يُعدّ الشراكسة (بالإنجليزية: The Circassians) من أعرق الأمم وأكثرها تمسكًا بالعادات والتقاليد المتوارثة، ويُطلق على الفرد منهم اسم شركسي، ولدى هذا الشعب منظومة من القيم والعادات الاجتماعية والأخلاقية الشركسية المنقوشة في قلوبهم وعقولهم منذ القدم إلى الآن، وفي هذا المقال ستطرح أبرز المعلومات المتعلقة بهذا الشعب الأصيل.
من هم الشراكسة؟
الشراكسة مجموعة عرقية جاءت من منطقة شمال القوقاز والشاطئ الشمالي الشرقي للبحر الأسود، وهي مناطق تقع في الجنوب الغربي لروسيا، ويُعرفون أيضًا باسم الأديغة، ويدين معظم الشراكسة بالدين الإسلامي، وأُجبروا على مغادرة وطنهم عام 1864م، ولم يعودوا إليه إطلاقًا.
لمعرفة المزيد عن شعوب القوقاز والجنس القوقازي، يُرجى الاطلاع على هذا المقال.
ما الذي حدث في عام 1864؟
بدأت مأساة الشراكسة عندما غزت روسيا القوقاز، وقامت على إثر ذلك حرب القوقاز التي انتهت بضم روسيا لأجزاء من المنطقة إليها، وطرد الجيش الروسي مئات الآلاف من الشراكسة من وطنهم، والذين ركبوا السفن التي أرسلتها لهم الدولة العثمانية، ولم يتبقَ إلّا عدد قليل منهم على الأراضي التي ضمتها روسيا، حيث هُجّر قرابة مليون ونصف مليون شركسي من موطنهم، مات منهم حوالي 400000 فرد نتيجة الأوبئة والحوادث التي واجهتهم في رحلتهم الطويلة إلى الإمبراطورية العثمانية في البحر الأسود.
أين يعيش الشراكسة الآن؟
يعيش الشراكسة الآن موزعين على قرابة 40 دولة مختلفة حول العالم، ويشمل ذلك تركيا وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان والولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول أوروبية، أمّا النسبة العظمى منهم فيعيشون في تركيا، حيث يبلغ عدد الشراكسة في تركيا حوالي 6 ملايين شخص، وهذا يمثّل قرابة 80% من نسبتهم الإجمالية الكاملة، أما في روسيا فيعيش حوالي 10% من الشراكسة في منطقة كانت تُعرف سابقًا باسم شركيسيا، وهي الآن مقسّمة إلى 4 مناطق إدارية.
الدين ما بين الحاضر والماضي عند الشراكسة
يعتنق معظم الشراكسة في الوقت الحالي الدين الإسلامي السني، ويوجد كذلك نسبة قليلة تعتنق المسيحية، وأخرى تعتنق اليهودية، واعتنق الشراكسة الإسلام منذ حوالي 300 أو 400 عام نتيجة اختلاطهم بمجتمع الدولة العثمانية المسلم، أما المعتقدات الدينية القديمة لدى الشراكسة فكانت مزيج من المعتقدات الإغريقية والاسكندنافية، والتي كانت تعتقد بوجود آلهة تقليدية مرتبطة بوظائف معينة، مثل إله الغابات وإله الماشية وإله الخصوبة وغيرها، وكانوا قديمًا يقيمون الاحتفالات الشركسية لاعتقادهم بقوة الآلهة في دفع الكثير من ضرر الخرافات التي كانوا يؤمنون بها مثل العيون الشريرة والشياطين التي تقف وراء حدوث الخسوف، وفي هذه الاحتفالات كانت تُقدّم الماشية قرابين للآلهة المزعومة إلى أن استبدلت هذه المعتقدات بتعاليم الدين الإسلامي ومعتقداته.
