علم الفلك (بالإنجليزية: Astronomy) هو أقدم العلوم المختصة بدراسة كل ما هو موجود خارج الغلاف الجوي للكرة الأرضية، بما في ذلك جميع الأجرام السماوية التي يمكن مشاهدتها بالعين المجردة مثل الشمس والنجوم والكواكب والقمر، إضافة للأشياء التي يمكن مشاهدتها بواسطة التلسكوب أو الأدوات الأخرى مثل المجرات والجسيمات الدقيقة، وهو العلم الذي يجيب عن الأسئلة حول الأشياء التي لا يمكن رؤيتها إطلاقًا مثل الطاقة المظلمة (أحد الأشكال الافتراضية للطاقة التي تملأ الفضاء) والمادة المظلمة (مادة افتراضية لتفسير كتلة الكون)، ويتضمن تطبيق المعرفة الفيزيائية والكيميائية لفهم طبيعية الأجرام السماوية والعمليات الفيزيائية المتحكمة بطبيعتها وتكوينها.
وكان علم الفلك يعتمد حتى القرن السابع عشر ميلادي على الملاحظة وتوقع مواقع الشمس والقمر والكواكب لأغراض التقويم والتنجيم، وما بعد القرن السابع عشر ميلادي تم اختراع التلسكوب واكتشاف قوانين الجاذبية والحركة مما أدى لتطور هذا العلم بشكل أكبر بحيث أصبح يضم المسافات بين الأجرام السماوية والنظام الشمسي والنجوم التي تشكل الدروب والتي من ضمنها مجرة درب التبانة وغيرها من المجرات البعيدة.
علم الفلك عبر الحضارات القديمة
تعود جذور علم الفلك إلى العصور القديمة حيث تمت ملاحظة الأجرام السماوية من قبل العديد من العلماء الذين ساهموا في تشكيل هذا العلم القائم بحد ذاته اليوم، وفيما يأتي ذكر أبرز الحضارات المساهمة في تطور علم الفلك عبر التاريخ:
الحضارة البابلية
تُعد الحضارة البابلية من أول الحضارات التي راقبت حركة الشمس والقمر ووثقتها وقسمت السماء إلى مناطق واحتفظت بسجلات مفصلة لهذه الحركة، إذ ضمت التفاصيل اليومية والشهرية والسنوية لها، ويشار إلى أن هذه المعلومات اكتسبت في أول الأمر قيمة صوفية واستخدمت لتحذير الملوك من الأحداث الكارثية المحتملة، وتقول العديد من المصادر التاريخية إن أول ظهور لمذنب هيلي تم توثيقه من قبل البابليين.
الحضارة اليونانية
عُرِفَ اليونانيون عبر التاريخ بأنهم آباء علم الفلك القديم إذ صاغوا النظريات والمعادلات الرياضية بهدف شرح الكون، وحققوا العديد من الإنجازات في هذا المجال التي من أهمها حساب محيط الأرض وحساب ميل محور الأرض، وخمن العلماء اليونانيون شكل الأرض الكروي واقترحوا أن حركة النجوم والكواكب والشمس والقمر يمكن أن تكون مساوية للأرقام.
الحضارة الهندية
ساهمت الحضارة الهندية في تطوير علم الفلك عن طريق الأطروحة الفلكية السنسكريتية المعروفة باسم أرياباتيا (بالإنجليزية: Aryabhatiya) التي نقلت علم الفلك من المجال الروحاني والديني إلى المجال العلمي، ومن أهم الأفكار التي تضمنتها الأطروحة أن الأرض تدور حول محورها وأن القمر والكواكب الأخرى تشع نتيجة الضوء المنعكس من الشمس.
حضارة المايا
اهتم علماء المايا بحركة النجوم والشمس والكواكب وتمكنوا من توثيق هذه الحركات بواسطة تقنية الظل الساقط أو الظل والضوء أو أجهزة صب الظل، وتعد أهرامات تشيتشن إتيزا مثالًا بارزًا يمثل الفهم العلمي الفلكي لحضارة المايا حيث يمكن عند زيارة هذه الأهرامات مشاهدة ظاهرة فلكية سنوية تتمثل في تكون صورة ظلية لمثلثات نتيجة سقوط أشعة الشمس على السلم الرئيسي للهرم تتصل برأس الأفعى المنحوت في أسفل الأهرامات مشكلة ظل أفعى ضخم إشارة إلى الإله الثعبان، وطورت هذه الحضارة تقويم المايا لتتبع مرور الوقت.
