دولة الموحدين أو الدولة الموحدية هي دولة إسلامية تأسست في شمال إفريقيا وتوسعت هناك وأخذت على عاتقها تطبيق توحيد الله تعالى كما يجب، ولهذا سُميت بدولة الموحدين، فهي عزمت على القضاء على التراخي في تطبيق شعائر الإسلام وقوانينه، ونجحت في ذلك ولكنها تجاوزته أيضًا لتصل إلى المبالغة في التقيد الصارم بالتقوى وتنفيذ القوانين.
تأسيس دولة الموحدين
كانت دولة الموحدين إمبراطورية مسلمة أمازيغية شمال إفريقية، تأسست في القرن الثاني عشر وسيطرت على أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا (المغرب العربي) وعلى أجزاء كبيرة أيضًا من الأندلس، وكانت بدايات تأسيس الدولة الموحدية على يد ابن تومرت، ولكن البداية الفعلية للدولة كانت تحت حكم عبد المؤمن الكومي في عام 1130 م، الذي نجح في إسقاط دولة المرابطين الحاكمة في المغرب، حيث غزا عبد المؤمن مراكش عاصمة دولة المرابطين وأحكم سيطرته عليها، وأعلن نفسه خليفة للمسلمين، ثمّ سيطر على كامل أراضي المغرب، وبحلول عام 1172 م أصبحت الأندلس المسلمة تحت حكم دولة الموحدين.
من هو ابن تومرت؟
هو محمد بن تومرت بن عبدالله، يعود نسبه إلى قبيلة مصمودة الأمازيغية، ولد بن تومرت في قرية جبلية جنوب المغرب عام 1080م، وعُرف بالورع والتقوى منذ بلوغه سن الشباب. وغادر محمد بلدته عام 1105 م سعيًا لطلب العلوم الشرعية الإسلامية، وزار العديد من المدن الإسلامية منها قرطبة ودمشق وبغداد والإسكندرية، وعاد عام 1118م إلى شمال إفريقيا، حيث دعا إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وندّد جهرًا بالسلوكيات المخالفة للإسلام مثل شرب الخمر وعزف الآلات الموسيقية، ومع ازدياد انتقاده العلني للسلطان المرابطي على بن يوسف وعلماء الدين البارزين أُبعِد ابن تومرت عن مراكش عاصمة دولة المرابطين، ولجأ إلى مسقط رأسه في جبال الأطلس، وهناك بدأ في التحشيد ضد دولة المرابطين، والذي أدى في النهاية إلى هزيمتها بالفعل.
من هو عبد المؤمن الكومي؟
هو عبد المؤمن بن علي الكومي بربري الأصل، ولد عام 1094م في قرية تاجرا الجزائرية، وشرع عبد المؤمن في حفظ القرآن الكريم وفهمه منذ صغره، وتلقى العلوم الشرعية على يد علماء الدين في قريته، وبعد ذلك أخذ يستعد لرحلة للمشرق طلبًا للمزيد من المعرفة الشرعية، وفي أثناء استعداداته سمع بوجود فقيه جليل في جنوب المغرب يتحدث الناس عن علمه الغزير، وهذا الفقيه هو ابن تومرت الذي كان عائدًا لتوّه من رحلته إلى المشرق، وبالفعل ذهب عبد المؤمن للقائه وأُعجب بشخصية ابن تومرت وعلمه الغزير، وهذا ما جعله يتخلى عن فكرة رحيله إلى المشرق، وانضم إلى أتباع ابن تومرت.
تاريخ دولة الموحدين
توفي ابن تومرت مؤسس حركة الموحدين قبل أنْ يحقق مراده في إسقاط دولة المرابطين، وتولى عبد المؤمن الكومي المهمة من بعده، حيث استطاع هزيمة المرابطين ودخول مراكش عام 1146م، وبعد وفاته عام 1163م تولى ابنه يوسف مكانه، وأكمل مسيرة والده في تعزيز نفوذه في الأندلس، حيث أقام المشاريع في إشبيلية، مثل بناء جامع إشبيلية الأعظم وبناء القنطرة على نهر الوادي الكبير، وتوالى حكام المرابطين بعد ذلك على حكم دولة الموحدين، منتهجين طريق توسيع حدود دولتهم، حتى شملت ليبيا وتونس ومعظم السواحل الإفريقية، وامتدت في النهاية لتشمل معظم الدول الإفريقية.
الفن المعماري في دولة الموحدين
اهتمت دولة الموحدين بالفن المعماري كجزء من الحضارة الإسلامية، حيث خلّف الموحدين آثار معمارية في غاية الروعة والإتقان، وفيما يأتي أبرز مجالات الفن المعماري لدى دولة الموحدين:
- العمارة الدينية
اهتمت دولة الموحدين بتشييد المباني الإسلامية وعلى رأسها المساجد، التي تميزت ببعدها عن الزخرفة وبارتفاعها وضخامتها، ومن الأمثلة عليها مسجد حسان الذي بُني في المغرب عام 1195م.
- العمارة العسكرية
نظرًا لأنّ حكم دولة الموحدين كان زاخرًا بالنزاعات والحروب، اهتم الموحدون ببناء عمارة عسكرية قوية ومتينة لتحميهم من هجمات الأعداء، فشيدوا القلاع الضخمة وحاوطوها بالأسوار العالية، ومن الأمثلة عليها أسوار مدينة الرباط التي ما تزال قائمة حتى هذا اليوم.
- العمارة المدنية
العمارة المدنية هي العمارة التي أبدع في تشييدها الناس من قصور وحمامات وبيوت وبيمارستانات، وكان جزء من العمارة المدنية تحت رعاية الوزارات المختصة وجمعيات المجتمع المدني، ومن الأمثلة على العمارة المدنية الموحدية قصر أبي العباس القاسم في الأندلس والبيمارستان الضخم الذي بناه أبو يوسف يعقوب عام 1199م في مراكش لاستقبال المرضى والعجزة.
أسباب سقوط دولة الموحدين
أدى عدد من العوامل مجتمعة إلى انهيار دولة الموحدين، من أبرزها ما يأتي:
- تعامل دولة الموحدين بظلم وقسوة مع دولة المرابطين وتماديها في قتل الآلاف من الأبرياء، وطريق سفك الدم لن ينجح في تحقيق العدل في النهاية.
- العقائد الفاسدة التي أدخلها بن تومرت على الشريعة والسنة، ومن أبرزها تكفير المرابطين وجواز قتلهم، وتعود هذه الأفكار إلى تلقي ابن تومرت العلوم الإسلامية عن الكثير من العلماء من ضمنهم الروافض والمعتزلة وغيرهم.
- الثورات الداخلية الكثيرة التي كانت من عوامل سقوط دولة الموحدين، والتي لم يعد لها الموحدين العدة جيدًا، ومن أشهرها ثورة غانية.
- انفتاح دولة الموحدين على العالم وازدياد الأموال في أيديهم بكثرة، مما أدى إلى عيش حياة البذخ الشديد، وفي النهاية أدى إلى كثرة الصراعات على الحكم وتعدد الحركات الانفصالية.