كانت للعمارة اليابانية جذورًا راسخة ضمن أنواع العمارة العالمية المختلفة إذ وجدت قبل القرن الأول الميلادي وتطورت وأخذت خصائصها وميزاتها الفريدة مع نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع ميلادي، حيث تأثرت اليابان آنذاك بالعمارة الآسيوية بصورة خاصة واستخدمت الأخشاب مادة أساسية في البناء إذ أنها آمنة ومقاومة للزلازل، إضافة إلى نقص مادة الحجر الطبيعي بسبب زيادة النشاط البركاني في المنطقة.

ومن الجدير ذكره أن العمارة اليابانية تطورت عبر مراحل عدة مختلفة وأخذت شكلًا مستقلًا بها أطلق عليه اسم العمارة اليابانية التقليدية في فترة حكم إيدو من منتصف القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، وأصبحت العمارة اليابانية بعد ذلك تشترك مع العمارة الأوروبية في العديد من الخصائص خاصة خلال فترة العصور الوسطى، إلا أنها حافظت على بساطتها، ويُشار إلى أن اليابان اليوم إحدى الدول الرائدة في مجال العمارة والتصميم بسبب التقدم التقني العالي لديها.

ويُشار إلى أن العمارة اليابانية تطورت ضمن قالب أو أسلوب يعتمد بصورة مباشرة على الثقافة والطبيعة، فيمكن رؤية العديد من الخصائص العامة للعمارة اليابانية التي تعكس هذه المفاهيم والتي من أهمها ارتفاع الهياكل الخشبية للبناء عن الأرض واستخدام الأسقف القش والأبواب المنزلقة (فوسوما) للفصل بين المساحات والتحكم بها واستخدام المساحات الأرضية للجلوس وتهيئتها بالوسائد، إذ لم تظهر أي من وسائل الراحة التقليدية كما في أنواع العمارة المختلفة مثل المقاعد أو المناضد العالية في مساحات الجلوس.

مفهوم العمارة اليابانية

العمارة اليابانية (بالإنجليزية: Japanese Architecture) هي العمارة التي تعود بجذورها إلى معتقدات البوذية والشنتو وتعتمد بصورة أساسية على الطبيعية والعالم الروحي -وراء الوجود البشري- والبارزة بصور أساسية خلال القرن السابع ميلادي في اليابان، والتي ضمت المباني الدينية بصورة أساسية علامة مميزة لها لاعتمادها على معايير الدين والمعتقدات الثقافية الخاصة بها في التصميم والعمارة.

ويمكن تعريف العمارة اليابانية بأنها العمارة المعتمدة بصورة أساسية على استخدام مادة طبيعية في البناء، وهي الخشب، خاصة في مراحل نشأتها الأولى إضافة إلى استخدام القواطع المتحركة المساعدة على التحكم بالمساحات في نطاق المنزل أو العمارة، والخالية من استخدام مادة الزجاج والمتميزة بوجود شرفة خشبية واسعة تحيط بمساحة العمارة يطلق عليها اسم إنجاوا.

تاريخ العمارة اليابانية

تطورت العمارة اليابانية عبر عشر مراحل أساسية في التاريخ وفيما يأتي ذكرها والتعريف بها:

  • الفترة التكوينية

يشير مصطلح الفترة التكوينية للعمارة اليابانية إلى الفترة التاريخية البعيدة ما قبل الميلاد وتحديدًا خلال العصر الحجري القديم أي ما يقارب 30000 عام قبل الميلاد وغالبًا ما تقسم هذه المرحلة إلى ثلاث مراحل أساسية وهي:

المرحلة الأولى: فترة جمون

تنقسم هذه الفترة من تاريخ العمارة اليابانية إلى ست مراحل أساسية منذ 10500 ق.م وحتى 300 قبل الميلاد وأهم ما يميز هذه المرحلة استقرار المجتمعات وتشكل المستوطنات واستخدام المواد الطبيعية بصورة ذكية في البناء والعمارة، إذ كانت المنازل اليابانية يطلق عليها اسم الحفرة بادئ ذي بدء وكانت تتكون من حفرة ضحلة وأرضية ترابية مبللة وسقف عشبي، لتتطور بعدها وتظهر بشكل مخروطي.

وفي مراحل متأخرة من المرحلة التكوينية استخدمت الحجارة والفخار في العمارة، وخاصة في بناء المدافن، وبدأت العديد من القبائل في مختلف المناطق تظهر توحدًا ثقافيًا ضمن مفهوم العمارة مما أدى إلى انتشار استخدام الحجارة الطويلة كطقوس ثقافية معمارية واحدة.

المرحلة الثانية: فترة يايوي

أبرز ما أنتجت ثقافة يايوي في العمارة اليابانية (القرن الثالث ق.م وحتى 250م)  استخدام الفخار بصورة أساسية، وكما تشير السجلات التاريخية سافر سكان اليابان إلى كوريا للبحث عن مادة الحديد لاستخدامها في البناء، وتجدر الإشارة إلى أن الصيد والزراعة كان لهما الأثر الكبير على العمارة وشكلها من خلال التجارة إذ ساعدت على تبادل الثقافات مع الصين وكوريا وأخذ الكثير من أشكال العمارة الآسيوية إلى اليابان، وأهم أشكال العمارة اليابانية في هذه الفترة مخزن الحبوب المرتفع المصنوع من القش.

