كانت الحضارة الفرعونية من أعظم الحضارات في عالم البحر الأبيض المتوسط وأشهرها واستمرت لما يقارب 30 قرنًا منذ حوالي عام 3100 ق.م وحتى عام 332 ق.م، وحققت خلال تلك الفترة العديد من الإنجازات في مختلف المجالات إذ بنت الأهرامات وقادت الفتوحات العسكرية للملكة الحديثة وانبثق عنها عدة فنون وأوجه ثقافية ودينية وشكلت أهم مجالات الدراسة الحيوية التي يتبعها اليوم العديد من المجالات البحثية التي من أهمها علم المصريات.
تاريخ الحضارة الفرعونية
تطورت الحضارة الفرعونية عبر مراحل تاريخية عدة وفيما يأتي ذكرها وأبرز تفاصيلها:
فترة ما قبل الأسرات (5000-3100 ق.م)
تطورت الحضارة الفرعونية بشكل تدريجي خلال الألفي عام التي سبقت فترة الأسرات، إذ تم العثور على القليل من السجلات أو القطع الأثرية التي تشير لنشوء الحضارة الفرعونية المصرية، وخلال هذه الفترة تبادلت المجتمعات المصرية خلال العصر الحجري الحديث الإنجازات مثل الزراعة والفنون والحرف اليدوية والسياسية والدين وآمنوا بالحياة بعد الموت وعظموا مواتهم، وعززت هذه الثقافة نشوء الأهرامات والمعابد وغيرها من الآثار ضمن الحضارة المصرية الفرعونية لاحقًا.
وبحلول عام 3400 أنشِئت أول ممكلتين منفصلتين بالقرب من الهلال الخصيب، موطن بعض أقدم الحضارات في العالم، وخلال هذه الفترة حاول الملك الجنوبي عقرب الأول غزو الممكلة الشمالية، وبعد مرور قرن ساعد الملك مينا (حاكم المملكة الشمالية) على توحيد البلاد وبدأت فترة حكم الأسرات.
العصر القديم - الأسرات المبكرة (3100-3686 ق.م)
أسس الملك مينا عاصمة مصر القديمة، ممفيس، في الشمال بالقرب من قمة دلتا نهر النيل، والتي أصبحت لاحقًا أحد أبرز المدن التي فرضت سيطرتها على المجتمع المصري، وتطورت خلال هذه الفترة أيدولوجية الملكية، فكان الملك ذو أهمية بالغة وصلت لتشبيهه بالآلهة، وكان المجتمع المصري آنذاك معتمدًا على الزراعة، وبدأ معها حكم الفراعنة.
المملكة القديمة - عصر بناة الهرم (2686-2181 ق.م)
بحلول عام 2630 ق.م تأسست الدولة القديمة مع السلالة الفرعونية الثالثة وشهدت هذه الفترة ازدهارًا غير مسبوق في العمارة والتصميم وبرز إمحوتب من أبرز مهندسي تلك الحقبة الزمنية، الذي صمم أول مبنى حجري في العالم وهو الهرم المدرج في سقارة أو هرم زوسر بالقرب من ممفيس، وشهدت الجيزة أوج ازدهار عمارة الأهرامات.
وشهدت مصر خلال فترة حكم الأسرتين الثالثة والرابعة ازدهارًا ذهبيًا حيث تم الاحتفاظ بالسلطة وأسست حكومات مركزية مستقرة وقلت التهديدات الخارجية وحُققت العديد من الحملات العسكرية الناجحة في النوبة وليبيا، وخلال فترة حكم الأسرتين الخامسة والسادسة انتشرت العمارة الفرعونية بشكل كبير إذ استنفذت أموال الملوك لارتفاع تكلفة بناء الأهرامات مما أدى إلى تعثر السلطة، وبوفاة ملك الأسرة السادسة بيبي الثاني انتهت فترة المملكة القديمة وكانت مصر تعاني حالة من الفوضى.
الفترة الانتقالية الأولى (2181-2055 ق.م)
بعد انهيار المملكة القديمة تأسست الأسرتين السابعة والثامنة التي نشأت بينهما حروب أهلية رافقتها ظروف عده أهمها حالة الفوضى وانتشار الأمراض وحدوث المجاعة، ونشأت من هذه الصراعات سلالة من 17 حاكم (الأسرات التاسعة والعاشرة) حكمت مصر بين ممفس وطيبة، وبحلول عام 2055 تمكن أمير طيبة من توحيد مصر من جديد مما بشر ببداية حكم الأسرة الحادية عشر وانتهاء الفترة الانتقالية الأولى.
المملكة الوسطى - الأسرة الثانية عشر (2055-1786 ق.م)
برزت طيبة خلال هذه الفترة ضمن أهم المراكز الدينية للحضارة الفرعونية وشهدت مصر حركة من الإحياء والانتعاش والازدهار مجددًا، وأهم ما يميز هذه المرحلة أن الحكم واستلام السلطة من ملك إلى آخر خضعا لسلسلة وتتابع معينين إذ برزت الوصاية على العرش وهي العادة التي بدأت مع أمنمحات.
الفترة الانتقالية الثانية (1786-1567 ق.م)
مع حكم الأسرة الثالثة عشر بدأت فترة من عدم الاستقرار والفوضى في التاريخ المصري حيث فشلت الحكومة آنذاك في توطيد سلطتها مما أدى إلى تقسيم مصر إلى عدة مناطق ونفوذ، ويشار إلى أن الأسرة الرابعة عشر تزامنت في الحكم مع الأسرة الثالثة عشر، وتم استغلال هذه الحالة من قبل الأسرة الخامسة عشر التي حكمت بالتزامن مع الأسرة السابعة عشر، ويعتقد أن الأسرة السادسة عشر هي حكام طيبة، وانتهت هذه الفترة بالحرب بين حكام طيبة والهكسوس وطرد الأخيرين من أراضي مصر.
