مملكة شلا هي واحدة من ثلاث ممالك كورية تعرف باسم "ممالك كوريا الثلاث" -وهم مملكة شلا وغوغوريو وبايكتشي- والتي قامت منذ عام 57 قبل الميلاد وامتدت حتى عام 935م، وبهذا تكون أطول السلالات حكمًا، وتأسست مملكة شلا على يد الملك بارك هيوكغوسي، إلا أنها على الرغم من ذلك كانت تحت حكم عشيرة تعرف باسم "غيونغجو كم" لفترة طويلة من تاريخ وجودها، وبدأت المملكة في البداية مشيخة تتبع كونفدراليات سامهان، لكن بتحالفها في وقت لاحق مع الصين، تمكنت من السيطرة على مملكتي كوريا الأخرتين (غوغوريو وبايكتشي)، فضمت مملكة بايكتشي عام 660م ومملكة غورغوريو عام 668م، ومنذ هذا الوقت بدأت فترة تعرف باسم مملكة شلا الموحدة أو شلا الأخيرة، والتي سيطرت فيها المملكة على معظم أراضي شبه جزيرة كوريا، بينما كان الجزء الشمالي تابع لمملكة بالهاي التي قامت بعد مملكة غوغوريو، وبحلول عام 935م -بعد مدة قاربت الألف عام- انقسمت مملكة شلا للممالك الثلاث الأخيرة لتصبح السلطة في يد سلالة غوريو أو كوريو التي حكمت بعدها.
تاريخ مملكة شلا
قام المؤرخون بتقسيم تاريخ مملكة شلا إلى ثلاث فترات أساسية، هم: الفترة المبكرة التي تمتد منذ النشأة عام 57 قبل الميلاد حتى عام 654م، والفترة الوسطى التي تمتد منذ عام 654م حتى عام 780م، والفترة الأخيرة التي تمتد منذ عام 780م حتى سقوط المملكة عام 935م.
الفترة المبكرة في مملكة شلا
يقول التاريخ الكوري إن مؤسس مملكة شلا هو الملك بارك هيوكغوسي، الذي أسسها عام 57 قبل الميلاد في منطقة قريبة من مدينة غيونغجو الحالية، وتقول الأسطورة الكورية إن الملك هيوكغوسي جاء للوجود نتيجة الفقس من بيضة خرجت من حصان لونه أبيض، وحين أصبح في الثالثة عشر من العمر استسلمت العشائر الست التي كانت تشكل دولة شلا -والتي كانت تعرف في هذا الوقت باسم دولة سارو– له، وكانت شلا أو سارو في هذا الوقت تتكون من ست عشائر وست قرى، وقامت هذه العشائر الست بتعيين الملك هيوكغوسي ملكًا لشلا، والذي تعود أصول أسلافه إلى عشائر بارك (وهي أحد أشهر الألقاب العائلية في كوريا الآن).
وبحلول القرن الثاني أصبحت مملكة شلا تأخذ شكل الدولة وترسم حدودها الواضحة التي تميزها عن باقي الدول في منطقة جنوب شبه الجزيرة الكورية، وتوسعت شلا وبسطت نفوذها على الأراضي الخاصة بالدولة المجاورة، لكنها طوال هذا الوقت لم تكن إلا دولة مدينة قوية تابعة للكونفدرالية، وبحلول عام 250م قامت بايكتشي بإنشاء حكومة مركزية ملكية في الغرب بعد أن نجحت في السيطرة على كونفدرالية ماهان، بينما استطاعت كونفدرالية غايا في الجنوب الغربي السيطرة على بيونهان، وقامت غوغوريو التي ظهرت منذ عام 50 قبل الميلاد في شمال كوريا بهزيمة آخر المقاطعات الصينية العسكرية عام 313م، وتوسعت لتصبح دولة قوية صاحبة تهديد إقليمي ونفوذ كبير.
وبحلول الفترة بين عامي 356م و402م قام الملك رايمل من عشيرة كم بإنشاء مملكة وراثية، وبهذا ألغى نظام تقسيم السلطة المتناوب، وبحلول عام 377م أرسل الملك مبعوثية للصين وكون علاقات قوية مع غوغوريو، فنشأ تحالف قوي بين شلا وغوغوريو بسبب ضغط بايكتشي من الغرب واليابان من الجنوب في القرن الرابع، لكن بحلول عام 427م في فترة حكم الملك رلجي تحالفت شلا مع بايكتشي بسبب رغبة غوغوريو في توسيع أراضيها ناحية الجنوب ونقل عاصمتها إلى بيونغيانغ، وبحلول الفترة بين عامي 514م و540م في فترة حكم الملك بوبهنغ، أصبحت شلا مملكة ذات استقلال تام وأقرت الديانة البوذية دينًا رسميًا لها، واستولت على أراضي كونفدرالية غايا إثر حروبها معها، فاحتلت غمغوان غايا عام 532م ثم داي غايا عام 562م، وبهذا نجحت في توسيع أراضيها لتشمل حوض نهر ناكدونغ.
