دولة المرابطين هي دولة إسلامية ظهرت في القرنين الخامس والسادس الهجري / الحادي عشر والثاني عشر الميلادي في المغرب الإسلامي، وسيطرت على مساحة واسعة امتدت من المحيط الأطلسي غربًا حتى حوض نهر السنغال جنوبًا، ومن بحيرة تشاد في الصحراء الكبرى من ناحية الشرق حتى جبال الأطلس وتلالها من ناحية الشمال، وصولًا إلى البحر المتوسط وعدة أماكن في شبه الجزيرة الأيبيرية والأندلس، وكانت تحدّ الدولة المرابطية من ناحية الشمال مملكة قشتالة ونبرة وأراغون، وكانت تحدها من الشرق إمارة بني زيري وإمارة بني حماد، ومن ناحية الجنوب كانت تحدها مملكة بامبوك وبوري ولوبي وإمبراطوريتا مالي وغانا.
وقام المرابطون تحت زعامة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بتأسيس مراكش واتخاذها عاصمة للدولة المرابطية، واستطاع بن تاشفين بعدها دخول الأندلس والسيطرة عليها بعد معركة الزلاقة، وحكم ابنه الأمير علي بن يوسف من بعده واستمر حكمه حوالي 37 عام، مرت بعدها الدولة المرابطية بحالة من الركود الكبير، وقامت عليها العديد من الثورات في الأندلس والمغرب، وسقطت على يد دولة الموحدين الذين دخلوا مراكش بحلول عام 541 هجرية / 1146م.
نشأة دولة المرابطين وتاريخها
بدأت الدعوة المرابطية برغبة يحيى بن إبراهيم زعيم قبيلة جدالة بتغيير أبناء قريته وأخلاقهم إلى الأفضل من خلال حثهم على التمسك بتعاليم الدين الإسلامي بعد شيوع الفاحشة بينهم، وفي أثناء عودته من رحلة الحج نزل في القيروان لكي يبحث عن أحد العلماء ويطلب منه أن يصطحبه لجدالة لتعليم أبنائها أمور دينهم، وبالفعل أخذ معه أحد مشايخ المالكية المعروفين "عبد الله بن ياسين"، الذي أصبح بعد ذلك أول زعيمًا للمرابطين، وعلى الرغم من أنه واجه في بداية دعوته العديد من العقبات، استطاع جذب طلاب العلم له، والذين بدأوا بالتوافد عليه، بحيث أنه بعد مرور 4 سنوات فقط من بداية الدعوة وصل عدد طلابه لألف طالب علم واستطاعوا نشر دعوته بين مختلف القبائل الأمازيغية.
وانضم له بعدها يحيى بن عمر اللمتوني، فأدخل الجميع في جماعة المرابطين، ثم قام ابنه أبو بكر بن يحيى باستكمال المسيرة مع الشيخ عبد الله بن ياسين، وتمكنا من إدخال قبيلة جدالة بالكامل في الجماعة، وبعد وفاة الشيخ تولى مكانه أبو بكر بن عمر الزعامة، وأصبح المرابطون يمتلكون دويلة صغيرة في شمال السنغال وجنوب موريتانيا، وترك بن عمر لابن عمه يوسف بن تاشفين زعامة المرابطين، وذهب إلى الجنوب ليحاول إدخال القبائل المتنازعة هناك في الإسلام ويدعوها لدخول جماعة المرابطين، وحين عاد تفاجئ أن ابن تاشفين نجح في التوسع في المغرب وموريتانيا كلها، وأسس مدينة مراكش وأعلنها عاصمة للدولة، ونجح كذلك في إخضاع مملكة تلمسان، وقام بتأسيس مدينة الجزائر، حتى أصبحت دولة المرابطين في عهده تمتد من تونس والجزائر من الشرق حتى المحيط الأطلسي من الغرب، ومن المغرب من الشمال حتى مالي وغانا من الجنوب.
وبحلول عام 1086م قام أمراء الأندلس بالاستنجاد بابن تاشفين لكي يساعدهم على صد هجمات ملك قشتالة "الملك ألفونسو السادس"، وبالفعل استطاع ابن تاشفين أن ينتصر على الصليبيين في الأندلس عدة مرات، لكنه اضطر إلى الرجوع للمغرب لوضع حلول للاضطرابات التي تحدث فيها، ومن ثم عاد للأندلس مرة أخرى وضم المدن الأندلسية إليه واستطاع استعادة كل المدن التي سيطر عليها الصليبيون، ووحد الممالك الإسلامية في الأندلس وجعلها تحت حكم الدولة المرابطية، وبعد استيلاء ابن تاشفين على الأندلس حدث أول اتصال رسمي بين المرابطين وبين الدولة العباسية، إلا أن الاتصالات غير الرسمية بينهم كانت قبل ذلك بكثير، حيث نقش المرابطون على نقودهم أسماء الخلفاء العباسيين، وظل اسم الخليفة العباسي يذكر مقرونًا مع أمير المرابطين، سواء في عهد أبي بكر بن عمر أو يوسف بن تاشفين، وعلى هذا فإن الدولة المرابطية كانت تحت رعاية الدولة العباسية بصورة ما.
سقوط دولة المرابطين
بحلول عام 1118م انقلب الحال على المسلمين في إسبانيا واستطاع المسيحيون الاستيلاء على مدينة سرقسطة، وبحلول عام 1138م هزم ألفونسو السابع ملك قشتالة وليون علي بن يوسف، ثم هُزم بن يوسف مرة أخرى على يد ألفونسو الأول ملك البرتغال في معركة أوريكي عام 1139م، وساءت الأوضاع أكثر بعد ظهور حركة الموحدين وتمردها على المرابطين، فبعد وفاة علي بن يوسف عام 1142م تولى ابنه الحكم، لكنه فقد أجزاء كبيرة من أرض المرابطين سريعًا أمام الموحدين، وبحلول عام 1146م قُتل في أثناء محاولته الهرب بعد هزيمته في أثناء القتال بالقرب من وهران، وسقط من فوق الهاوية، وخلفه إبراهيم بن تاشفين وإسحاق بن علي، إلا أن الفترة التي حكموا فيها كانت قصيرة للغاية، حيث غزا الموحدون مدينة مراكش عام 1147م، وبسقوطها سقطت دولة المرابطين تقريبًا، على الرغم من استمرار أجزاء من الدولة في الصراع "بنو غانية" في جزر البليار ثم تونس، وبعد دخول الموحدين لأيبيريا يمكننا القول إن دولة المرابطين سقطت تمامًا.
أسباب سقوط دولة المرابطين
إن أكبر خطأ وقعت فيه دولة المرابطين هو توجيه كل تركيزها على الجهاد وإهمال الجوانب الأخرى التي يجب على كل دولة الاهتمام بها، كالإدارة السياسية الذكية والبناء الحضاري، وعلى هذا انشغل المرابطون بالأمور الخارجية للدولة على حساب الشؤون الداخلية، والإسلام لم يأمر بهذا لأنه دين متوازن وحكيم، ولا يدعو أبدًا لغلبة جانب على جانب، وعرف الإسلام العديد من القادة الأذكياء الحكماء الذين وازنوا بين أمور الجهاد والفتوحات وبين إدارة الدولة سياسيًا وبناؤها كما ينبغي، وكانت دولة المرابطين متوازنة هكذا في البداية، لكنها منذ عام 500 هجرية فيما بعد وجهت كل طاقتها للجهاد فقط، وتركت الأمور السياسية وتعليم الناس أمور الدين وبناء الدولة داخليًا، فكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهورهم وأسقطت دولتهم.