المملكة الجديدة (1567-1085 ق.م)
مع تأسيس الأسرة الثامنة عشر تم توحيد مصر مرة أخرى وتمت استعادة السيطرة على النوبة وبدأت الحملات العسكرية في مصر، وتم تأسيس أول إمبراطورية عظيمة في العالم امتدت من النوبة إلى نهر الفرات في آسيا، وتميزت المملكة الحديثة آنذاك بدور المرأة البارز في الحكم ومن أشهر ملكات هذه الفترة الملكة حتشبسوت، وتم بناء عاصمة جديدة في مصر الوسطى سميت أخيتاتون التي عرفت لاحقًا باسم تل العمارنة.
وأعادت الأسرتان التاسعة عشر والعشرون (عصر الرعامسة) لمصر قوتها وشهدت ازدهارًا في المعابد والمدن العظيمة، ويذكر أن جميع حُكام هذه الفترة دفنوا في مقابر عميقة وليس في أهرامات باستثناء أخناتون الذي دُفن في وادي الملوك، وهو أحد مواقع الدفن الواقع على ضفة نهر النيل الغربية والذي دُمر في معظمه باستثناء مقبرة توت عنخ آمون.
الفترة الانتقالية الثالثة (1085-664 ق.م)
امتدت المرحلة الانتقالية الرابعة لمدة 300 عام وشهدت العديد من التغيرات السياسية والمجتمعية والثقافية، إذ أفسحت حكومة الأسرة الواحدة والعشرين المجال لظهور المسؤولين المحليين بينما استولى الأجانب على النوبة وليبيا، ولاحقًا تأسست الأسرة الثانية والعشرون، ومن جانب آخر افتقدت العديد من المصادر الأحداث التاريخية المهمة لفترة حكم الأسرة الثالثة والعشرين والأسرة الرابعة والعشرين.
الفترات المتأخرة وحتى غزو الإسكندر الأكبر (664-332 ق.م)
خضعت مصر خلال هذه الفترة إلى الحكم الفارسي إلى أن استقلت من جديد وأسست سلالات الحكم الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين والثلاثين ما بعد عام 404 ق.م، إلا أن هجمات الفرس لم تتوقف وأعادوا إحياء إمبراطوريتهم من جديد عام 343 ق.م وبعد مضي حوالي 10 سنوات هزمت القوات الرومانية الفرس وغزت مصر بقيادة الإسكندر الأكبر وحُكمت مصر لاحقًا من قبل الحكام المقدونيين، وانتهى بذلك حكم الفراعنة وانتهت الحضارة المصرية القديمة.
أبرز إنجازات الحضارة الفرعونية
حققت الحضارة الفرعونية العديد من الإنجازات في مختلف المجالات وفيما يأتي ذكر أهمها وأبرزها:
- العمارة والعمران
شيدت الحضارة الفرعونية العديد من المعالم المعمارية الباقية حتى يومنا هذا التي من أهمها الأهرامات والمعابد والمقابر، ومن أهم المعالم المعمارية المصرية الفرعونية هرم زوسر المدرج وأهرامات الجيزة والمسلات، ويشار إلى أن الفراعنة استخدموا قديمًا في المجال المعماري طوب اللبن المجفف الذي وفر الحماية الجيدة وتم تغيير شكل البناء من الدائري إلى المربع.
- الزراعة
أنشات الحضارة الفرعونية النظم الزراعية التي ساعدت على جعلها من أهم الحضارات الزراعية إذ استخدم الفراعنة قديمًا الأحواض المائية الكبيرة وأنظمة الري المرتبطة بالأحواض المائية وطوروا أحد المقايس التي تكشف عن نسبة فيضان النيل.
- الطب
اشتهرت الحضارة الفرعونية في المجال الطبي وخاصة في التشريح والعلاجات الطبيعة وعلاج الأسنان وعالجوا الأمراض النسائية والأمراض الباطنية مثل الجهاز الهضمي والبولي، وحققوا العديد من الإنجازات في اكتشاف الأمراض وتشخيصها وتمكنوا من تشخيص اعتلال البنكرياس والأورام السرطانية، واعتمدوا على الأعشاب في صناعة الأدوية واستفادوا من الحيوانات وصنعوا العديد من المواد العلاجية.
ومن ناحية أخرى اشتهر الفراعنة في مجال التحنيط، وكانوا على علم ومعرفة بكيفية عمل جسم الإنسان، وشخصوا بعض الأمراض العقلية النفسية كالإكتئاب، وقدموا العديد من الوصفات الوقائية للحفاظ على البشرة والعيون وغيرها.
- الإنجاز العلمي
تشير العديد من المخطوطات إلى أن الفراعنة برعوا في مجال الرياضيات والهندسة، ويعتقد أنهم أسسوا طرقًا للقسمة وحل العديد من المشكلات الحسابية والهندسية، واستخدموا هذا العلم في حساب مساحات الأهرامات والحقول، واستخدموها في قياس نصيب الفرد من توزيع القمح أو الخبز.
- الإنجاز اللغوي
برزت الحضارة الفرعونية في مجال الإنجاز اللغوي إذ اخترعت الكتابة الهيروغليفية التي كُتبت أولًا على الصخور ثم على ورق البردي مع تطور الكتابة، وشكلت الأساس للكتابة الكهنوتية المشتقة من الهيروغليفية.