وبوصول الملك جنهنغ للحكم في الفترة بين 540م حتى 576م، أنشأ قوة عسكرية كبيرة أطلق عليها اسم هوارانغ، وساعدت شلا في هذه الفترة بايكتشي لطرد غوغوريو من منطقة نهر الهان (التي تعرف الآن باسم سيئول أو سول)، وسيطرت شلا على كامل المنطقة الاستراتيجية، وبحلول عام 654م انتهت الفترة المبكرة من مملكة شلا بانتهاء أفراد رتبة سونغول أو العظم المقدس وزوالهم، وذلك بوفاة الملكة جندوك.
الفترة الوسطى في مملكة شلا
بحلول القرن السابع تحالفت مملكة شلا مع سلالة تانغ في الصين، حيث استطاعت شلا عام 660م بقيادة الملك ميول هزيمة بايكتشي وضمها لملكها، وبحلول عام 668م استطاعت مملكة شلا على يد الملك منمو، الذي جلس على العرش بعد الملك ميول، مع الجنرال كم يو شن من احتلال غوغوريو في الشمال، ثم استمرت شلا لمدة 10 سنوات في محاولة لطرد القوات الصينية من شبه جزيرة كوريا، بعد أن أرادت الصين إنشاء مقاطعات صينية في كوريا، وبعد نجاح شلا في طردهم أسست مملكة موحدة امتدت حتى شمال منطقة بيونغيانغ.
وقام ملوك الفترة الوسطى لشلا بعملية تطهير للأسر القوية والأرستقراطية أعداء السلطة المركزية، وبذل النظام الملكي جهود كبيرة استمرت لمدة قرن من الزمان (منذ أواخر القرن السابع حتى أواخر القرن الثامن الميلادي) في تجريد الأرستقراطيين من كامل أراضيهم، من خلال تأسيس أنظمة دفع الرواتب التي عرفت باسم (مكتب الأراضي أو جكجون)، خلفًا عن النظام القديم الذي كان يعطي الأراضي للأرستقراطيين بدلًا من الرواتب، وهو نظام كان يعرف باسم (ضرائب القرى أو نوغب).
لكن بحلول نهاية القرن الثامن لم تستطع المحاولات الملكية إضعاف قوة الأرستقراطية وسيطرتها التي كانت مترسخة في البلاد، وتسببت الثورات التي قامت منذ منتصف هذا القرن حتى نهايته بإضعاف السلطة الملكية والحد من قوتها، وكان هذا الضغط والتمرد سببًا في إلغاء نظام مكتب الأراضي والعودة للنظام القديم الخاص بضرائب القرى عام 757م، وبحلول عام 780م انتهت الفترة الوسطى لمملكة شلا، وذلك باغتيال الملك هيغونغ الذي بوفاته انتهت خلافة نسل الملك ميول، وتسببت عملية الاغتيال الدموية هذه في قيام حرب أهلية بين العائلات النبيلة في المملكة، ومنذ هذا الوقت حتى سقوط مملكة شلا أصبح الملك مجرد صورة ورمزية، بينما كان الحكم والسيطرة في يد الأسر الأرستقراطية التي أصبحت أقوى وأكثر استقلالًا.
الفترة الأخيرة في مملكة شلا
انتقلت السلطة منذ عام 785 حتى عام 798م لأسرة الملك وونسونغ، وعانت المملكة في هذه الفترة من نشوب الكثير من الحروب الأهلية والثورات التي استمرت حتى سقوطها، والسبب في ذلك هو فقدان الملك لهيبته وقوته ليصبح مجرد صورة أو دمية يحركها الأرستقراطيون، الذين سيطروا على البلاط الملكي والعاصمة وغيرها من المناطق في المملكة، وعرفت الفترة الأخيرة هذه باسم "الممالك الثلاث الأخيرة"، إذ إنها شهدت نشأة غوغوريو الأخيرة وبايكتشي الأخيرة لوقت قصير.
وفي عام 935م لم تستطع شلا الصمود واستسلمت إلى مملكة غوريو التي تأسست منذ عام 918م على يد الإمبراطور تايجو، وهي السلالة التي وحدت ممالك كوريا الثلاث الأخيرة (شلا وغوغوريو وبايكتشي) عام 936م، وحكمت منطقة شبه جزيرة كوريا حتى عام 1392م حينما هزمت على يد قائد سلالة جوسون، وعلى هذا يمكننا أن نقول إن مملكة شلا بدأت في الضعف والانهيار منذ أواخر القرن التاسع الميلادي، حيث تسبب ضعف الملوك وكثرة اللصوص وقيام العديد من الاضطرابات والثورات في سقوط مملكة شلا لاحقًا.