الدولة المؤابية، التي تعرف أيضًا باسم مؤاب أو مملكة موآب، هي مملكة قديمة كانت تقع في الأراضي التي تعرف اليوم باسم الأردن، في منطقة جبلية تمتد بمحاذاة الضفة الشرقية للبحر الميت من مدينة الكرك شمالًا حتى مدينة الشوبك، وكان يحدها من الشمال وادي حسبان الذي كان يفصل بينها وبين دولة عمون، بينما كان يحدها وادي الموجب من ناحية الجنوب، حيث كان يفصل بينها وبين دولة أدوم، أما من ناحية الشرق فكانت تحدها بادية الشام، وكانت ديبون أو ذيبان هي عاصمة الدولة المؤابية، وبحسب نصوص التوراة فطالما كانت مؤاب في نزاعات وصراعات مع جيرانها من الغرب من بني إسرائيل، وهناك الكثير من الآثار التي تدل على ذلك، أهمها نصب ميشع، وهو نصب يصف انتصار الملك ميشع الذبياني المؤابي على ابن الملك عمري "ملك بني إسرائيل السادس" عام 850 قبل الميلاد، وهذه الحادثة مذكورة أيضًا في التوراة في سفر الملوك الثاني الإصحاح الثالث.
أصل اسم الدولة المؤابية
يختلف الباحثون حتى الآن في أصل كلمة مؤاب، إذ يقول البعض إنها كلمة سامية مشتقة من الجذر يأب ويعني "من أبوه"، وقال البعض الآخر إنها مشتقة من الجذر وهب، ويلفظ في اللغة المؤابية يهب لعدم وجود فعل لديهم يبدأ بالواو، أما في اللغة العربية فإن وأب بمعنى استحى وخزى، ويقول البروفيسور زياد كفافي إن مؤاب معناها أرض الغروب، وهي تشير للقبائل البدوية التي عاشت في الصحراء في أوائل العصر الحديدي الثاني، ويقول إن مملكة مؤاب قامت في المنطقة الواقعة ناحية الشرق من البحر الميت، والتي يحدها من الشمال وادي الموجب ومن الجنوب وادي الحسا.
تاريخ الدولة المؤابية وأصلها
تأسست الدولة المؤابية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد واستمرت حوالي 9 قرون قبل أن تسقط في القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت الدولة المؤابية تقع على هضبة ترتفع 910 متر فوق سطح البحر الأبيض المتوسط و1300 متر فوق مستوى البحر الميت، وارتفاعها كان تدريجيًا لأعلى من الشمال إلى الجنوب، وفي شمال الدولة كانت تقع العديد من الوديان الضيقة العميقة، بالإضافة إلى جبل نيبو الذي يقال إن النبي موسى عليه السلام دفن فيه بحسب سفر التثنية (34: 1-8).
وبحسب نقش ميشع الأثري، ذكر ميشع إن والده حكم مملكة مؤاب 30 عامًا، ثم خلفه هو وبنى مكان مقدس في الكرخة (المعروفة الآن باسم مدينة الكرك) لعبادة الإله كاموش، وذكر ميشع أيضًا إن الملك عمري "ملك إسرائيل" وشعبه كانوا يضيقون الحال على مملكة مؤاب وشعبها لفترة طويلة وإن الملك عمري هدد الدولة المؤابية، لذا سعى ميشع للانتقام منه وهزمه وطهر أرض مؤاب من شره وظلمه.
وكانت هذه المنطقة من الناحية التاريخية تمر بصراعات كبيرة اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا بين الإمبراطوريات القائمة حينذاك، لا سيما الإمبراطوريات الآشورية والمصرية والحثية، بهدف السيطرة على طريق التجارة الرئيسي وفرض الهيمنة العسكرية والتجارية على المنطقة، وتحالفت الدولة المؤابية مع الآشوريين حينًا ومع المصريين حينًا آخر، وتطورت الدولة المؤابية من القبلية إلى الملكية حتى سقطت دولتهم عام 583 قبل الميلاد بسبب تحالفهم مع مصر ضد بابل.
