الفسيفساء (بالإنجليزية: Mosaic) هو أقدم أنواع فنون التصوير التي تمتاز بالدقة والجمال، حيث تُستخدم المكعبات والحبيبات الصغيرة، إلى جانب الحجارة والمعادن والزجاج والأصداف وغيرها من المواد، في زخرفة الفراغات الأرضية والجدارية وتزيينها بتثبيتها بالبلاط فوق الأسطح الناعمة وإبداع أشكال وتصاميم بألوان مختلفة ولإنتاج أشكال فنية تعبر عن قيم دينية وحضارية وفنية بأسلوب فني جميل.

أصل مصطلح الفسيفساء

تعود أصول كلمة الفسيفساء إلى الكلمة اليونانية "Muses"، أي، آلهة الفنون والجمال والإلهام الفني التسعة عند اليونان، وحرّف العرب هذه الكلمة عندما وصلت إليهم وعرّبوها إلى "Fass" حتى عُرفت فيما بعد بكلمة "Mosaic"، أي، فن الموازييك.

ويُذكر أن اليونانيين عرفوا هذا الفن باسم "Tessera Technique"، وهو مصطلح لاتيني يعني أسلوب المكعبات، إشارة إلى المكعبات المنتظمة التي قطعوها من الحجارة أو الزجاج والمواد الأخرى وثبتوها بجانب بعضها البعض لصنع أشكال وتصاميم فنية وجمالية، وإذا كانت هذه المكعبات منتظمة، أطلقوا عليها اسم "Opus Tesselatum"، وإذا كانت غير منتظمة، أطلقوا عليها اسم "Opus Vermiculatum".

نشأة فن الفسيفساء وتطوره

عُرفت الفسيفساء لأول مرة في بلاد ما بين النهرين أو بلاد الرافدين، العراق حاليًا، وتحديدًا في معبد أور، مدينة الوركاء، الذي يعود تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد عُثر على جدارية مزينة على شكل مخروطات طينية محروقة تعود إلى عصر السومريين قبل 500 عام من الميلاد، وهذه الجدارية هي أقدم دليل مادي على وجود فن الفسيفساء.

وفي هذا الوقت، كانت الفسيفساء تًصنع من الأقلام أو المسامير ذات الرؤوس الدائرية الملونة التي تغرس في جدران الطوب صانعة أشكال زخرفية وفنية اقتبسها الفرس واستخدموها في عمارتهم، مثل قصر دارا الفارسي، ثم استخدم البابليون الطابوق المزجج حتى وصلت هذه الصناعة إلى درجة عالية من الجودة والإتقان في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد في جميع أنحاء العصر الهلنستي.

وعُثر في شمال اليونان على أقدم فسيفساء في مدينة "أولينثوس المقدونية" والتي تعود بتاريخها إلى القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، تحديدًا عام 348 قبل الميلاد، وعُثر أيضًا على أدلة لفن الفسيفساء في أوليمبيا وسوريا ومقدونيا، حيث كانت تُرصف على المباني والمقابر بأشكال زخرفية وخرافية، بجانب نماذج الحوريات العارية ذات ألوان الأبيض والأسود، ويُذكر أنه عُثر على لوحات فسيفساء تعود للقرن الأول قبل الميلاد في الإسكندرية وهي محفوظة حاليًا في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية.

وبعد ذلك، ظهرت الفسيفساء الرومانية وانتشرت في جميع أرجاء الإمبراطورية الرومانية الغربية وفي حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا وفرنسا فيما بين القرنين الأول والثالث الميلادي، وأقدم دليل مادي على الفسيفساء الرومانية هي جدارية أحد أساسات إحدى الحدائق في مدينة بومباي، والتي عُثر عليها في القرن الأول الميلادي، بالإضافة إلى جدران الكنائس وأرضياتها وأقواس النصر.

وفيما بعد، شاع فن الفسيفساء وانتشر استعماله، ولا سيما في الدولة البيزنطية حيث أصبح أحد أهم الفنون التي تحاكي فن العمارة في الكنائس البيزنطية، فقد غطّت الفسيفساء جدران تلك الكنائس وأرضياتها وقبابها وعُثر على العديد من النماذج لها في بلاد الشام وروما وغيرها من الأراضي التي كانت تابعة لنفوذ الدولة البيزنطية، واستمرّ هذا الفن حتى قيام الدولة الإسلامية حيث اقتبس الفنانون المسلمون هذا الفن واستخدموه في زخرفة المساجد والقصور وتزيينها، ولا سيما في عصر الدولة الأموية.

