحتلال الإمبراطورية المغولية لها، فقام الجنرال يي سونغ جي بغزو قوات الجنرال تشوي يونغ المنافس له في العاصمة، وتخلص من "يو" ملك كوريو وابنه البالغ من العمر 8 سنوات وأمر بإعدامهم، وبحلول عام 1392م تولى يي العرش وأطلق على نفسه اسم الملك تايجو، وحكم المملكة عدد كبير من الملوك، إلا أن أبرزهم كان:
الملك تايجو
في السنوات الأولى من حكم الملك تايجو، كان النبلاء الذين يشعرون بالانتماء لملوك كوريو لديهم سخط على تايجو وحكمه ويهددون النظام بالتمرد دائمًا، لذا قضى تايجو على كل المتمردين الذين ينتمون للأسرة القديمة وأعلن تأسيس "مملكة جوسون العظمى"، وأعلن أيضًا نقل العاصمة من مدينة غيونغجو إلى مدينة هانيانغ والتي تعرف الآن باسم سيول، والتي بنى فيها العديد من المباني المعمارية المميزة على رأسها قصر كيونغ بوك الذي بني عام 1395م وقصر تشانغدوك الذي بني عام 1405م، واستمر الملك تايجو في الحكم حتى عام 1408م.
الملك سيجونج العظيم
بعد وفاة تايجو تصارع أبناؤه على السلطة فيما بينهم، لكن بحلول عام 1418م وصل الملك سيجونج العظيم "حفيد الملك تايجو" إلى الحكم، وظل يحكم حتى عام 1450م، ووصلت المملكة في عهده إلى قمة قوتها وتقدمها، بفضل حكمة الملك وقدراته الفذة التي جعلت شقيقيه الأكبر منه سنًا يتنحيا عن الحكم لكي يفسحوا له المجال ليحكم، وقام سيجونج باختراع "الهانغول" أو النص الكوري، وهو نظام حروف أسهل كثيرًا من الحروف الصينية التي كان يتم تعلمها، بجانب أنه نجح في التقدم بالزراعة وساعد في ابتكار العديد من الاختراعات العلمية مثل مقياس المطر والمزولة الشمسية.
الغزوات اليابانية لمملكة جوسون
بين عامي 1592م و1597م غزت القوات اليابانية بقيادة تويوتومي هيديوشي مملكة جوسون بجيش الساموراي، بهدف الوصول للصين والقضاء على سلالة مينغ الصينية، ونجحت القوات اليابانية في الاستيلاء على العاصمة وقاموا بقطع أنوف وآذان أكثر من 38 ألف كوري، وظلت مملكة جوسون تعاني حتى قام الأدميرال يي صن سين بإنقاذها عن طريق بناء أولى السفن الحديدية في العالم "سفن السلاحف"، وانتصر على القوات اليابانية في معركة هانسان دو وأجبرها على التراجع.
غزوات المانشو
بعد هزيمة مملكة جوسون لليابان أصبحت المملكة انعزالية جدًا ومنغلقة على نفسها، وهذا ما أضعف سلالة مينغ الصينية، التي أنهكت بسبب محاربة اليابانيين، مما أدى لسقوطها سريعًا في يد المانشو الذين قاموا بتأسيس أسرة تشينغ، ورفضت جوسون السلالة الجديدة، لذا قام هوانغ تايجي زعيم المانشو بمهاجمة جوسون خوفًا من أن تتسبب في تمرد الصينيين، وعلى الرغم من عدم نجاحهم في المرة الأولى عام 1627م، نجحوا في المرة الثانية عام 1637م واستطاعوا تدمير وسط كوريا وشمالها، مما أجبر ملك جوسون وحكامها على إقامة علاقة معهم وقبولهم.
فترة انحدار مملكة جوسون وتمرد شعبها
في القرن التاسع عشر كانت اليابان تتنافس مع سلالة تشينغ الصينية على السلطة في شرق آسيا، وبحلول عام 1882م حدث تمرد إيمو الذي قام به جنود كوريون غضبوا من تأخر رواتبهم، مما دفعهم لقتل مستشارًا يابانيًا وحرقوا البعثة اليابانية، فأدى هذا لزيادة التواجد الياباني والصيني في كوريا، ومع حدوث تمرد فلاحي دونغهاك عام 1894م، استطاعت الصين واليابان التحجج به لإرسال قوات أكبر إلى كوريا، فنشبت الحرب الصينية اليابانية الأولى على الأراضي الكورية بين عامي 1894م و1895م، والتي انتهت بهزيمة أسرة تشينغ، فسيطرت اليابان على كوريا واحتكرت مواردها الطبيعية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
إعلان الإمبراطورية الكورية
بعد أن استطاعت اليابان هزيمة الصين في الحرب الصينية اليابانية الأولى، انتهت سيطرة الصين على كوريا، فتم تغيير اسم مملكة جوسون إلى الإمبراطورية الكورية، إلا أنها كانت ما تزال تحت سيطرة اليابان، حتى أرسل غوانغمو إمبراطور كوريا مبعوث للاحتجاج على موقف اليابان العدواني من بلاده عام 1907م، فقام المقيم العام الياباني في البلاد بإجبار الملك الكوري على التنازل عن العرش وسيطرت اليابان على كل شيء، الشرطة والسجون والقضاء، وتم حل الجيش الكوري وأصبحت كوريا يابانية اسمًا وواقعًا.
سقوط مملكة جوسون
بحلول عام 1910م احتلت اليابان شبه جزيرة كوريا رسميًا، وسقطت مملكة جوسون بعد توقيع اتفاقية الضم بين كوريا واليابان في نفس العام، وتنازل الإمبراطور الكوري عن سلطاته لإمبراطور اليابان، إلا أن آخر ملوك جوسون "يونغ هوي" رفض التوقيع على المعاهدة، لكن اليابان أجبرت "لي وان يونغ" رئيس الوزراء على التوقيع بدلًا من الإمبراطور، وظلت اليابان محتلة كوريا لمدة 35 عام، حتى استسلمت القوات اليابانية لقوات الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية.