كانت دولة بني الأحمر أو بني نصر أخر سلالة مسلمة هيمنت على مملكة غرناطة من عام 1238 إلى 2 يناير 1492، وكان سقوطها نهاية الأندلس، وأسسها محمد بن يوسف بن نصر، لكنه تميز أكثر باسم محمد الأول أو ابن الأحمر، وجعل اللون الأحمر ملازمًا لشعاره وملابسه، وأطلق هذا الاسم أيضًا على القلعة التي اختارها مقرًا له في غرناطة وهي "لاروخا"، بمعنى الحمراء في الإسبانية أو قصر الحمراء.
بداية دولة بني الأحمر
بعد انهيار دولة الموحدين، وتحديدًا في عام 1228، أعلن ابن هود، من عائلة بني هود في مرسية، سيادته على الأندلس، ومع ذلك، كانت فترة حكمه على الرغم من قوتها، قصيرة ولم تدم سوى عقد من الزمان، وتسببت اخفاقاته العسكرية المتكررة ضد الجيوش المسيحية في إزعاج السكان وانزعاجهم، وشعر الأندلسيون بالانعزال عن صاحب السيادة الذي لم يضمن سلامتهم وطالب بضرائب عالية للحفاظ على الإقليم.
وفي هذا المنعطف السياسي، ظهرت ما ستصبح السلالة النصرية، وهي سلالة من أصل عربي وُلدت عندما انتفض مؤسسها، محمد بن يوسف بن نصر "ابن الأحمر" وأعلنه سكان أراجون سلطانًا لهم في 16 يوليو 1232 وأعلن طاعته الأمير الحفصي الذي منحه الحكم على كل الأندلس، وتصرف ابن الأحمر بحكمة سياسية واستطاع أن يصوغ هيمنة سياسية كبيرة، وذلك لأنه دائمًا ما كان أكثر انتباهاً لترسيخ هيمنته على نفسه والغرباء.
وفي عام 1238 وصل ابن الأحمر إلى غرناطة وأسس مقر إقامته وعاصمة مملكته، وتحديدًا في قلعة سماها لاروخا أو الحمراء.
وبعد فترة من التخبط السياسي الخارجي والحروب، توفي ابن الأحمر في عام 1273 وخلفه ابنه "محمد الثاني" الذي عزز الدولة وقمع بؤر التمرد ومحاولات الانتفاضات التي تسببت في الانقسام (خاصة بني أسقيلولا في مالقة) وعزز التحالف مع المرينيين في فاس، وذلك في نفس الوقت الذي هاجم فيه الأراضي القشتالية في الأندلس.
أراضي دولة بني الأحمر
ضمت دولة بني الأحمر جميع الأراضي التي تقع حاليًا في مقاطعات ألميريا وغرناطة ومالقة وجزء من جيان، والتي امتدت في أقصى الشمال إلى الحدود الشرقية حتى ميناء تيسكار، وامتدت إلى الغرب حيث كانت تضم ساحات بلديات إشبيلية وقادش وقرطبة الحالية، وكانت هذه المناطق تُعاني من عدم الاستقرار الشديد بسبب الحروب الحدودية.
الثقافة في دولة بني الأحمر
كانت الثقافة العربية هي النظام السائد في الدولة وكان التعريب عملية مؤقتة تم من خلالها دمج نظام الدولة مع السكان الأندلسيين الذين تم تعريبهم في الثقافة بأكملها، حيث استخدمت اللغة العربية وكان التعبير عن الإنتاج الفكري والعلمي والأدبي لبني الأحمر باللغة العربية الفصحى واتباع النماذج الشرقية.
ولم تختلف الموضوعات الأساسية في غرناطة عن الثقافة العربية الإسلامية الشرقية، مثل العلوم الدينية والقانونية واللغوية والعلمية، وكانت المساجد مراكز تعليمية في غرناطة وألميريا، وكانت غرناطة جسرًا ثقافيًا للتواصل مع بقية المسلمين من خلال رحلات الحج إلى مكة المكرمة وزيارات المعلمين والتجار، وكانت العلاقات الثقافية لغرناطة مع المغرب مكثفة.
وعلى المستوى اللغوي، تمت دراسة قواعد اللغة العربية الفصحى ومعجمها، وكانت لدى غرناطة لهجة عربية مُستقلة.
الاقتصاد والتوسع
ساعد وضع غرناطة وموقعها الجغرافي الملائم مع جبال سييرا نيفادا التي كانت حاجزًا طبيعيًا على إطالة عهد بني الأحمر، مما سمح للإمارة الصغيرة بالازدهار نقطةً للتبادل التجاري بين أوروبا في العصور الوسطى والمغرب العربي، وكان ميناء مالقة مهمًا جدًا في هذا الوقت، حيث كان نقطة التبادل التجاري في البحر الأبيض المتوسط ويرتبط بشكل أساسي بتجار شمال إفريقيا وجنوة.
