تُعدّ العمارة الأندلسية في القارة الأوروبية أحد أهم أشكال العمارة عبر التاريخ والتي تُحدد خصائصها من خلال الثقافتين الإسلامية والرومانية إذ تركت كلتا الحضارتين بصمة عميقة عليها، إلا أن الحضارة الإسلامية كان لها الأثر الأكبر في تشكيل العمارة الأندلسية عبر قرون عدة والتي تميزت بطرازها وجمالها وغرابتها وتفاصيلها الدقيقة.

ومن الجدير ذكره أن فترة الحكم الإسلامي التي استمرت ما يقرب 900 عامًا تركت فنونًا معمارية أندلسية تتميز بالتنوع والغنى وتُعدّ من أهم المصادر الشاهدة على النهضة الفكرية والفنية التي عرفها الأمويون والموحدون والمرابطون، والتي يمكن من خلالها دراسة فن العمارة الإسلامي المتميز بالأصالة والابتكار والتفرد.

مفهوم العمارة الأندلسية

العمارة الأندلسية (بالإنجليزية: Andalusian Architecture) هي التراث المعماري الإسلامي والروماني في الأندلس (إسبانيا) والذي يعود بتاريخه إلى قيام الدولة الإسلامية وحتى سقوط غرناطة وما بعدها، ويتميز بخصائص عدة أهمها الأسقف المقببة والساحات المرصوفة بالحصى والبلاط المطلي والهندسة المائية المتقنة في مختلف أشكال العمارة.

تاريخ العمارة الأندلسية

تطورت العمارة الأندلسية عبر مراحل تاريخية عدة وفيما يأتي ذكرها وبيانها:

• العمارة الرومانية (القرن 12-8 ميلادي)

تميزت هذه الفترة التاريخية ببناء الكنائس الرومانية في الأندلس وأهم ما يميز العمارة في هذه المرحلة اشتمالها على الأقواس المستديرة والجدران الضخمة والنوافذ القليلة، وبحلول القرن الثالث عشر ميلادي ظهر أول طراز مسيحي روماني في الأندلس وهو الطراز الرومانسي، ومن أهم معالم العمارة الأندلسية خلال هذه الفترة كنيسة سانتا كروز (بالإنجليزية: Iglesias de la Santa Cruz) في بايزا.

• العمارة المغربية (القرن 12-8 ميلادي)

بعد سيطرة المسلمين على الأندلس ورحيل الرومان والقوط، بدأت العمارة الأندلسية بالتأثر بالطابع والطراز الإسلامي بصورة كبيرة على الرغم من وجود الأثر الإسلامي قبل ذلك (929-710م)، إذ شُيدت خلال هذه الفترة العديد من المعالم الإسلامية في العديد من المدن الأندلسية، وأهم السمات المميزة للعمارة في هذه المرحلة استخدام الأقواس المزينة بالخط الزخرفي، وأهم معالم هذه الفترة مسجد قرطبة.

ويشار إلى أنه بعد انتهاء فترة الخلافة بدأت مرحلة حكم الطوائف في الأندلس، إذ ترك المرابطون والموحدون بصمتهم على العمارة الأندلسية في الأندلس والتي تميزت بأناقتها، وأهم معالم هذه الفترة برج لا جيرالدا أو الخيرالدة (بالإنجليزية: La Giralda)، ويشار إلى أن العصر النصري (1492-1238م) من أهم مراحل العمارة الأندلسية في هذه الفترة إذ برزت العمارة الإسلامية بشكل واضح ومن أهم معالم هذه المرحلة قصر الحمراء.

• العمارة ما بعد المغاربية (منتصف القرن 14 وحتى أواخر القرن 15) أو العمارة المُدجنة

ما بعد سقوط الحكم الإسلامي، استمرت الأندلس في بناء الكنائس في مواقع المساجد السابقة وتم خلال هذه المرحلة دمج الزخارف المعمارية المستخدمة في الطراز الإسلامي مع عمارة الكنيسة، وهذا يفسر تسمية هذا العصر بعصر العمارة المُدجن، ويشار إلى أن البناء في هذه الفترة كان ينفذه البنائون المهرة المسلمون الذي سمح لهم بالبقاء بعد سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس.

• العمارة القوطية (القرن 16-13م)

برزت العمارة القوطية كجزء من العمارة الأندلسية ما بين القرن الثالث عشر والقرن السادس عشر، وأهم ما يميز العمارة آنذاك استخدام الأقواس المدببة والنوافذ الكبيرة واستخدام الزجاج الملون والأعمدة الضخمة، وبحلول نهاية القرن الخامس عشر استخدمت الزخرفة في النمط القوطي بغزارة وأهم معالم هذه المرحلة كاتدرائية إشبيلية.

