شكّلت العمارة الحديثة ثورة في عالم البناء وساعد اختراع الفولاذ والخرسانة المسلحة على ذلك مما سمح بإحداث تغيير جذري في شكل المباني المتكيف مع الثقافة الفكرية الحديثة والخالي من الزخرفة والخاضع للقدرة التخيلية للمهندسيين المعماريين، ويشار إلى أن المحرك الأول للعمارة الحديثة هو الجهد الصناعي المتطور والمستمر لمدة قرنين من الزمن والذي ابتدأ في القرن التاسع عشر ميلادي.
ويُشار أيضًا إلى أن النصف الأول من القرن العشرين كان الخط الفاصل بين العمارة الحديثة وما قبلها إذ قادت الحركات الدولية والتعبيرية والشكلية الجديدة مهمة تطوير أنماط العمارة المختلفة ليظهر مبدأ الشكل يتبع الوظيفة كأحد أهم مبادئ العمارة الحديثة والناتج عن فلسفة المهندس المعماري لويس سولفيان.
مفهوم العمارة الحديثة
العمارة الحديثة (بالإنجليزية: Modern Architecture) هي أحد أشكال البناء المعتمدة على التصنيع الآلي بدلًا من الحرف اليدوية والابتكار، والذي يؤكد على الوظيفة والشكل المبسط إذ يظهر بشكل خطوط حادة خالية من التفاصيل والتزيين.
ويشار إلى أن مصطلح العمارة الحديثة يُشير إلى المباني المصممة والمبنية ضمن إطار اجتماعي وفني وثقافي حضري في القرن العشرين، وتحديدًا ما بعد الحرب العالمية الأولى، والتي ساعدت على حل طفرة السكن الناتجة عن الهجرة والصناعات الجديدة والمتميزة بالتحرر من القواعد التاريخية في النمط المعماري إذ يكون للمصمم المعماري حرية التعبير والابتكار فيها.
تاريخ العمارة الحديثة
تعود جذور العمارة الحديثة إلى عام 1893م إذ بني معرض شيكاغو العالمي من العديد من المباني الحديثة والمتطورة في الولايات المتحدة، حيث كان المهندس المعماري دانيال بورنهام أول من جمع الفريق الهندسي المعماري لإتمام إنشاء المعرض، وبحلول عام 1930م تطورت العمارة الحديثة بصورة كبيرة خاصة في الولايات المتحدة، إذ أصبحت العديد من المساكن تظهر على شكل منزل أو مسكن الأسرة الواحدة، والتي تراعي مبدأ الشكل يتبع الوظيفة إشارة إلى ضرورة إنشاء مباني بناءً على الحاجات الأساسية للإنسان، إضافة إلى العملية.
وهنالك من يشير إلى أن العمارة الحديثة تعود إلى أوروبا وتحديدًا إلى القرن التاسع عشر ميلادي أذ أصبحت العمارة خلال هذه الفترة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمفهوم التقني والصناعي ومتحررة من التقليد التاريخي المرتبط بعمارة عصر النهضة، حيث تسائل المهندسون المعماريون عن السبب الحقيقي في تقليدهم العمارة القديمة لتتخذ العمارة آنذاك مسارًا جديدًا معتمدة على تطلعات المعماريين المختلفة والحديثة.
والجدير ذكره أنه نتيجة للثورة الصناعية في القرن التاسع عشر ميلادي، حدثت العديد من التغيرات على أساليب المعيشة مما تطلب تطوير العديد من أشكال المباني لتتماشى مع أسلوب الحياة الحديث، والتي من أهمها التحكم الكبير بالمسافات والهياكل ذات الطول والأرضيات ذات المساحات المفتوحة.
ومن الأسباب التي ساعدت على ظهور العمارة الحديثة ما بعد الثورة الصناعية انتقال رؤوس الأموال من الكنيسة والحكومة إلى رجال الأعمال الذين تولوا مهمة تمويل المشاريع البنائية الجديدة، والجدر ذكره أن الكنيسة والحكومة أو الطبقة الأرستقراطية كانت الجهات المسؤولة عن تمويل العمارة ما قبل الثورة الصناعية والتي كانت جميعًا تُعنى بالقيمة التاريخية، بينما رجال الأعمال الذين استولوا على الثروة بعد ذلك لم يكونوا مرتبطين بثقافة دينية أو حكومية محددة مما جعلهم منفتحين على أشكال جديدة من العمارة.
خصائص العمارة الحديثة
تتميز العمارة الحديثة بالعديد من الخصائص وفيما يأتي ذكرها وبيانها:
- الخلو من التفاصيل
تفتقر العمارة الحديثة لأي من الخطوط المزخرفة فهي نظيفة تظهر بشكل مستطيل واضح المعالم، وتعتمد أيضًا على المساحة الأفقية والأسقف العريضة، إلى جانب استخدام الزجاج بكميات كبيرة بما يسمح للضوء بالدخول إلى المباني.