حدود الدولة المؤابية وعاصمتها
إن حدود الدولة المؤابية لم تكن مرسومة بدقة، حيث كان الاعتماد الأساسي على رسم الحدود قائم على الفواصل الطبيعية، لهذا كانت تبعية الأراضي في كثير من الأحيان تتداخل معًا، بجانب أن الدولة المؤابية تعرضت للعديد من التغيرات على مر تاريخها بسبب الحروب التي دخلت فيها، ومرورها بفترات من القوة والضعف، وتوسعها حينًا على حساب الأراضي المجاورة، وخسرانها لجزء من أراضيها حينًا أخرى، وبحسب ما تقول التوراة فإن مملكة مؤاب كانت مشتركة في الحدود مع البحر الميت من الغرب، ومدينة عمون والصحراء العربية من الشرق، ومملكة إدوم من الجنوب، لكن هناك اختلاف بين العلماء فيما يتعلق بالحدود الشمالية، لكنها بشكل عام كانت على بضعة أميال من شمال البحر الميت، وفي سفر حزقيال (25: 9) ذكر إن حدود مملكة مؤاب كانت:
- بيت جيشيموت "مدينة قديمة في الأردن" من الشمال.
- بعل ميون (مدينة ماعين في الأردن الآن بحسب نصوص التوراة) من الشرق.
- كرياتايم (مدينة تقع بالقرب من وادي زرقاء ماعين بحسب نصوص التوراة) من الجنوب.
لغة الدولة المؤابية ودينها
كانت اللغة المؤابية لغة كنعانية منقرضة لها علاقة وثيقة باللغة العبرية التوراتية والعمونية والأدومية، وكانت تستخدم في هذا الوقت في مؤاب (المنطقة التي تشمل وسط الأردن وغربه الآن)، في النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد، وكتبت اللغة بالأبجدية الفينيقية، وهذا بحسب ما يشير إليه نقش ميشع الذي يعد النص الوحيد المعروف لهذه اللغة، أما من حيث الدين كان المؤابيون يعبدون الأصنام، وكان كاموش إله الحرب هو أشهر الآلهة عندهم.
سقوط الدولة المؤابية
بداية من عام 733 قبل الميلاد كانت الدولة المؤابية تدين بالولاء إلى المملكة الآشورية، وتقوم بدفع الضرائب لها في مقابل حمايتها وحماية مصالحها، مع وعد من آشور لمؤاب أن جيشها لن يدخل لدولتها، مع وعود بتوفير المساعدة لها إذا قامت أي من الدول الأخرى بالاعتداء على أراضيها، وهذا ما مكن مؤاب من الحفاظ على مكانتها وتوسيع حدودها ناحية الشمال، واستمر الوضع على هذا الحال طوال فترة حكم الملك شلمناصر الرابع ملك آشور.
وحين تولى سرجون الثاني الحكم قامت الدولة المؤابية بالانضمام للمقاومة ضد الآشوريين، فقام سرجون بالسيطرة على الطريق الممتد لأسدود، حتى عادت مؤاب ودفعت الجزية لآشور من جديد، واستمر الوضع على هذا الحال خلال فترة حكم كل من سنحاريب وأسرحدون وبني بعل، ثم أصبحت الدولة المؤابية تابعة للدولة البابلية بقيادة نابوبلاصر، وتوطدت العلاقة أكثر بعد معركة كركمش بقيادة نبوخذ نصر عام 656 قبل الميلاد، وقامت الدولة المؤابية بدفع الجزية له.
وبحلول عام 591 قبل الميلاد قام المؤابيون بعقد تحالف مع مصر ضد بابل، فقام نبوخذ نصر بشن حملة على هذا الحلف سنة 589 قبل الميلاد، واستطاع احتلال الطرق التي تؤدي لمصر، ونجح في السيطرة على القدس بحلول عام 586 قبل الميلاد، ثم وصل إلى مؤاب وعمون وأسر العديد من شعبها معه إلى بابل، بينما فر الكثير منهم لمصر، وكان هذا في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، حيث انهارت مؤاب تمامًا ولم يعد يذكر اسمها تقريبًا، وأصبحت الأراضي التي كانت تتبعها ضمن مملكة الأنباط –مملكة عربية قديمة نشأت في صحراء الأردن وسيناء والنقب وعدة أجزاء من شمال شبه الجزيرة العربية- وأصبح شعبها من المواطنين الأنباط.