الشهابيون سلالة حكمت جبال لبنان في عهد الإمبراطورية العثمانية، حيث تسلموا الحكم بعد انتهاء حكم أسلافهم المعنيين، وكان الشهابيون مسلمون يعتنقون المذهب السني.

خلفية تاريخية عن إمارة جبل لبنان

إمارة جبل لبنان هو الاسم الذي أُطلق على جبل لبنان في العقد الثاني من القرن السابع عشر، وذلك في عهد السلطان سليم الأول القاطع تاسع سلاطين الإمبراطورية العثمانية، كذلك أُطلق على المنطقة عدة أسماء أخرى منها إمارة جبل الدروز وإمارة الشوف وإمارة معان، وتأسست الإمارة عام 1516م على يد الأمير فخر الدين المعني الأول، الذي اتخذ بعقلين عاصمة لإمارته ومكان لسكنه، ولكن أجبره شح المياه إلى نقل مقر عاصمته إلى دير القمر، وبقيت دير القمر عاصمة للإمارة حتى تولى الأمير بشير الثاني الشهابي الحكم، لينقل مقر الإمارة إلى بيت الدين.

أصول الشهابيين

يعود أصل الشهابيين إلى بني مخزوم من قبيلة قريش في مكة، وانتقلوا إلى جبال لبنان من منطقة حوران جنوب سوريا وسكنوا في وادي التيم جنوب لبنان، ويرجع أول تسلّم لسلالة شهاب للإمارة في عهد الخلفاء الراشدين، حيث عيّن أبو بكر الصديق الشهابيين أمراء سنة 633م، وشارك مالك بن الحارث الملقب بشهاب المخزومي في معركة اليرموك التي فتح المسلمون سوريا على أعقابها، وقاتل الشهابيون بشجاعة في معارك تحرير دمشق من الاحتلال البيزنطي عام 636م، وبقيت هذه السلالة في منطقة حوران السورية حتى عام 1170م، حيث انتقلوا بعد ذلك إلى وادي التيم لمناهضة الصليبيين في بلدة راشيا اللبنانية، وشكّل الشهابيون جيش قوامه 20000 رجل قاده الأمير منقذ الشهابي، وبالفعل تمكنوا من هزيمة الصليبيين ومحاصرتهم في قلعتهم في حاصبيا، وفي خلال عشرة أيام تمكنت القوات الشهابية من الاستيلاء على القلعة وأعادوا ترميمها ثم استخدموها قاعدة عسكرية على مدار 700 سنة، وشكل الشهابيون تحالف عسكري وسياسي مع أمراء المعنيين الدروز الذين كانوا يحكمون جبل لبنان، مما سمح لهم بتولي حكم لبنان بعد انتهاء حكم المعنيين، ولكن نظرًا لأنّهم من المسلمين السنة بينما كان المعنيين من الدروز، واجهوا اعتراض ومقاومة من الدروز، ممّا دفعهم إلى الاستعانة بالمسيحيين الموارنة لدعم حكمهم للبلاد، وبحلول القرن الثامن عشر كان معظم أفراد الإمارة الشهابية الحاكمة تحولوا من الإسلام إلى المسيحية المارونية.

بداية تولي الشهابيين الحكم

انتهت إمارة المعنيين بوفاة الأمير أحمد بن معن في عام 1697م، وعلى إثر ذلك عقد أمراء المنطقة وشيوخها اجتماع تمّ فيه اختيار الأمير بشير بن شهاب أحد أمراء وادي التيم لحكم الإمارة، وهو ابن أخت الأمير أحمد بن معن، ثمّ تمّ تبليغ العثمانيين في إسطنبول بالقرار من خلال والي صيدا، ولكن جاءت الموافقة باختيار الأمير حيدر الشهابي ابن ابنة الأمير أحمد بن معن، ونظرًا لأنّه كان صغير السن آنذاك نفذ القرار باختيار الأمير بشير حتى يبلغ الأمير حيدر أشده.

سياسة الإمارة الشهابية

شجع حكام الإمارة الشهابية هجرة المسيحيين إلى الأراضي اللبنانية لتطوير نمط المعيشة، وحاولوا تحسين المجتمع من خلال تقليد الثقافة الغربية لا سيما الفرنسية، من جانبٍ آخر استعان الأمير الشهابي بشير الثاني بمحمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، حيث سانده الأخير في حروبه الداخلية والخارجية، ولكن سقطت الإمارة الشهابية بعد نفي الأمير بشير الثاني عقب خسارة محمد علي حربه مع الأوروبيين والعثمانيين عام 1840م، فبعدها نصّب العثمانيون بشير الثالث حاكمًا حتى حلول عام 1842، حيث تمّ تعيين عمر باشا حاكم للبلاد منهيًا بذلك حكم الشهابيين للبنان.

