شريعة حمورابي هي واحدة من أبرز القوانين المدونة في التاريخ البشري وأقدمها، سنّها الملك حمورابي في بلاد ما بين النهرين (العراق حاليًا)، وعالجت هذه القوانين كافة مشكلات الحياة، حيث حددت الحقوق والواجبات لجميع أفراد المجتمع ووضعت قوانين صارمة لعقاب من يعتدي على الغير.

من هو حمورابي؟

حمورابي هو الملك السادس في الأسرة البابلية، التي حكمت وسط بلاد ما بين النهرين في الفترة ما بين 1894-1595  قبل الميلاد، وتعود أصول عائلته إلى الأموريين، وهي قبيلة بدوية تنحدر من غرب سوريا، أما اسمه فهو مركّب من عدة ثقافات: "حمو" يعني العائلة في اللغة الأمورية و"رابي" يعني عظيم في اللغة الأكادية ببابل، وحكم حمورابي بابل من 1750-1792 قبل الميلاد، وبحلول السنة الثلاثين من حكمه للبلاد بدأ بتوسيع حدود مملكته من كافة الجهات، وأطاح بممالك إشونا ولارسا وآشور، حتى أصبحت كامل أراضي ما بين النهرين تحت حكمه، وبالتزامن مع إنجازاته السياسية والعسكرية أخذ الملك العظيم بتطوير مملكته من شتى النواحي المادية، فأنشأ مشاريع الري وأمر بتشييد التحصينات والمعابد وغيرها من المباني العامة والبُنى التحتية، وبعد ذلك رأى أنّه يجب أن تكون هناك قوانين مُنظّمة لشؤون مملكته وشعبه، ومن هنا جاء سن شريعة حمورابي الضابطة لكافة القضايا المجتمعية والسياسية في المملكة البابلية.

ما هي شريعة حمورابي؟

شريعة حمورابي هي سلسلة من التشريعات التي تطرقت إلى مجموعة واسعة من القضايا والموضوعات مثل العبودية والديون والزواج والميراث واللوائح التجارية، ونُقشت مجموعة القوانين التي سنّها الملك حمورابي على مسلّة كبيرة من حجر الديوريت الأسود، يبلغ وزنه نحو أربعة أطنان وطوله 225 سم وقطره 60 سم، وهو حجر صلب من الصعب جدًا النحت عليه، ويوجد في الجزء العلوي من الحجر نقش بارز يمثّل الملك حمورابي وهو واقف يتلو القوانين، أما باقي الحجر فتمّت تغطيته بالكامل بأعمدة من الكتابة المسمارية المنحوتة التي تدوّن نص شريعة حمورابي، والتي تعد إرساء للمبادئ القانونية لحفظ الحقوق والكرامة الإنسانية بشكل لم يُعهد من قبل، ويظهر من خلالها مدى عدل حمورابي وتقواه، الذي يعد أول من سنّ مبدأ "العين بالعين" أو ما تُعرف بقوانين القصاص، وتبلغ جميع نصوص شريعة حمورابي 282 مادة، تتراوح ما بين قوانين الأسرة إلى القوانين الإدارية والعقود المهنية، وتُحدّد معايير العدالة لطبقات المجتمع البابلي الثلاث: الطبقة الحاكمة والمُحرَّرون والعبيد.

مبادئ شريعة حمورابي

استُخدمت نصوص شريعة حمورابي لإدارة مملكة بابل الواقعة تحت حكم الملك العادل حمورابي لضمان إرساء العدالة بين أفراد المجتمع وحفظ حقوق الأشخاص الضعفاء، ونُقشت النصوص ليفهم جميع السكان التزاماتهم القانونية التي وُضع جزء منها بحزم لمعاقبة كل من يخالف ما ورد فيها، حيث قدّمت شريعة حمورابي أحكام قاسية لكل من الطبقة العليا وأفراد الشعب، أما العبيد الذين يخرقون القانون فإنّ عقوباتهم تكون أكثر شدة لأنهم كانوا يُعاملون على أنهم أقل شأنًا من غيرهم، ومن الأمثلة على قوانين حمورابي أنّ من يجرؤ على نهب المواطنين وترويعهم يُحكم عليه بالإعدام، بجانب أنّ هناك قانون يدين بشدة عصيان الأبناء لآبائهم، ويُحكم على الشاب غير البار بوالده بقطع يديه، أما العبد الذي لا يتحدث باحترام مع سيده فيحكم عليه القانون بقطع إحدى أذنيه، وحددت شريعة حمورابي قوانين استئجار الأراضي، فمن استأجر  أرضًا فعليه تحمّل جميع الالتزامات المطلوبة، وفي حال تعرض محصوله لأي أضرار طبيعية أو غيرها فلا يتحمّل مالك الأرض أي مسؤولية مترتبة على ذلك، أما فيما يتعلق بالزواج والطلاق أعطت الشريعة الحق للمرأة الانفصال عن زوجها إذا هجرها مع احتفاظها بكافة حقوقها، أما إذا كانت المرأة مقصّرة في واجباتها الزوجية فستُجبر على العودة لمنزل والدها، إضافة إلى فرض عقوبات قد تصل إلى الإعدام خنقًا بحق الزوجات غير المخلصات لأزواجهن، وقُسّمت شريعة حمورابي إلى اثني عشر قسمًا.

أقسام شريعة حمورابي الاثني عشر

صُنّفت شريعة حمورابي إلى اثني عشر قسمًا وفقًا للقوانين الرومانية القديمة، وهي على النحو الآتي:

  • المادة الأولى

منح القسم الأول للمحكمة السلطة المُطلقة، حيث يجب على أي فرد في المجتمع الامتثال لاستدعاء المحكمة، وفي حال توانى عن ذلك فسيتم تقديمه أمامها قسرًا، مع وجود سلطة قضائية عليا تتولى إصدار القرارات والأحكام النهائية.