• عمارة عصر النهضة أو فن بلاتيريسك (القرن  16)

تميزت العمارة الأندلسية خلال عصر النهضة بإبراز العديد من التفاصيل والزخرفة الفضية وتُعدّ قاعة المدينة (بالإنجليزية: Ayuntamiento ) من أشهر معالم هذه الفترة التاريخية، ويشار إلى أنه خلال فترة العصور الوسطى طور المهندس المعماري خوان دي هيريرا أسلوبًا خاصًا في العمارة والذي سمي على اسمه، هيريرا (بالإنجليزية: Herrera)، ويتميز  بصرامته وهندسته الفريدة وأهم معالم هذا الأسلوب قصر الإسكوريال (بالإنجليزية: El Escorial).

• عمارة الباروك الأندلسية

يُعدّ فن الباروك أحد أشهر أنواع الهندسة المعمارية في الأندلس ويتميز بفخامته وتركيزه على الزخرفة الكثيفة التي تغطي واجهة المباني بأكملها وأهم معالم هذه الفترة التاريخية دير لا كارتوجا (بالإنجليزية: Monasterio de la Cartuja)، ويشار إلى أن الأندلس كانت المقاطعة الوحيدة في إسبانيا التي اشتهر فيها فن الباروك ومن أشهر المعالم التاريخية المبنية بالاعتماد على فن الباروك كنيسة القديس يوسف (Iglesia de San José).

خصائص العمارة الأندلسية ومميزاتها

تتمتع العمارة الأندلسية بالعديد من الخصائص التي تميزها عن غيرها من فنون العمارة وفيما يأتي ذكرها:

• تميزت المباني الأندلسية التقليدية بسمة الجدران المشتركة المطلية بمادة الكلس والتي بنيت لتقلل من درجة حرارة الصيف خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
• تميزت المباني الأندلسية بتوفر فناء داخلي، وهو السمة المميزة لأغلب الأبنية الأندلسية في مختلف المناطق.
• تميزت العمارة الأندلسية ببروز العنصر الزخرفي بصورة واضحة إضافة إلى استخدام الحواجز الحديدية والبلاط المطلي.

أبرز معالم العمارة الأندلسية

تضم العمارة الأندلسية العديد من المعالم الأثرية وفيما يأتي أبرزها والتعريف بها:

• قصر الحمراء

تُعدّ مدينة غرناطة أهم المدن الضامة للمعالم الأندلسية الإسلامية والتي من أهمها قصر الحمراء الذي شيد في القرن الرابع عشر ميلادي ويتميز بعمارته وحدائقه وزخرفته الهندسية.

• مسجد قرطبة

بُني مسجد قرطبة ما بين عام 786 و988 ميلادي ويُعدّ أهم نصب تذكاري في العالم الإسلامي الغربي وأولها مما أكسبه قيمة تاريخية عظيمة.

• مدينة الزهراء

بُنيت مدينة الزهراء في قرطبة بهدف جعلها مقرًا للخلافة في القرن العاشر ميلادي إذ تميزت آنذاك إمارة قرطبة بقوتها في العالم الغربي من حيث عدد السكان والثقافة والسياسة.

• لا جيرالدا وتوري ديل أورو

يُعدّ برج لا جيرالدا أحد أهم مورثات عصر العمارة المغربية والذي يشكل رمزًا لمدينة إشبيلية ويتميز بأنماطه المعمارية المختلفة إذ يضم العديد من الثقافات التي سكنت المدينة، بينما يُعدّ توري ديل أورو ثاني أهم المباني الذي يعود بتاريخه لعصر العمارة المغربية  إذ بني هذا البرج لأهداف دفاعية بأمر الحاكم الموحدي أبي العلا.

• قصر المورق

يُعدّ قصر المورق من أهم المعالم الأندلسية المغربية الذي أدرج في قوائم التراث العالمي عام 1987م، والذي بُني لأهداف دفاعية في إشبيلية في القرن العاشر ميلادي بأمر من عبد الرحمن الثالث، ويتميز ببنائه المعماري الأندلسي واستخدام المساحات والحدائق بطريقة جديدة، إضافة إلى استخدام التقنيات المائية الجديدة مثل النوافير والبرك لتصبح جزءً من البناء في العمارة الأندلسية.

• الحمامات العربية في روندة

برز ضمن العمارة الأندلسية الحمامات العربية والتي يمكن من خلالها التعرف على الحياة اليومية للمجتمعات الإسلامية، ويشار إلى أن هذا الشكل من العمارة الأندلسية ميز فترة الحكم الإسلامي بصورة خاصة إذ لم يتم العثور على هذا الشكل المعماري في العمارة المسيحية أو العمارة اليهودية، وأهم ما يميز عمارة الحمامات الأندلسية وجود غرفة للملابس وغرفة باردة وأخرى ساخنة واستخدام النظام الهيدروليكي مع عجلة الماء.

• قصر الجعفرية

بني قصر الجعفرية في سرقسطة في القرن الحادي عشر ميلادي كقصر ترفيهي للملوك المسلمين بالاعتماد على العمارة المدجنة وأهم ما يميز قصر الجعفرية أنه يعكس ذروة ازدهار ممالك الطوائف والذي اعترف به ضمن مواقع التراث العالمي في أراغون.