يقع المسجد الأموي أو المسجد الكبير -كما يسميه البعض- في العاصمة السورية دمشق ويُعدّ من أهم المعالم التاريخية في البلاد، فهو تحفة هندسية مدهشة يتميز بجدرانه الفسيفسائية وأسقفه المزينة، ويحتوي المسجد من الداخل على فناء كبير مُحاط بالأقواس التي تدعمها أعمدة رفيعة يُطلق عليها الشعب السّوري اسم "الليوان" وبه يوجد نافورة تُستخدم للوضوء.

وللجامع الأموي ثلاث مآذن وهي المئذنة الشمالية والمئذنة الجنوبية ومئذنة العروس التي تُعدّ أقدم مآذن الجامع الأموي وأجملها إذ تتصف بلونها الذهبي نظرًا لاستخدام الذهب في صناعتها ولكنها احترقت سنة 570 ثم أعاد صلاح الدين الأيوبي ترميمها، وبه ستة أبواب يستطيع الزائر الدخول من أي باب أراد، وعدد من المحاريب منها المحراب الغربي والمحراب المالكي ومحراب الحنابلة.

وفي المسجد ثلاث قبب وهي: قبة الساعات وقبة المال وقبة قريبة من نافورة الماء وقد تغنى الشعراء بجمالها.

المسجد الأموي في العصر الآرامي

للمسجد الأموي تاريخ طويل، فقبل 1200 سنة بُني من قِبل الآراميين الذين سكنوا في سوريا، وكان معبدًا لإلاههم الذي يُدعى "هدد الآرامي" أو "إله البعل" كما كانوا يسمونه وهو إله المطر والرعد؛ فقد كانوا يعتقدون أنّ هذا الإله صعد للسماء وتجول بها على عربته وكان يقوم بجلد الغيوم مما يتسبب بتساقط الأمطار، وبُني المعبد حينها على حافة أحد الأودية واسمه وادي النوفرة، وكلمة "بعل" ما تزال تُستخدم في سوريا إلى يومنا هذا فيطلق اسم الزراعة البعلية على المحاصيل التي تعتمد في نموها على مياه الأمطار.

المسجد الأموي في العهد الروماني

احتل معبد هدد الآرامي مكانة مرموقة طوال فترة الحكم الآرامي، ولكن في سنة 64 م احتل الرومان البيزنطيون دمشق فقاموا بتحويله إلى معبد لأحد آلهتهم ويدعى "جوبيتر" وهو في الدين الروماني إله السماء والرعب حسب أساطيرهم ومعتقداتهم القديمة، وجوبيتر (Jupiter) اسم كوكب المشتري باللغة الإنجليزية وهو أكبر الكواكب حجمًا.

ومع نهاية القرن الرابع في عام 391 م اعتنق الرومان الديانة المسيحية، فحولوا معبد جوبيتر إلى كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان وحينها قُسّمت الكنيسة إلى قسمين القسم الشرقي وكان للمسلمين الذي حولوه لمصلى لهم والقسم الغربي كان للمسيحيين وبقي الحال هكذا لمئات السّنين.

المسجد الأموي في ظل الخلافة الإسلامية

في عام 635 م خلال العهد الأموي تمكن المسلمون من السيطرة على دمشق وبعد فترة من الزمن اتخذوها عاصمةً للدولة الإسلامية. وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، بقي الحال كما هو فقد سُمح للمسيحيين بالتعبد وإقامة شعائرهم الدينية في الكاتدرائية، ولكن عندما توفي وتولى ابنه الوليد بن عبد الملك الخلافة من بعده أمر بتحويل الكاتدرائية إلى مسجد وهذا القرار أثار غضب واحتجاج المسيحيين لذلك أصدر قرار ينص على استعادة جميع الكنائس التي صادرها المسلمون في بداية دخولهم لدمشق ومنح المسيحيين حرية التصرف بها.

وبعد وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان انتهى العمل بالمشروع وافتُتح المسجد الأموي، ويقول المؤرخون إنّ تكلفة بنائه كانت باهظة حيث تجاوزت المليون ونصف دينار، وعَمِلَ بالمشروع أكثر من 12 ألف عامل.

