الدولة السلجوقية، التي يطلق عليها أيضًا اسم دولة بني سلجوق أو دولة السلاجقة العظام، هي واحدة من أكبر الدول الإسلامية في إقليم وسط آسيا، وكان لها دور كبير في تاريخ الدولة العباسية "العصر الرابع"، وكذلك في الحروب الصليبية والصراعات البيزنطية الإسلامية، حيث ظهرت هذه الدولة في القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي وقت حكم الدولة العباسية، وتأسست السلالة السلجوقية  على يد سلجوق بن دقاق عام 960م، وهي سلالة تركية تنحدر من قبيلة تنتمي لأتراك الأوغوز، أما الدولة السلجوقية فتأسست على يد طغرل بك حفيد سلجوق، الذي شن حربًا على الدولة الغزنوية في إقليم خراسان وانتزع مدينتي مرو ونيسابور عام 1037م، وانتصر في نفس العام في معركة داندقان وكسر شوكة دولة الغزنويين، وظهرت منذ هذا الوقت الدولة السلجوقية الحقيقية للعالم.

وازدهرت هذه الدولة ووصلت لقمة ازدهارها بسيطرتها على إيران وأفغانستان ووسط آسيا وكاشغر والعراق والشام والأناضول حتى مشارف القسطنطينية، ويمكن إرجاع نسب السلاجقة إلى وسط آسيا، بعد أن هاجروا من القيرغيز ناحية الشرق ودخلوا في الإسلام، وحاربوا الوثنيين في المكان الذي هاجروا إليه وانتصروا عليهم وتوسعوا أكثر فأكثر، ثم حاربوا البويهيين وانتصروا عليهم، وتوسعوا ناحية بلاد الشام والأناضول والحجاز، وحاربوا البيزنطيين والصليبيين، قبل أن يبدأوا في الانقسام والتفكك لسلاجقة الروم وخراسان والعراق والشام، ويرجع هذا لتفكك الأسرة الحاكمة، مما أدى إلى سقوط الدولة شيئًا فشيئًا في القرن الثالث عشر الميلادي.

نشأة الدولة السلجوقية

بعد وفاة "سلجوق" مؤسس السلاجقة ترأس الزعامة ابنه إسرائيل، الذي زادت في عهده قوة السلاجقة العسكرية، وأحس بهذه القوة السلطان محمود الغزنوي وخشي منها واستشعر مدى الخطر الذي يمكن أن يشكلوه عليه وعلى دولته فقرر التخلص منهم بأن أسر زعيمهم إسرائيل، فخلف ميكائيل أخو إسرائيل زعامة السلاجقة، لكنه كان واعيًا لقوة السلطان محمود، لذا طلب هدنة معه وسعى لكسب وده، بينما كان في الجانب الآخر يجمع قومه وينتظر الفرصة المناسبة للهجوم على أراضي الدولة الغزنوية، إلا أنه قتل في إحدى غزواته هذه، فتولى ابنه طغرل بك من بعده.

فترة حكم السلطان طغرل بك

كان طغرل بك شخصية مميزة تتمتع بذكاء وفطنة وشجاعة وقوة، لذا أيده الكثير من أبناء شعبه، فأعد جيشًا ضخمًا وقويًا وسعى لتأسيس دولة السلاجقة، وظل ساكنًا ينتهز أي فرصة، حتى جاءت فرصته بوفاة محمود الغزنوي الذي تراجعت قوة دولته بعد وفاته بسبب الصراعات على السلطة، فشن طغرل بك الحروب على المناطق المحيطة بهم وزادت قوته وسلطانه أكثر، حتى استطاع أن يستقل بإقليم خراسان الذي كان تابعًا للدولة الغزنوية عام 1037م، ثم أعلن قيام دولة السلاجقة.

وأرسل رسالة للخليفة العباسي القائم بأمر الله وطلب منه أن يعترف بدولته الجديدة، وبالفعل اعترف الخليفة بدولة السلاجقة عام 1040م، وأصبح للسلاجقة شرعية مكنتهم من التوسع في حدود دولتهم بسرعة كبيرة على حساب القوى الإسلامية الأخرى المحيطة، وعلى حساب البيزنطيين كذلك، واستطاعوا أن يضموا أجزاء كبيرة من فارس وشمال العراق وأرمينيا وآسيا الصغرى، وبحلول 1055م استنجد القائم بأمر الله بطغرل بك ليحميه من سيطرة بني بويه على مقاليد الحكم، وبالفعل نجده طغرل بك وأسقط الدولة البويهية ودخل بغداد، واستقبله الخليفة استقبال حسن وأمر أن ينقش اسمه على العملة وأن يذكر اسمه في خطب المساجد داخل بغداد وخارجها، وتوطدت العلاقة بينهم أكثر حين تزوج الخليفة من ابنة أخ طغرل بك الأكبر، وتزوج طغرل بك من ابنة الخليفة العباسي، وهذا ما جعل السلاجقة يحلون محل البويهيين ويسيطرون على الخلافة العباسية، وظلت الدولة السلجوقية تقوي مكانتها أكثر في العالم الإسلامي حتى وفاة طغرل بك عام 1063م ليحل محله في الحكم ابن أخيه ألب أرسلان.

