يمتد التاريخ الإسلامي منذ بداية الدعوة الإسلامية، بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأسيس دولة إسلامية في المدينة المنورة، وبعدها فترة حكم الخلفاء الراشدين ثم تأسيس الدولة الأموية وبعدها العباسية التي شملت العديد من الإمارات والدول مثل السلاجقة والمرابطين والموحدين، وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك، وبعدهم جاءت الدولة العثمانية التي كانت آخر خلافة إسلامية، وفي هذا المقال سنتعرف على دولة المماليك التي نشأت في مصر.

من هم المماليك؟

المماليك جمع مملوك ويعني العبد، وهم عبيد جُلبوا للقتال ضمن الجيوش الإسلامية، وبدأت هذه الممارسة في عهد الخلافة العباسية على يد الخليفة المعتصم، ثمّ انتشرت في جميع أجزاء العالم الإسلامي، وبحلول القرن التاسع للميلاد أصبح المماليك عنصر أساسي في الجيوش الإسلامية، ولكن بمرور الوقت استطاع المماليك السيطرة على السلطة السياسية للخلافة العباسية، نظرًا للقوة العسكرية التي أوكلت إليهم، فعلى الرغم من أنّ السلطة الشرعية كانت بيد العباسيين، كانت السلطة الفعلية بيد كبار الجيش من المماليك.

تأسيس دولة المماليك

أسهمت عدة عوامل في قيام دولة المماليك، كان من أبرزها حالة الضعف التي كانت تمر بها الدولة الأيوبية خاصةً بعد النزاعات على الحكم التي حدثت بعد وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب في عام 1249م، حيث استغل المماليك هذه النزاعات وتمكنوا من السيطرة على الحكم وتأسيس دولة المماليك التي دامت لأكثر من 250 عام (من 1250إلى 1517)، وحكمت الشام والحجاز ومصر والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية، وكانت القاهرة هي عاصمة دولتهم.

تقسيمات دولة المماليك

قسّم المؤرخون فترة حكم المماليك إلى قسمين، وهما كما يأتي:

  • المماليك البحرية

هم مماليك من أصل تركي جاء بهم في الأصل الحاكم الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب من تركيا إلى مصر، وتولوا الحكم من عام 1250-1382م، وسمّوا بالبحرية لأنّ معظم أماكن تواجدهم تحيطها المياه، ومن أبرز حكامهم شجر الدر التي يُعتقد أنّها أول حاكم لدولة المماليك وسيف الدين قطر والظاهر بيبرس.

  • المماليك البرجية

هم مماليك من أصل شركسي، عاشوا في قلعة مصر وتولوا الحكم عام 1382م، وكان أول حكامهم السلطان برقوق، وآخرهم طومان باي الذي هزمته الدولة العثمانية في عام 1516 م وأعدمته شنقًا، وبموته كانت نهاية دولة المماليك في مصر، وإيذانًا بقيام الدولة العثمانية.

مصر في خلال فترة حكم المماليك

أصبحت مصر مركز اقتصادي وسياسي وثقافي غير مسبوق في دول العالم الإسلامي في فترة حكم المماليك، حيث قام المماليك (معظمهم من الأتراك ومن بعدهم الشركس) بإعادة بناءها في عام 1261م بعد أن دمرها المغول ونهبوا خيراتها، وأقاموا فيها نظام ثقافي وفكري جعل من مصر الدولة العربية الإسلامية الثقافية الأولى.

السياسة في دولة المماليك

توالى على حكم دولة المماليك ما لا يقل عن 45 سلطان، وكان الحكم للشخص الأذكى والأقوى والأشجع، ولم يكن وراثي، باستثناء المنصور سيف الدين قلاوون الذي حكم نسله بالوراثة دولة المماليك لفترتين متعاقبتين، وبخلاف ذلك كان مبدأ الشرعية بتولي الحكم هو القوة، فالحاكم يجب أن يمتلك قوة عسكرية كافية ليتمكن من الحفاظ على عرشه، وإلّا سيُطاح به من قِبل من هو أقوى منه من المماليك، وبالرغم من ذلك نجحت دولة المماليك في نشر الاستقرار الداخلي، وبدأت في الفتوحات الخارجية، التي كانت من أهمها معركة عين جالوت بقيادة السلطان قطز، الذي ألحق هزيمة كبيرة بالمغول في عين جالوت عام 1260م، وبعد وفاته تولى الحكم الظاهر بيبرس الذي يُعدّ المؤسس الحقيقي لدولة المماليك.