الحضارة المصرية
ساهمت الحضارة المصرية بشكل كبير في تطور علم الفلك وأنتجت العديد من الأساطير التي تشرح العديد من الأحداث الفلكية، ويشار إلى أن العديد من الأهرامات والمعابد المصرية بُنيت وفقًا للمواقع الفلكية ويعد هرم الجيزة الأكبر مثالًا على ذلك حيث تم بناؤه ليتوافق مع موقع النجم الشمالي، وتُعد نبتة بلايا أحد أهم المواقع الفلكية في مصر التي تضم هيكل حجري عملاق يعتقد أنه استخدم تقويمًا لتحديد الانقلاب الصيفي.
وارتبط علم الفلك في الحضارة المصرية بالعقدية والدين، ومن جانب آخر شكّل أحد أشكال العلم لديهم حيث استخدم في تحديد مواعيد فيضان النيل واستخدم وسيلة لتطوير التقويم المصري.
الحضارة الصينية
كان للحضارة الصينية دورًا كبيرًا في تطوير علم الفلك ويعد جان دي أبرز علماء الفلك الصينيين وهو أول من لاحظ (غانيميد)، وهو كوكب المشترى الذي يُعدّ أكبر الكواكب وظهر بلون أحمر قاتم، وأنشأت الحضارة الصينية أكثر دليل تفصيلي حول النجوم عرف باسم نجمة شي (بالإنجليزية: Star of Shi) وألفه شي شن، ويعتقد أن أقدم خريطة للنجوم تم العثور عليها في كهف بوذي في دونهوانغ، الصين، وهي تتبع الحضارة الصينية ويعود تاريخها إلى ما قبل 700 ميلادي.
الحضارة الفارسية
ساهمت الحضارة الفارسية ما بعد الإسلام في تطور علم الفلك وبرزت العديد من الأسماء المهمة في هذا المجال، ويعد عبد الرحمن الصوفي أحد أشهر علماء الفلك في العصور الإسلامية حيث ساهم في تصحيح مفهوم الأبراج الأصلي الذي وضعه بطليموس، وأيضًا ساعد أبو محمود حامد بن خضر الخوجندي، أحد علماء الفلك، في حساب محور الأرض باختراعه ألة السدس.
ما هي الأفكار الرئيسية حول علم الفلك؟
يدور علم الفلك حول عدة أفكار رئيسية توضح ماهيته وخباياه وفيما يأتي ذكرها وبيانها:
- الكون يضم أنماطًا عدة
لاحظ المراقبون القدامى الأوائل أن السماء تضم العديد من الأنماط المتشكلة بواسطة النجوم ليلًا والتي تعرف اليوم باسم الأبراج وتغير مكانها خلال فصول العام دون تغيير شكلها واكتسبت العديد من الأسماء حول العالم وشكلت جزءًا من الأساطير والقصص العالمية أو كانت جزءًا من التنجيم، ولاحظ المراقبون القدماء العديد من الأجسام الساطعة التي تتجول بين النجوم وأطلق عليها اليونانيون قديمًا اسم كواكب (Planets) والتي تعني باللغة اليونانية المتجولين.
- الكون شاسع والمسافات بين الأشياء كبيرة جدًا
يضم الكون العديد من الأجرام السماوية مثل النجوم التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة نقاطًا مضئية صغيرة في الظاهر، لكن في الحقيقة تعد النجوم كبيرة جدًا وتتساوى في حجمها مع الشمس أو قد تكون أكبر منها إلا أن بُعدها عن الأرض لمسافات شاسعة يظهرها نقاطًا صغيرة جدًا مما يشير إلى وسع الكون وضخامته، وتجدر الإشارة إلى أن أقرب النجوم إلينا يبعد فعليًا 4 سنوات ضوئية أي ما يساوي 20 تريليون ميل، وتتفاوت النجوم ببعدها عن الأرض حيث يصل بعضها إلى عشرات الآلاف من السنين الضوئية.
- كل ما في الكون يتحرك باستمرار
كل ما في الكون يتحرك بسرعة كبيرة فالأرض تدور حول نفسها بسرعة 1000 ميل في الساعة وتدور الأرض حول الشمس بسرعة تقدر 67 ألف ميل في الساعة وتتحرك الشمس حول مركز المجرة بسرعة 490 ألف ميل في الساعة وتتحرك مجرة درب التبانة التي نتبعها في كوكب الأرض بمعدل 872405 ميل في الساعة.
