عبد الرحمن بن خلدون أو كما يعرف اختصارًا باسم ابن خلدون هو عالم عربي ومؤرخ عبقري ومتميز وخبير في العلوم والمعارف والفنون والتاريخ، وواحد من رواد الأتوبيوجرافيا أو "فن الترجمة الذاتية"، وواحد من أهم فقهاء المالكية القليلين وأحد علماء الحديث، وواحد من خبراء الدراسات التربوية وعلم النفس وعلم الاجتماع والتربية والتعليم، اشتهر بأنه المؤسس الأول لعلم الاجتماع الحديث وأبو التاريخ والاقتصاد، وترك إرثًا كبيرًا ما زال أثره قويًا ويتم تدريسه حتى الآن، وعاش في العديد من المدن في الأندلس ومختلف أنحاء شمال إفريقيا، على رأسهم غرناطة وتلمسان والقاهرة، حيث عاش في الأخيرة حوالي ربع قرن وتوفي ودفن فيها.

عبد الرحمن بن خلدون... اسمه ونسبه

عبد الرحمن بن محمد بن خلدون أبو زيد ولي الدين الحضرمي الإشبيلي الذي يعرف في العالم كله باسم ابن خلدون، أندلسي حضرمي الأصل تونسي المولد، ولد لأسرة ذات علم وأدب، حيث كان أبوه عالمًا ومعلمًا درسه في سنوات طفولته الأولى، أما أجداده فكانوا ذوي مناصب سياسية ودينية مهمة في الأندلس، وكانوا أصحاب نفوذ وجاه وسلطان، نزحوا من الأندلس لتونس في منتصف القرن السابع هجريًا أيام حكم الحفصيين.

ويذكر في كتاب "تاريخ ابن خلدون" أنه ينتمي لسلالة وائل بن حجر الصحابي المعروف، وأن أصول أجداده تعود إلى حضرموت، لكن نجد أن العلماء لم يتفقوا على أصل ابن خلدون وانقسموا في هذا إلى فريقين، الفريق الأول بقيادة ساطع الحصري، والذي يقول إن أصل ابن خلدون عربيًا لا محالة، أما الفريق الثاني فبقيادة طه حسين ومحمد عبد الله عنان ويقول أصحاب هذا الرأي إن ابن خلدون ذو أصول أمازيغية، لكنه ذو نسب عريق ومنزلة عالية ومرموقة.

نشأة عبد الرحمن بن خلدون وحياته

ولد ابن خلدون في دار رقم 34 في نهج تربة الباي بتونس عام 1332م الموافق 732 هجرية، لأسرة ذات شأن عال على قدر كبير من العلم والأدب، لذا حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، وتعلم في سنوات عمره الأولى على يد والده، وساعدته مكانته الاجتماعية على الدراسة على يد أفضل المعلمين، فدرس القرآن الكريم واللسانيات العربية والشريعة والقانون والحديث الشريف والتاريخ والفقه، وهذا ما مكنه من أن يصبح مؤرخًا حقيقيًا تجتمع فيه كل الصفات، إذ أنه أول من وضح أن الأحداث التاريخية ليست وليدة الصدفة ولا تحدث لقوى خارجية مجهولة المصدر، بل هي نتاج مجموعة من العوامل الكامنة في المجتمعات الإنسانية، وهو بهذا جعل من التاريخ علمًا له فلسفة ومنهج علمي نقدي دقيق.

ورحل ابن خلدون بعلمه الكبير هذا إلى مدينة بسكرة وتزوج فتاة من أبناء هذا المكان، ثم انتقل إلى فاس عام 1356م، حيث انضم إلى مجلس أبي العنان المريني العلمي، بعدها رحل إلى غرناطة عام 1363م ثم إلى إشبيلية قبل أن يعود مرة أخرى لبلاد المغرب، حيث وصل إلى قلعة ابن سلامة الجزائرية (المعروفة حاليًا باسم مدينة تيارت) ومكث فيها حوالي 4 سنوات، وهناك بدأ بتأليف كتاب العبر الذي أكمله في تونس، ثم رحل ابن خلدون إلى مدينة الإسكندرية في مصر عام 1382م، ومنها توجه إلى القاهرة ثم إلى بيت المقدس، ثم عاد إلى القاهرة التي قضى فيها بقية حياته وتوفي ودفن فيها، وفي مصر تولى القضاء المالكي كفقيه مخضرم وسليل للمدرسة الزيتونية.

