سكنت أعداد كبيرة من الحضارات على سطح الكرة الأرضية منذ القدم، منها ما تمّ التعرف عليها ودراستها من قِبل علماء الآثار ومنها لم يستطع المختصون التوصل إلى معلومات واسعة عنها، وما بين هذا وذاك فإنّ الحضارات جميعها تشترك بالعديد من المقومات والعناصر والمكونات الأساسية.

ما هي الحضارة؟

الحضارة هي مجتمع بشري معقّد يتكون غالبًا من عدة مدن، وتحمل كل حضارة عوامل خاصة للتطور الثقافي والتكنولوجي، وتكونت الحضارات في أنحاء كثيرة من العالم؛ تكونت الحضارات المبكرة عندما بدأت أعداد الناس تزداد في بقعة جغرافية معينة، واستخدم علماء الأنثروبولوجيا وغيرهم من العلماء كلمة حضارة للإشارة إلى المجتمعات المتفوقة ثقافيًا.

ما هي مقومات الحضارة؟

حدد المؤرخون مقومات أساسية للحضارة، من أبرزها المقومات التالية:

المدن

نشأت الحضارات الأولى في وديان الأنهار، وهي مناطق تقع بين الجبال أو التلال، وتعلّم الإنسان الزراعة وطورها على نطاق واسع ليتمكن من توفير الطعام لأعداد كبيرة من الناس، وعندما أصبح الطعام متوفر وسهل الحصول عليه ازداد عدد الناس في المدينة، وظهرت أشكال معيشية جديدة إلى جانب الزراعة.

النظام السياسي

مع ازدياد أعداد الناس في المدينة أصبح من الضروري وجود نظام سياسي على رأسه حكومة مسؤولة للحفاظ على الأمن الغذائي والدفاع عن المدينة وتنظيم النشاط البشري للسكان وإدارة العلاقات بينهم، وكانت الحكومات في الحضارات المبكرة يرأسها ملك أو ملكة، أسسوا جيوش لحماية شعوبهم وأوجدوا قوانين لإدارة الشؤون الحياتية لرعاياهم.

الدين

طوّر الإنسان في الحضارات القديمة الدين لشرح العناصر الطبيعية من حوله ومعرفة دور كل منها في العالم، فظهرت طبقة رجال الدين وأصبحوا يمتلكون سلطة دينية مهمة، ومن خلال المعتقدات الدينية سعى الإنسان إلى مراقبة قوى الطبيعة من حوله ودراستها والاستفادة منها قدر الإمكان لتطوير حضارته.

التنظيم الاجتماعي

نشأ في الحضارات القديمة تنظيم اجتماعي قائم على القوة المالية، وهيمن من خلاله الحكام وأفراد الطبقة العليا والمسؤولون الحكوميون وطبقة رجال الدين على المجتمع، وتمتعت هذه الطبقة بحياة الرفاهية وامتلكت المجوهرات والقطع الثمينة الأخرى، والطبقة الثانية في المجتمع  كانت طبقة المزارعين والحرفيين والعمال عامةً، وهم من زرعوا الأرض وطوروا الحِرف مثل التعدين وغيره، وفي أسفل الهرم الاجتماعي تقع طبقة العبيد وهي الفئة المضطهدة من السكان التي يقع على عاتقها أداء المهمات الصعبة.

الكتابة

تُعدّ الكتابة من مقومات الحضارة المهمة، فمن خلالها استخدم الحكام ورجال الدين والتجار والحرفيون الكتابة لتدوين السجلات المهمة، ولم تستخدم كافة الحضارات الكتابة لحفظ السجلات، فمثلًا استخدمت حضارة الإنكا أشخاص ذوي ذاكرة قوية للاحتفاظ بشؤونهم المهمة، وفي نهاية الأمر بدأت الحضارات تستخدم الكتابة أيضًا للتعبير عن أعمالها الأدبية.

الفن

يُعدّ الفن من مقومات الحضارة الأساسية، وبنى المهندسون المعماريون الأهرامات والمعابد لتقديم القرابين ودفن الملوك والأشخاص المهمين الآخرين وكذلك للعبادة، وقام النحاتون والرسامون بتجسيد القصص والصور عن الآلهة والحكام.

عوامل انهيار الحضارة

وصلت كل الحضارات القديمة في نهاية المطاف إلى الانهيار المجتمعي، وبفضل الأدلة الأثرية والتحليل التاريخي، توصل العلماء إلى الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار الحضارات القديمة، ومن أبرزها ما يأتي:

تغير المناخ

تراجعت العديد من الحضارات القديمة مثل الإمبراطورية الكادية وحضارة وادي السند بسبب الجفاف الناتج عن التغيرات البيئية الشديدة، فنظرًا لأنّ الزراعة من أهم مقومات الحضارة فإنّ حدوث تغيير على أنماط المناخ يُعدّ كارثة تؤدي في النهاية إلى فشل زراعة المحاصيل، وبالتالي نقص الغذاء وانتشار المجاعات.

التدهور البيئي

يرتبط الإنسان ارتباط مباشر ببيئته المحيطة، وأي تغير سلبي يحدث على البيئة فإنّه يهدد المواد الطبيعية التي تحافظ على الحياة، ومن الأمثلة على ذلك حضارة المايا، حيث كانت من الحضارات الأكثر تطور في الأمريكتين، وبسبب حدوث ظروف بيئية كارثية وغامضة انهارت معظم مدن المايا، ويرجع بعض العلماء ذلك إلى إزالة الغابات وتآكل التربة.

الأمراض والأوبئة

أدى اقتراب البشر من الحيوانات وعدم الوعي بأهمية قواعد النظافة إلى ظهور الأمراض المعدية، ولكن في بعض الحالات تفشت الأمراض إلى أنْ تحولت إلى وباء قضى على بعض الحضارات، ومن الأمثلة على ذلك إدخال المستعمرين الإسبان مرض السالامونيا إلى الأمريكتين والتسبب في موت أعداد هائلة من السكان الأصليين.

الحروب والنزاعات

تؤدي النزاعات والحروب إلى موت أعداد كبيرة من السكان وإلى الوصول للانهيار الاقتصادي بسبب فقدان طرق التجارة وانعدام الأمن، وهذا من أسباب انهيار الحضارة، ومن الأمثلة على ذلك انهيار الحضارات المحلية لسكان الشرق الأوسط والصين وروسيا بسبب الحروب التي قادها جنكيز خان للتوسع الإقليمي خلال القرنين الثالث والرابع عشر.