وحققت التجارة الداخلية والخارجية للمنتجات المتخصصة مثل الأقمشة الحريرية والجلود والأسلحة والسيراميك والفواكه والخلاخيل والأقراط والأساور والأحذية ذات الأحجار الكريمة والفضة تطورًا كبيرًا، وكانت صناعة الحرير مهمة للغاية، وكان للأنشطة الزراعية نتائج كبيرة بسبب البيئة المادية والربحية الكبيرة والإنتاج في جميع أنحاء الدولة، والتي تم تطويرها بشكل جيد بسبب التقنية المستخدمة في الزراعة والري من خلال الصهاريج وإدارة القنوات والخنادق.
ومن ناحية أخرى، عزز الأمير محمد الثالث العلاقات مع المرينيين وخضع للملك القشتالي فرناندو الرابع وضم ساحة سبتة، ولكن في عام 1309 اغتيل، وكان هذا التاريخ بداية للاغتيالات السياسية وحالات التنازل عن العرش التي تعرض لها السلاطين نصر وإسماعيل الأول ومحمد الرابع.
ازدهار دولة بني الأحمر
كانت غرناطة مدينة مزدهرة خلال أزمة القرن الرابع عشر التي دمرت أوروبا، وكانت أيضًا ملجأ للمسلمين الذين فروا من الاسترداد بسبب السلام والتحالفات التي وقعها يوسف الأول ومحمد الخامس وضعف الممالك المسيحية بسبب صراعاتها الداخلية، وكانت في هذا الوقت أحد أكثر الثقافات ازدهارًا ومنارة للإسلام.
وكان من الأمور ذات الصلة في ذلك الوقت أيضًا الشَعر العربي الذي روى الإنجازات التي تحققت في المعارك ضد المسيحيين وعجائب مملكة غرناطة. ويعود جزء كبير في هذه الفترة إلى الرجل الاستثنائي "لسان الدين بن الخطيب"، نظرًا لنشاطه السياسي والدبلوماسي والعلمي والأدبي وحتى الروحي، والذي جعله الشخصية الرائدة في هذه المرحلة".
تفاقم الصراعات
على الرغم من الازدهار الاقتصادي، كانت الصراعات السياسية مستمرة واستغل المسيحيون هذا الضعف، حيث احتلوا تدريجيًا مناطق صغيرة من مملكة غرناطة، وفي المقابل، شنت الجيوش النصرية غارات عديدة على الأراضي المسيحية وحققوا نتائج متباينة، حيث هُزموا في معارك مثل لينويسا عام 1361 وحققوا انتصارات في معارك أخرى مثل معركة الجزيرة الخضراء في عام 1369.
وبين عامي 1351 و1369، استغل النصريون الحرب الأهلية التي كانت تدور في قشتالة بين بيدرو الأول وإنريكي الثاني، هذا الصراع الذي ترك قشتالة منهكة، وهذا ما منح دولة بني الأحمر بضع سنوات من السلام تمكنت خلالها من الحفاظ على استراتيجيتها الخارجية دون تدخل من القشتاليين المُنهكين.
التراجع والسقوط
غرقت المملكة أو الدولة النصرية في أزمة سياسية بسبب الصراعات الداخلية بين الأمير محمد الحادي عشر ومحمد الثاني عشر، وهذا ما أدى إلى حصار المسيحيين لساحة مالقة والسيطرة عليها، وطلب الأميران من زملائهم المرينيين المساعدة لكنهم كانوا ضعفاء للغاية ولم يتمكنوا من مساعدتهم. واستمر تقسيم المملكة، ولكن تم الحفاظ على بعض المناطق بفضل السلام مع القشتاليين.
وفي عام 1489، قررت قشتالة وضع حد لسلطة "أبو عبد الله محمد الثالث عشر (الزغل)"، وهي خطوة أولى قبل السيطرة على مدن أخرى في المنطقة مثل بازا وزوجار وألميريا ولاس ألبوجاراس والمنيكار وغواديكس، وأخيرًا غرناطة نفسها.
وتم حصار غرناطة في عام 1491، وهو التاريخ الذي أعدّ فيه القشتاليون الهجوم النهائي، حيث نهبوا أماكن مختلفة في ألبوجاراس ودمروها لقطع مصادر الإمداد بالمدينة، ومع حصار غرناطة الذي امتد لسبعة أشهر، والذي شهد معارك ومواجهات، تقلص الجيش وقوات غرناطة تدريجيًا.
ومع حلول فصل الشتاء، توقفت الأعمال العدائية، لكن الإمدادات الغذائية لم تصل إلى المدينة وطلب آل غرناطة من الأمير التفاوض مع الملك المسيحي على الاستسلام، وتم الاتفاق على التنازلات لتسليم المدينة، وتم الاحتفاظ بحق السكان في البقاء بغرناطة مع نفس النظام المالي وحرية الدين والقضاء والعادات.
وفي 1 يناير 1492، تم تسليم مفاتيح المدينة الفخمة، وبعد ساعات غادر الأمراء ما كان أخر عاصمة للأندلس، واعتنق العديد من الأعيان والسياسيين المسيحية للحفاظ على مكانتهم الاجتماعية، وهاجر جزء من طبقة النبلاء إلى شمال إفريقيا حيث أسسوا مدينة تطوان الحالية وتُكتب بذلك نهاية دولة بني الأحمر آخر حكام الأندلس من العرب.