إنجازات عبد الرحمن بن خلدون ومؤلفاته

لابن خلدون العديد من الإنجازات والمؤلفات في شتى المجالات والعلوم، لا سيما في علم الاجتماع والفلسفة والتاريخ والحساب والمنطق وعلم الكلام والفقه، ومن أشهر مؤلفات ابن خلدون ما يأتي:

1) كتاب العبر في ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والأمازيغ ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر: يحتوي هذا الكتاب في بدايته على مقدمة ابن خلدون الشهيرة، والتي تعرف بأنها أهم ما ألفه ابن خلدون على الإطلاق، وقد ترجمت إلى العديد من اللغات الأخرى، وهي السبب في معرفة الغرب بابن خلدون وتقديرهم له.

2) كتاب السائل لتهذيب المسائل: في هذا الكتاب شرح ابن خلدون نظريات الصوفية ومنهجهم وأهم رجالهم وأكثرهم شهرة وأفضل مؤلفاتهم.

3) لباب المحصل في أصول الدين: هذا الكتاب من تأليف ابن خلدون، وهو اختصار لكتاب "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين" لفخر الدين الرازي، وهو من أوائل الكتب التي كتبها ابن خلدون وكان حينها لا يتجاوز العشرين من العمر.

الأيام الأخيرة لابن خلدون ووفاته

فضل ابن خلدون أن يعيش سنوات عمره الأخيرة معتزلًا زاهدًا عن الحياة ومفاتنها، لذا قرر التنحي عن جميع المناصب القضائية المالكية، لكنه رجع عن قراره عدة مرات، واستمر في التدريس والتعليم حتى آخر وقت، حيث توفي فجأة في 16 مارس عام 1405م الموافق 26 رمضان عام 808هـ عن عمر يناهز 78 عامًا، ودفن شمال مدينة القاهرة بإحدى مقابر الصوفية عند باب النصر، تاركًا ورائه إرثًا عظيمًا لا يمكن أن يمحى أثره.

 أفضل أقوال بن خلدون وأشعاره

لابن خلدون العديد من الأقوال والاقتباسات الخالدة التي تُعدّ دررًا راقية وحكمًا رائعة، ومن أجمل هذه الأقوال ما يأتي:

  • الناس في السكينة سواء، فإن جاءت المحن تباينوا.
  • من يقرأ القليل في الفلسفة سيتجه بأغلب الأحوال إلى الإلحاد، ومن يقرأ الكثير منها يتجه للإيمان بكل حال من الأحوال.
  • إذا أردت أن تعرف الإنسان فانظر من يصاحب؛ فالطباع يَسرق بعضها من بعض.
  • الظلم مؤذن بخراب العمران.
  • الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها.
  • ظلم الأفراد بعضهم بعضًا يمكن رده بالشرع؛ أما ظلم السلطان فهو أشمل وغير مقدور على رده وهو المؤذن بالخراب.

أيضًا، كتب ابن خلدون العديد من الأشعار الجميلة، والتي يمكننا اقتباس بعضًا من أبياتها فيما يأتي:

على أي حال لليالي أعاتب                                      وأي صروف للزمان أغالب

كفى حزنا إني على القرب نازح                              وإني على دعوى شهودي غائب

وأني على حكم الحوادث نازل                                  تسالمني طوراً وطوراً تحارب

سلوتهم إلا اد كار معاهد                                      لها في الليالي الغابرات غرائب

وإن نسيم الريح منهم يشوقني                                إليهم وتصبيني البروق اللواعب

ويقول أيضًا:

قوم أبو حفص أب لهم وما                                  أدراك والفاروق جد أول

نسب كما اطردت أنابيب القنا                               وأتى على تقويمهن معدل

سام على هام الزمان كأنه                                     للفخر تاج بالبدور مكلل

فضل الأنام حديثهم وقديمهم                           ولأنت إن فضلوا أعز وأفضل

وبنوا على قلل النجوم ووطدوا                             وبناؤك العالي أشد وأطول