الحياة الدينية في دولة المماليك

استطاع المماليك إرساء الأمن في مختلف أرجاء دولتهم، ومنحوا الرعايا المسيحيين واليهود الذي يعيشون ضمن حدود الدولة الإسلامية المملوكية الحرية الكاملة والأمان في مقابل دفع الجزية المفروضة عليهم من الدولة، وتولوا أيضًا مناصب إدارية عليا فيها، ولم تتمكّن حتى الحروب الصليبية من إحداث أي نزاعات أو فجوات بين المسلمين والمسيحيين أو غيرهم من الطوائف الدينية الأخرى.

الحياة الاقتصادية في دولة المماليك

ازدهر الاقتصاد المصري في عهد دولة المماليك خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، حيث كانت مصر تمتلك أهمية تجارية فهي تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود مع الهند، وكان التجار المسلمون يسيطرون على  التجارة الشرقية إلى حد كبير، بينما سمحت دولة المماليك للتجار الأوروبيين بالسيطرة على معظم تجارة البحر الأبيض المتوسط، ولكن بحلول القرن الخامس عشر بدأت الأهمية التجارية لمصر بالتراجع نتيجة لزيادة تدخل الدولة في التجارة والخسائر السكانية الناجمة عن الطاعون والغارات البدوية ومنافسة التجار البرتغاليين على التجارة الهندية.

أسباب انهيار دولة المماليك

كانت نهاية دولة المماليك على يد الدولة العثمانية، ولكن وضع المؤرخون عدة أسباب ساهمت في تسريع انهيارها، من أبرزها ما يأتي:

  • الصراعات على السلطة

انشغل المماليك بالنزاعات على السلطة، وذلك لأنّ نظام الحكم لدى المماليك كان قائم على انتقال السلطة من حاكم إلى آخر بناءً على القوة وليس بالوراثة، لذلك بدأ المماليك باتباع كافة الطرق للظفر بكرسي الحكم حتى وإن كان ذلك ليس في مصلحة الدولة.

  • فقدان السيطرة على التجارة

بفقدان دولة المماليك السيطرة على التجارة (لأسباب مذكورة سابقًا)، فقدت الدولة العوائد المالية الكبيرة التي كانت تعود على خزينتها من التجارة، وبالتالي أدى هذا إلى إفلاسها.

  • انتشار الطاعون

وصل الطاعون إلى مصر لأول مرة في عام 1347م، وقضى على حوالي ثلث المصريين، وتواصل هجومه على الدولة 18 مرة، خلّف خلالها خسائر فادحة في دولة المماليك، وتأثر المماليك أكثر من السكان الأصليين لمصر، ويرجع ذلك إلى أنّ مناعتهم أضعف من مناعة السكان الأصليين، وأدت الخسائر بالأرواح إلى انخفاض الإنتاج الزراعي للغاية بسبب قلة الأيدي العاملة، وتراجع كذلك الإنتاج الصناعي، إلى جانب تراجع التجارة، وكلها عوامل ساهمت في تدهور حالة دولة المماليك.

  • الغزوات الأجنبية

كان المماليك يواجهون صراع إقليمي شرس مع المغول والعثمانيين، وانتصروا في الكثير من هذه النزاعات، ولكن بحلول القرن الخامس عشر لم يعد بمقدور دولة المماليك مواجهة الأعداء لضعف قوتهم العسكرية، وبالتوسع المستمر للدولة العثمانية منذ بداية القرن الرابع عشر، تمكنت من هزيمة دولة المماليك وإنهاء فترة حكمهم.