- استخدام الأنظمة والمواد الحديثة
تعتمد العمارة الحديثة على المواد الحديثة في البناء مثل الفولاذ والخرسانة والمساحات الخالية من الأعمدة وأنظمة التدفئة المشعة، ويتم استخدام المواد الخام مثل الحجر والخشب والطوب في العمارة الحديثة بطريقة مبتكرة.
- الترابط بين الموقع والمبنى
تعتمد العمارة الحديثة على إجراء الدراسات الجغرافية للمكان قبل إنشاء البناء بما يسمح بإخراج أفضل تصميم يتوافق مع البيئة الخارجية من حيث الموقع والمناخ وغيره.
- التصميم غير المتناظر
تم التخلي في العمارة الحديثة عن مبدأ التناظر في التصميم إذ أنتج المهندسون المعماريون العديد من التصاميم بأشكال كبيرة غير متشابهة تم تصميمها بشكل بسيط بعيدًا عن التزيين والتعقيد.
- التطور الهندسي
تتميز العمارة الحديثة بالتطور الهندسي الذي يمنح المباني طابع مرن متكيف مع تصورات المهندسين المعماريين، والجدير ذكره أن هذه الخاصية سمحت بإنتاج العديد من المباني الفريدة والتي من أهمها ناطحات السحاب المتميزة بمرونتها ووزنها الخفيف.
- الراحة والصحة
تتميز العمارة الحديثة بإنشاء العديد من المباني التي توفر الراحة والصحة بالدرجة الأولى، إذ أصبحت المساحات في العمارة الحديثة ذات تهوية جيدة ومعرضة للضوء بدرجة كافية، وأصبحت المعايير المستخدمة في البناء خاضعة للأسس الصحية بما يمنع تشكل الأمراض أو التأثر بها نتيجة التصميم السيء.
- خدمة التطور الاجتماعي
ساهمت العمارة الحديثة في إنتاج العديد من أشكال المباني التي ساعدت على الازدهار الاجتماعي إذ صُممت المدارس والملاعب والحدائق والمساكن الاجتماعية وغيرها بصورة حديثة تلبي احتياجات الجميع في أي دولة من دول العالم.
أشهر مهندسين العمارة الحديثة
تضم العمارة الحديثة أبرز أسماء المهندسين المعماريين على مستوى العالم وفيما يأتي ذكرهم والتعريف بهم:
- فرانك جيري (FRANK GEHRY)
يُعدّ فرانك جيري من أكثر المهندسين المعماريين ابتكارًا وتميزًا إذ استطاع تصميم المباني بشكل فريد وكأنما تتحدى الجاذبية، ومن أشهر المباني المصممة من قبله متحف جوجنهايم في بلباو في إسبانيا، ويشار إلى أن جيري لقب بأهم مهندس معماري حسب صحيفة فانتي فير كونه أحد أهم السبّاقين في الهندسة المعمارية الحديثة، ومن الجدير ذكره أن جميع المباني المصممة من قبل جيري تشكل نقاط جذب سياحي في مختلف بلدان العالم.
- زها حديد (ZAHA HADID)
تُعدّ المهندسة المعمارية العربية زها حديد أحد أهم رواد العمارة الحديثة وأول مهندسة معمارية فازت بجائزة بريتزكر للهندسة المعمارية التي تعادل جائزة نوبل في الهندسة المعمارية، وأهم ما يميز أسلوب حديد في العمارة أنه غير تقليدي وجريء وفني وذي مساحات مفتوحة.
- فيليب جونسون (PHILIP JOHNSON)
يُعدّ فيليب جونسون مؤسس قسم الهندسة المعمارية والتصميم في متحف الفن الحديث في مدينة نيويورك، ومن أشهر أعماله المعمارية منزله الزجاجي في ولاية كونيتيكت، وأهم ما يميز أسلوبه المعماري استخدام الزجاج والصلب والكريستال.
- توم رايت (TOM WRIGHT)
يُعدّ المهندس المعماري البريطاني توم رايت من أعظم المهندسين على مستوى العالم إذ صمم برج العرب في دبي والذي تميز ببنائه الطويل وتوفر وسائل الراحة فيه آنذاك، إضافة إلى احتوائه على أطول ردهة في العالم المجهزة بمنصة هبوط الطائرات، إلى جانب أطول ملعب تنس في العالم.
- لودفيج ميس فان دير رو (LUDWIG MIES VAN DER ROHE)
يعرف المهندس الألماني الأمريكي لودفيج ميس فان دير رو كأحد رواد العمارة الحديثة والمتميز بأسلوبه البسيط إذ اشتهر بمبدأ الأقل هو الأكثر، وعمد إلى استخدام ألواح الزجاج والفولاذ الهيكلي في تقسيم المساحات الداخلية، ويُعد برج سيغرام Seagram)) من أشهر أعماله المعمارية.