أنواع فن الفسيفساء

ينقسم فن الفسيفساء إلى عدة أنواع استنادًا إلى المواد المُستخدمة في صناعته وتشكيله ومكان استخدامه كما يلي:

  • الفسيفساء التقليدية أو الكلاسيكية، وهي المُصنعة باستخدام الحصى والأحجار مثل تلك المُستخدمة في بلاد الشام قديمًا والتي كان يغلب عليها اللونين الذهبي والأزرق.
  • فسيفساء مًصنعة باستخدام الأوتاد الخزفية، وهي المُستخدمة قديمًا في بلاد الرافدين حيث ضُغطت الأوتاد الخزفية على الجدران لتقويتها، واستُخدمت الفسيفساء لتزيين الأقنعة والأسلحة.
  • فسيفساء مُصنعة من بلاط السيراميك والزجاج وتُقطع يدويًا مثل تلك المُستخدمة في الفترة الإغريقية واليونانية.
  • الفسيفساء الصناعية والتي اكتسبت اسمها من تقطيع البلاط الخاص باستخدام أدوات التقطيع الصناعية، وهي الفسيفساء الحديثة المُستخدمة في الوقت الحالي للزخرفة والتزيين.

تصنيع الفسيفساء

يقوم فن الفسيفساء على الوحدة التشكيلية الظاهرة (البساط) التي تتكون من اللون والخط، أي، الأرض المبنية من المكعبات الصغيرة الملونة، وتكون المكعبات إما من الحصى أو الأحجار أو الرخام أو الفخار أو الجرانيت أو الزجاج أو الصدف، ولها أشكال حركية تشكل زخرفة هندسية أو نباتية أو إنسانية أو حيوانية، وتُستخدم مواد أخرى لتصنيع الفسيفساء مثل الأحجار الكريمة كالعقيق واللازورد واللؤلؤ، بالإضافة إلى المواد المتلاشية مثل ريش الطيور أو العظام أو بذور الفاكهة.

وتأتي خطوات تصنيع الفسيفساء كما يلي:

  1. رسم الصورة أو الموضوع المراد تنفيذه بالفسيفساء على قطعة من الورق بالحجم المرغوب ولكن بشكلٍ معكوس
  2. تجزئة كل مساحة لونية من الرسم إلى أقسام صغيرة بعدد أقسام القطع الصغيرة المراد رصفها
  3. وضع المكعبات الملونة حسب الرسم؛ تحتاج هذه العملية إلى صقل بعض القطع أو تصغيرها حسب الحاجة ثم لصقها
  4. حصر الرسم ضمن إطار خشبي أو حديدي على أن تكون الورقة في الأسفل
  5. تجهيز الأسمنت والرمل الناعم بالماء ثم سكبهم فوق قطع الفسيفساء ضمن الإطار وتركه ليجف، ثم يقلب الإطار بما فيه وتُدعك الورقة التي عليها الرسم وتبلل باستخدام إسفنجة مبللة لانتزاعها والحصول على اللوحة الفسيفسائية

أشهر أعمال الفسيفساء

  • توجد العديد من أعمال الفسيفساء الشهيرة حول العالم ومنها ما يلي:
  • فسيفساء متحف شهبا في حلب، قرب حمامات الشهبا، وهو أسطورة يونانية غاية في الجمال
  • فسيفساء قبة الصخرة المشرفة التي زينت في العصر الأموي في القدس، فلسطين
  • فسيفساء أم الرصاص التي تعود إلى العصر الأموي في الأردن
  • فسيفساء قصر هشام في مدينة أريحا، فلسطين
  • فسيفساء لوحة الموسيقار الأسطوري وتالاسا والأمزونات والعشاء الأخير والفصول الأربعة وآلهة الكرامة

ما هي أكبر لوحة فسيفساء في العالم؟

توجد العديد من لوحات الفسيفساء حول العالم، وترتبط هذه اللوحات –في الغالب- بالحضارات المختلفة، لكن عندما يأتي ذكر أكبر لوحة فسيفساء في العالم، ستتجه الأنظار إلى فلسطين، وتحديدًا أريحا، حيث قصر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، إذ يضمّ القصر أكبر لوحة فسيفساء متصلة في العالم والتي تصل مساحتها إلى 826 مترًا مربعًا وتتكون من 38 لوحة صغيرة متصلة مع بعضها البعض وبها ما يقارب 21 لونًا، وتقع اللوحة في حمام القصر وسُميت لاحقًا باسم لوحة الحياة وذلك بسبب الرسومات التي تعبر عن حياة الحرب والسلام، إذ تتكون من شجرة وأسد يلتهم غزالًا من اليسار، وغزالين يعيشان بسلام من اليمين، بالإضافة إلى الأعمدة والزخارف ذات الطابع الإسلامي التي تحيطها.

وأخيرًا، يقف فن الفسيفساء حتى اليوم شاهدًا على الحضارات المختلفة وتنوع فنونها ونهضتها، بالإضافة إلى اتصال الحضارات قديمًا ببعضها البعض وتناقلها الفنون المتنوعة فيما بينها.