  • المادة الثانية

حدّد القسم الثاني العقوبات على الجرائم المختلفة، فمثلًا يتم تنفيذ حكم الجَلد على المقيم الحر المسؤول عن القيام بالسرقة، مع إرجاع المسروقات لمالكها أو تعويضه عنها، أمّا العبد السارق فيُحكم عليه بالإعدام.

  • المادة الثالثة

وضع هذا القسم عقوبة للشخص المتهم بالمشاركة في المظاهرات، وهي دفع مبلغ معين من المال، يجب عليه سداده قبل انقضاء ثلاثين يومًا، وما عدا ذلك سيضطر للقيام بعمل مجاني لمدة ستين يوم أو يصبح عبدًا.

  • المادة الرابعة

منحت هذه المادة للأب حق بيع أطفاله عبيدًا، ومنحته أيضًا حق قتل أطفاله الصغار الذين ولدوا بعاهة خَلقية، كذلك أُعطي الأب حق السيطرة المُطلقة على العائلة.

  • المادة الخامسة

أعطت هذه المادة من شريعة حمورابي الرجل حق الولاية على الإناث بغض النظر عن سنهن، إضافة إلى تنظيم مسائل الإرث وكيفية تقسيمه بين الأصول.

  • المادة السادسة

ألزمت هذه المادة البائع والمشتري بتسجيل عقد الاتفاق بشكل قانوني قبل تبادل أي أراضي، بحيث يلتزم كل طرف ببنود العقد المبرم، ومُنحت المرأة حق تولي مسؤولية ممتلكات زوجها بعد وفاته في حال مضى على زواجهما أكثر من عام واحد.

  • المادة السابعة

نظّمت هذه المادة قوانين الملكية، فمثلًا أمر القانون مالك الأرض الذي يرغب ببناء أي منشأة أو مبنى أنْ يترك مسافة ارتدادية بقدر عدة أمتار عن الشارع.

  • المادة الثامنة

يُمنع بموجب هذه المادة إصدار أي عبارات مهينة تدل على معاداة نظام الحكم، ومن تثبت عليه مثل هذه التهم فيحكم عليه بالإعدام ضربًا بالهراوات.

  • المادة التاسعة

بموجب هذه المادة يُحظر عقد أي تجمّعات سكانية مناهضة للدولة، ومن يخالف ذلك يُحكم عليه بالإعدام.

  • المادة العاشرة

وفقًا لهذه المادة، يجب تطبيق القوانين على جميع المقيمين على أراضي المملكة، ويُحكم بالإعدام على أي قاضٍ يمكن أن يقبل رشوة أو يُحابي أي شخص في تنفيذ القانون.

  • المادة الحادية عشر

تصبح القوانين الأساسية السابقة قيد التنفيذ بعد تأييدها من قِبل جميع السكان من خلال الإدلاء بأصواتهم.

  • المادة الثانية عشر

حددت هذه المادة حقوق الرقيق وواجباتهم، فكما على العبد واجبات مفروضة، على المالك الالتزام بحقوق العبيد الذين يمتلكهم.

5 حقائق حول شريعة حمورابي

من أبرز الحقائق حول شريعة حمورابي المدونة ما يلي:

  • شريعة حمورابي ليست أقدم القوانين المعروفة

يُنظر غالبًا لشريعة حمورابي على أنها أقدم القوانين المكتوبة المدوّنة، ولكن في الحقيقة سبقتها مدونتان قديمتان على الأقل، الأولى أصدرها الحاكم السومري أورنامو لمدينة أور وثانيهما هو القانون السومري للملك لبث عشتار، وتحمل هذه القوانين تشابه كبير مع شريعة حمورابي من حيث محتواها وأسلوبها.

  • تتضمن شريعة حمورابي قوانين غريبة ومخيفة

تبنت شريعة حمورابي مبدأ العدالة الانتقامية، فمثلًا إذا كسر رجل عظم رجل آخر فإنّ عقوبة المعتدي هي فعل كما فعل تمامًا، أما أشكال الإعدام فطرقه مروعة وفريدة من نوعها، فمثلًا عقوبة سفاح القربى الحرق حتى الموت، أمّا إذا تآمر زوج عاشق لقتل زوجته فعقوبته الإعدام بالخازوق.

  • تباينت شريعة حمورابي وفقًا للطبقة الاجتماعية والجنس

تقف شدة العقوبة غالبًا على هوية المخالف والضحية، فمثلًا عقوبة المتهم من الطبقة العليا قد تكون الغرامة فقط، بينما تكون عقوبة الرقيق أشد بكثير، وإذا قتل رجل خادمة حامل فعقوبته دفع  غرامة فقط، أما إذا كانت المرأة الحامل حرة فعقوبة القاتل قتل ابنته.

  • حددت شريعة حمورابي حد أدنى للأجور

وضعت شريعة حمورابي حد أدنى لأجور العمال، مثل العمال الميدانيين والرعاة والأطباء والبحارة وغيرهم من المهنيين والحرفيين.

  • صمود شريعة حمورابي بعد سقوط بابل

بدأت مملكة بابل بالانهيار بعد وفاة حمورابي، حيث تمكن جيش الحثيين في نهاية المطاف من غزوها ونهب خيراتها، وبالرغم من ذلك بقي العمل بنصوص قوانين شريعة حمورابي كمرجع قانوني لعدة قرون في المنطقة، كونها كانت قوانين شاملة لكل نواحي الحياة.