المسجد الأموي في الخلافة العباسية

في عام 750 م انتهت الخلافة الأموية على يد العباسيين وكانت أولى قراراتهم التي اتخذوها التخلص من جميع آثار وبقايا الدولة الأموية، وفي نفس الوقت كان المسجد الأموي بالنسبة لهم رمز لانتصار الإسلام على الرومان لذلك تراجعوا عن فكرة إزالته، ولكن أمر الخليفة المأمون بن هارون الرشيد بإزالة أي رسومات أو نقوشات تتعلق بالدولة الأموية، وعلى عكس التطور الذي وصل له المسجد الأموي في الخلافة الأموية فإنه تعرض للإهمال في الخلافة العباسية.

المسجد الأموي في الخلافة الفاطمية وما بعدها

  • في عام 970 م، احتل الفاطميون دمشق وأصبحت خاضعة للدولة الفاطمية الشّيعية، ولم يمنعوا المسلمين من أهل المذهب السّني من دخول المسجد، وفي عام 1069 انتفض أهالي دمشق على الجيش الفاطمي بسبب المعاملة السيئة ضدهم وخلال الانتفاضة والمظاهرات نشب حريق في المسجد الأموي ولحقت الأضرار بجزء كبير منه.
  • في عام 1078 م، احتل السلاجقة الأتراك دمشق وطردوا الفاطميين وأعادوا ترميم المسجد الأموي.
  • في عام 1167 م، وخلال عهد الدولة الأيوبية تعرض المسجد لحريق آخر ألحق ضرر كبير بأجزائه وممتلكاته فأمر صلاح الدين الأيوبي بصيانته، وبعد أنّ توفي دُفن بالقرب منه.
  • في عام 1245 م، في عهد الدولة الأيوبية حدث خلاف بين أمير دمشق آنذاك والخليفة الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب، على أثره حاصر الخليفة الصالح مدينة دمشق وفرض حصار عليها وأدت تبعاته إلى تدمير جزء كبير من المسجد وأكثر ما تأثر من هذا الخراب المئذنة الشرقية للمسجد.
  • في عام 1260 م، تحالف الصليبيون والمغول واستولوا على دمشق، وخلال احتلالهم لها أقاموا قداس كاثوليكي وكانت هذه المرة الأولى التي يُقام بها قداس منذ عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
  • في عام 1260 م، غزا السلطان المملوكي مدينة دمشق وتمكن من استعادتها.
  • في عام 1400 م، احتل المغول دمشق وخلال المعارك تعرض المسجد الأموي لحريق كبير دمر أجزاء كبيرة منه وأدى لانهيار المئذنة الشرقية وقُبتها.
  • في عام 1488 م، وفي عهد السلطان المملوكي قايتباي أُعيد ترميم المسجد بأمر منه.
  • في عام 1516 م، احتل العثمانيون دمشق وطردوا المماليك منها، وخلال فترة الحكم العثماني تم تحويل المسجد لوقف كبير عَمِل به ما يزيد عن 500 شخص.

المسجد الأموي في حلب

يوجد في سوريا مسجد أموي آخر موجود في مدينة حلب ويُسمى الجامع الأموي وهو من أشهر معالم المدينة، بُني الجامع الأموي في عام 716 م في زمن الخلافة الأموية أما عن الخليفة الذي أمر ببنائه فالموضوع محل خِلاف فأشارت بعض المصادر التاريخية أنه بني في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك، بينما تقول مصادر أخرى إن الخليفة الوليد بن عبدالملك هو الذي أمر ببنائه، وحاله كحال المسجد الأموي في دمشق فقد تعرض للكثير من الخراب والتدمير بسبب الحروب والصراعات السياسية ففي عام 962 أحرقه إمبراطور الروم، وفي عام 1259 استولى التتار على المدينة ودمروها وأحرقوا المسجد. ومع اندلاع شرارة الثورة السورية سقطت المأذنة بسبب القصف، ثم حُرق مصلى النساء بأكمله.

على الرغم من تنوع الحضارات والأمم التي حكمت دمشق واستولت على المسجد الأموي وما بين حريق إلى إعادة صيانة إلى تغييرات كثيرة، بقي المسجد الأموي حتى يومنا هذا من أشهر وأجمل المساجد في العالم والتي تروي جدرانه قصص مر عليها الآلاف السنين.