فترة حكم السلطان ألب أرسلان

لم يختلف ألب أرسلان عن عمه طغرل بك، إذ كان فارسًا وقائدًا ماهرًا وشجاعًا، وكان يسعى للجهاد ونشر الدين الإسلامي، لذا غيّر من سياسة دولة السلاجقة في آسيا الصغرى ووسع حدودها بتسجيل انتصارات رائعة على أعدائه في الداخل والخارج، حيث نجح في هزيمة الدولة البيزنطية في معركة ملاذكرد عام 1071م وسحق جيشها الذي كان يفوق جيشه عددًا وأسر قائد الحرب رومانوس الرابع الذي افتدوه بألف دينار، وبعد عام من هذا الحدث المهم توفي ألب أرسلان في أحد معاركه، ولم يشهد مع الأسف ما جنته دولته من ثمار وما حدث من تغيير في تاريخ المسلمين بعد قضائه على البيزنطيين.

فترة حكم السلطان ملكشاه

بعد وفاة ألب أرسلان تولى الحكم من بعده ابنه السلطان ملكشاه عام 1072م، وظل في الحكم حتى عام 1092م، وكان واحدًا من أفضل الملوك وأعدلهم وأحسنهم سيرة وخلقًا، وتوسعت الدولة في عهده ووصلت لأقصى اتساع لها، والذي امتد من الصين شرقًا لبحر مرمرة غربًا، واستطاع بفضل حنكته إخماد نار الفتن التي ثارت في عهده، وجعل للسلاجقة قوة وهيبة يخشاها الروم وباقي حكام العالم في هذا الوقت، ومن جانب آخر اهتم الملك ونظام وزارته بالجانب الاجتماعي والثقافي في الدولة السلجوقية، إذ بنيت العديد من المدارس النظامية في الكثير من المدن على رأسها بغداد وأصفهان ونيسابور، وكان مجلس السلطان العلمي يعج بالعلماء والفقهاء وأهل التقوى والخير والصلاح، حيث كان السلطان ملكشاه ووزراؤه محبين للعلم والعلماء، وكان وزير السلطان حافظًا للقرآن الكريم عادلًا حليمًا كثير العفو طويل الصمت وقتل عام 1092م قبل وفاة السلطان ملكشاه بشهر تقريبًا.

سقوط الدولة السلجوقية

اتسعت الدولة السلجوقية ووصلت لقمة ازدهارها في عهد السلطان ملكشاه، لكن بوفاة السلطان عام 1092م بدأت الدولة في الانهيار والتمزق والتفكك، وانتهى عصر القوة وبدأ عصر جديد من الضعف بسبب النزاعات والصراعات القائمة بين أبناء السلاجقة على العرش، إذ ثارت بين الأبناء الحروب الداخلية التي أثرت سلبًا على كيان الدولة السلجوقية، وفي ضوء هذا انقسمت الدولة إلى عدة دول وإمارات أصغر، وهم:

دولة السلاجقة الكبرى

هي الدولة التي كانت لها السيطرة على الخلاقة العباسية بطريقة مباشرة، والتي جاء منها ألب أرسلان وملكشاه وبركيا روق، وكانت تضم العديد من الأقاليم أهمها العراق وإيران.

سلاجقة كرمان

سلاجقة كرمان أو كما يطلق عليهم سلاجقة جنوب إيران وباكستان هم السلاجقة الذين سيطروا على جنوب فارس وعدة مناطق في الوسط، وامتد نفوذهم من عام 1042م إلى 1187م قبل أن يقضي عليهم التركمان، وينتمي سلاجقة كرمان لعشيرة قاروت بك بن داود بن ميكائيل بن سلجوق أخو السلطان ألب أرسلان.

سلاجقة الروم

سلاجقة الروم هم الذين سيطروا على بعض المناطق في آسيا الصغرى التي كانت تابعة لسلطة الروم، وهم سلاجقة أسسهم سليمان بن قتلمش عام 1077م قبل أن ينتهي أمرهم على يد المغول الإيلخانيين عام 1304م.

سلاجقة العراق

سلاجقة العراق هم الذين سيطروا على منطقة العراق وكردستان في الشمال والري وهمذان، وبدأ نفوذهم عام 1117م واستمر حتى 1194م حين قضى عليهم الخوارزميون.

سلاجقة الشام

سلاجقة الشام هم الجماعة التي تعود لمؤسسها تتش بن ألب أرسلان، والذين تفرقوا فيما بينهم لعدة انقسامات أصغر، وقاموا بالسيطرة على الشام وانتزعوها من بين يدي الفاطميين والروم وقسموها لعدة إمارات، وانتهى نفوذهم عام 1117م على يد أتابكة الشام.