أبرز حكام الإمارة الشهابية

حكم الإمارة الشهابية عدد من الحكام من العائلة الشهابية من أبرزهم ما يلي:

  • زمن الأمير بشير الشهابي

تولى الأمير بشير الشهابي الأول الحكم عام 1109م نيابةً عن الأمير حيدر الشهابي، وفي عام 1110م تولى قبلان باشا المطرجي ولاية صيدا التي تشمل بيروت، وبعد فترة قصيرة طلب مساعدة الأمير بشير بعد أن خرج عليه الشيخ مشرف بن علي حاكم جبل عامل، فهبّ الأمير بشير ومعه 8000 رجل لنجدته، وألقى القبض على الشيخ مشرف وسلمه للباشا الذي منحه ولاية صيدا مقابل ذلك، على أن يكون قبلان باشا نائبه في المنطقة، وبعد وفاته تولى حيدر الشهابي حكم الإمارة الشهابية.

  • زمن الأمير ملحم الشهابي

تولى الأمير ملحم الشهابي الحكم في عام 1729م بعدما تنازل والده الأمير حيدر عن الإمارة، واتخذ حيدر الشهابي من بيروت عاصمة شتوية له، وشيّد فيها خان الملاحة، كذلك بنى أخواه الأمير منصور والأمير أحمد الأبنية والبساتين في بيروت.

  • زمن الأميرين أحمد ومنصور

تنازل الأمير ملحم عن الإمارة عام 1754م لأخيه الأمير أحمد الشهابي، ليتفرغ للعبادة وطلب العلوم الدينية، ثمّ تولى الأمير منصور الحكم، وبعدها تنازل عنه لابن أخيه الأمير يوسف الشهابي.

7 حقائق حول الإمارة الشهابية

من أبرز الحقائق حول الإمارة الشهابية ما يلي:

  • انتقل الحكم من الإمارة المعنية إلى الإمارة الشهابية نتيجة عدم وجود وريث لأخر أمير معني، حيث عُقد اجتماع في بلدة السمقانية اللبنانية لاختيار حاكم جديد للبلاد.
  • حكم الأمراء الشهابيون الإمارة بيد من حديد، ولم يتهاونوا مع أي معارض لسياستهم سواء كان فرد من أفراد السلالة الشهابية أو خارج إطارها.
  • يُعد الأمير بشير الثاني من أبرز حكام الإمارة الشهابية كون فترة حكمه كانت طويلة وتكثّفت في عهده الاتصالات مع الغرب بقوة.
  • على الرغم من بعض الأقوال التي زعمت بتحوّل الأمير بشير الثاني إلى المسيحية، لم يثبت أنه خرج عن الإسلام، حيث أنّه لم يجاهر بشيء من هذا القبيل نظرًا لأنّ الإمبراطورية العثمانية تعاقب بالقتل كل من يثبت ارتداده عن الدين الإسلامي، إضافةً إلى أنّ الأمير بشير دُفن على الطريقة الإسلامية.
  • ازدهر الاقتصاد في عهد الإمارة الشهابية مقارنةً بعهد الإمارة المعنية بسبب السماح لدخول الأجانب للمنطقة سواء التجار أو التبشيريين، وازداد التدخل الأجنبي لا سيما الفرنسي بالتزامن مع بدء ضعف الإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر.
  • تطورت الحياة الفكرية والثقافية في عهد الإمارة الشهابية، فتأسّست المدارس الحديثة وبدأت نهضة علمية قائمة على تقنيات حديثة وليس على نظام الكتاتيب القديم، حيث كان هناك تنافس بين المذهب البروتستانتي والكاثوليكي على من يُنشئ مدارس أكثر خاصةً إذا كانت مجانية، والغرض من ذلك التسابق للتقرب إلى الناس.
  • قامت أكثر من ثورة في نهاية حكم الشهابيين بسبب زيادة الضرائب والتجنيد الإجباري وسحب السلاح والمساس بمصالح الفلاحين، نظرًا لانتشار النظام الإقطاعي الذي كان يتحدث باسم الإمبراطورية العثمانية.