الحياة الاجتماعية لدى الشراكسة قديمًا
مارس الشراكسة قديمًا الزراعة وتربية الحيوانات وبعض الصناعات المنزلية، وكان المنزل التقليدي يُسمى وونا، وهو مستطيل الشكل وله شرفة أمامية ومصنوع من الطين وبسقفٍ من القش، وبنى أيضًا الشراكسة القدماء مخازن لطعامهم وبيوت لحيواناتهم، وكانت الأسر الممتدة هي اللّبنة الأساسية للمجتمع الشركسي، حيث كانت تعيش عائلات كبيرة جدًا مع بعضها تضم أفراد من أربعة إلى خمسة أجيال وتوجد بين الجميع كبارًا وصغارًا روابط قوية. وأخطر الجرائم في ذلك الوقت كانت سرقة الماشية التي كانت تُعد جريمة كبرى.
الزواج عند الشراكسة قديمًا
كان الزواج عند الشراكسة قائم على الحب والتوافق حيث كان الرجل يرى الفتاة حول مجرى مائي أو بئر، ويغازلها في بعض الأحيان، وقد يصل الأمر إلى التقابل في مكان ما، ولكن إذا تجاوز الشاب حدود الأخلاق المسموح بها فقد تُخبر الفتاة أقربائها الذكور بالأمر فيتم طرده أو معاقبته، أمّا عند إنجاب الأطفال فإنّه يتم تربيتهم على الشجاعة والتحمل ومهارة ركوب الخيل واستخدام السلاح، أمّا عن مراسم الزواج فكان الزوج يدفع مهر للعروس ويختطفها ليلًا بمساعدة أصدقاءه، ثمّ تُقام الاحتفالات والولائم في منزل عائلة العريس للترحيب بالعروس الجديدة، وكان الشباب الشراكسة يميلون إلى الزواج المتأخر، وذلك عندما يكونون في الثلاثينات من العمر.
مكانة المرأة عند الشراكسة
حظيت المرأة عند الشراكسة بمكانة عظيمة، فكان الفارس الراكب إذا رأى امرأة شركسية في طريقه فإنّه ينزل عن حصانه ويبقى واقفًا حتى تمر احترامًا لها، أمّا إذا اعترضت طريقه امرأة خارج منطقته فإنّ عليه الترجل عن حصانه وإيصالها إلى وجهتها مشيًا يتوسطهما الحصان. وأيضًا يُصبح من المحرّم إيذاء الرجل المطارد الذي يستجير بامرأة شركسية، وكذلك لا يقوم الشراكسة بتنفيذ أي عقوبة أو ثأر لا سيما القتل بوجود امرأة، وما يزال احترام المرأة وتقديرها قائم عند الشراكسة حتى يومنا هذا، فالفتاة منذ ولادتها تُعد قرة عين لوالدها، وعندما تكبر تُمنح حرية كبيرة في حياتها، ورغم هذه الحرية فإنّ الفتاة الشركسية تحافظ بشدة على عاداتها وتقاليدها وتلتزم بالأخلاق الحميدة التي تربت عليها.
قيم الشراكسة وعاداتهم حديثًا
يتميز الشراكسة في الوقت الحالي بالتزامهم بالعديد من القيم والمبادئ الفريدة، من أبرزها ما يأتي:
- يقدّس الشراكسة الوطن والقوة والأخلاق، فهم يقولون إنّ هذه الأشياء هي أساس الوجود.
- لا يميل الشراكسة إلى زواج الأقارب ويفضلون الزواج من خارج نطاق العائلة.
- لا يوجد تعدد زوجات لدى الشراكسة إلا إذا استدعى الأمر ذلك مثل موت الزوجة أو عدم قدرتها على الإنجاب.
- الطلاق ليس محبّب عند الشراكسة وينظرون إليه بأنّه نقص رجولة وعقل.
- يجب على الصغار احترام الأكبر منهم سنًا، فمن المعيب التكلم بصوت مرتفع أو التدخين أو القيام بأي أمر غير مهذب أمام كبار السن.
- عند دخول ضيف إلى الغرفة أو القاعة ينبغي على جميع الجالسين من دون استثناء الوقوف لاستقباله بكل احترام.