- الكون يضم الضوء بشكل أكبر مما نراه
يضم الكون الضوء ضمن أشكال الطاقة ويعرف علميًا باسم الطاقة الكهرومغناطيسية التي نرى جزءً منها، إضافة إلى الطيف الكهرومغناطيسي في الكون الذي يتضمن الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء والموجات الدقيقية والموجات اللاسلكية، والتي تحتاج أدوات خاصة لرؤيتها.
أشهر علماء الفلك عبر التاريخ
برز العديد من علماء الفلك عبر التاريخ وحققوا العديد من الإنجازات المهمة، وفيما يأتي ذكرهم والإشارة إلى أبرز إنجازاتهم:
- إراتوستينس (276-195 ق.م): عالم فلك يوناني ساعد في قياس حجم الأرض الذي اعتقد أنها مستديرة وليست مسطحة.
- كلوديوس بطليموس (90-168م): أول من وضع نموذجًا للنظام الشمسي والذي تدور فيه الشمس والكواكب والنجوم حول الأرض حيث صنّف الأرض مركزًا للكون وعرف باسم النظام البطليمي، وعلى الرغم من عدم صحة نظريته، قدم العديد من النصوص العلمية التي ساعدت في تطور علم الفلك.
- عبد الرحمن الصوفي (903-986م): عالم فلك فارسي أول من لاحظ وجود مجموعة أخرى من النجوم خارج درب التبانة حيث اكتشف مجرة المرأة المسلسلة.
- نيكولاس كوبرنيكوس (1473-1543م): عالم فلك بولندي اقترح نموذجًا للنظام الشمسي الذي تدور فيه الأرض حول الشمس بتصنيف الشمس مركزًا الكون.
- يوهانس كيبلر (1571-1630م): عالم فلك ألماني وضع ثلاثة قوانين تتعلق بحركة الكواكب تستخدم حتى يومنا الحالي.
- جاليليو جاليلي (1564-1642م): عالم فلك إيطالي ينسب إليه الفضل في تحسين أداة التلسكوب البصري والذي صنع أول تلسكوب له عام 1609م على غرار التلسكوبات المنشأة في أوروبا؛ يمكن لهذا التلسكوب تكبير الأجسام ثلاث مرات وطوره ليكبر الأشياء لما يقارب 20 مرة.
- جيوفاني كاسيني (1625-1712م): عالم فلك إيطالي ساعد في الكشف عن المدة المزمنية التي يحتاجها كل من المشترى والمريخ للدوران واكتشف أربعة أقمار لكوكب زحل والفجوات الموجودة في حلقات الكوكب.
- كريستيان هيغنز (1629-1695م): عالم فلك هولندي اقترح النظرية الأولى حول طبيعة الضوء والتي سمحت بإجراء تحسينات على أدوات الرصد الفلكي التي ساعدته على مشاهدة حلقات زحل لأول مرة.
- إسحاق نيوتين (1643-1727م): عالم فلك إنجليزي وضع قوانين الحركة الثلاثة التي تصف حركة القوى بين الأشياء والتي تُعرف اليوم بقوانين نيوتن وساعدت على تغيير مجال العلم بشكل عام والفلك بشكل خاص.
- إدموند هالي (1656-1742م): عالم فلك بريطاني راجع مشاهدات المذنبات التاريخية وأشار إلى أن المذنب الذي ظهر في الأعوام 1456، 1531، 1607، 1682 متماثل وأنه سيعود للظهور من جديد عام 1758م، وعلى الرغم من وفاة هالي قبل عودة المذنب ثبتت نظريته وسمي المذنب على اسمه تكريمًا له.
- ألبرت أينشتاين (1879-1955م): عالم فلك ألماني أشار إلى أن قوانين الفيزياء واحدة في أنحاء الكون وأن سرعة الضوء في الفراغ ثابتة.
- ستيفن هوكينج (1942-2018م): عالم فلك إنجليزي أشار إلى أن الكون لا بد له من نهاية كما كان له بداية وأنه ليس له حدود وأن الزمان والمكان ينتهيان داخل الثقوب السوداء، وأشار إلى أن الثقوب السوداء تصدر إشاعات أطلق عليها اسم إشعاع هوكينج.