المرحلة الثالثة: فترة تومولوس

ما بعد عام 250م، برزت المقابر الترابية الحجرية ضمن العمارية اليابانية والتي تطورت على مدى 450 عامًا، وأهم ما يميز هذه المدافن بنائها ضمن المناطق المرتفعة (تلال)، إذ كانت تطل على أراضي زراعية ذات محاصيل، ويشار إلى أنه خلال هذه الفترة ظهر نظام الكتابة الصيني والذي تم إدخاله إلى العمارة اليابانية إذ شكلت المدافن آنذاك إرثًا بصريًا ثقافيًا حيث استخدمت الأحرف الصينية والرسوم اليابانية بصورة واسعة للتعبير عن توجه العمارة ومعتقدها وحالتها بصورة عامة.

  • فترة أوساكا

تُعدّ فترة أوساكا فترة مفصلية في تاريخ العمارة اليابانية إذ اهتمت اليابان بالثقافات القارية، خاصة الكورية والصينية، إضافة إلى تأثرها بالفلسفة البوذية عندما كان عمرها الفعلي 1000 عام إذ أصبحت دين الدولة الأساسي ما بعد عام 598م، وساعد هذا التحول على ظهور الأساليب الفنية والثقافية مثل النحت والرسم في العمارة اليابانية، وصُممت أيضًا المعابد بالاعتماد على نماذج قارية واستمر الحال على ذلك حتى نهاية القرن السادس ميلادي، ويُشار إلى أن الأرز الياباني كان من أهم المواد المعمارية المستخدمة في البناء في هذه المرحلة.

ومن الجدير ذكره أن أهم ما يميز شكل العمارة خلال هذه المرحلة اعتماد الهياكل المعمارية على الأعمدة الخشبية ذات القواعد الحجرية، إضافة إلى الاعتماد على مفهوم الركيزة الأساسية في البناء (قاعدة(.

  • فترة الهاكوهو

تميزت هذه الفترة من تاريخ العمارة اليابانية (ما بعد 654م) بسيادة الطابع البوذي إذ تم التوسع في بناء المعابد من قبل الأرستقراطيين وخصصت الأموال بكثرة لتلك الغاية واستخدمت الفنون لإبراز الأيقونات المعبرة عن الإيمان في المعابد.

  • فترة نارا

امتدت فترة نارا من 784-710م وهي فترة ازدهار العمارة اليابانية، إذ بدأت اليابان بتشكيل ثقافتها الخاصة وانخفض اتصالها الثقافي مع الصين وكوريا وبرزت الفلسفة اليابانية الخاصة التي تعطي قيمة وأهمية للطبيعة والروح من خلال الديانة البوذية وأهم ما يميز العمارة اليابانية خلال هذه الفترة تشييد التماثيل الضخمة التي من أهمها تمثال بوذا العظيم، إضافة إلى بناء الأديرة.

  • فترة هييان

تميزت فترة هييان من 784 وحتى القرن الثاني عشر ميلادي بازدهار الثقافة والفن، إذ ازدهرت الفنون والآداب البصرية بصورة مستقلة عن أغلب الثقافات الأخرى مما ساعد على نشوء الفن العلماني وتطور الفن الديني بشكل خاص الذي انعكس أثره على العمارة اليابانية، وظهرت أيضًا مدرستان للبوذية الباطنية، تينداي وشينغون، اللتان تركتا أثريهما على العمارة بصورة أساسية، وأهم ما يميز العمارة خلال هذه الفترة استخدام التمثيلات والرسومات والمنحوتات.

  • فترة كاماكورا

تميزت فترة كاكاكورا ما بعد منتصف القرن الحادي عشر وحتى نهاية منتصف القرن  الثاني عشر بزيادة تأثير البوذية وخاصة الطائفة (زن) والرهبان الصينيين النازحين على الثقافة اليابانية بسبب فتوحات المغول مما أدى إلى نمو حركة دينية شعبية انبثق عنها العديد من المعتقدات الأميدية، وأهم ما يميز العمارة خلال هذه الفترة زيادة إظهار الأيقونات البوذية الدينية وزيادة طول البناء واستخدام الأقواس واستخدام الخطوط البسيطة المماثلة.

  • فترة موروماتشي

تميزت فترة مورومانشي (1573-1338م) بتوحيد الثقافة بين مختلف الطبقات الاجتماعية مما انعكس على ممارسة الفنون البصرية التي شكلت العمارة جزءً منها، وأهم ما يميز العمارة خلال هذه الفترة تحدي الأنماط الراكدة والتقليدية في التصميم المعماري وإيجاد مساحة خاصة في العمارة يطلق عليها غرفة الشاي المكونة من حافة صغيرة ورفوف ونوافذ منزلقة، ويُشار إلى أن إنشاء هذا الجزء من العمارة اليابانية كان بهدف التأمل والتذوق.

  • فترة أزوتشي موموياما

على الرغم من قصر فترة أزوتشي موموياما الممتدة من 1598-1534م، أثرت هذه الفترة على العمارة اليابانية إذ شيدت خلالها القلاع سمة مميزة للعمارة اليابانية خلال هذه الفترة، إضافة إلى ظهور الزخرفة بصورة واسعة.

  • فترة توكوجاوا أو إيدو

امتدت فترة توكوجاوا أو إيدو من عام 1598م وحتى القرن التاسع عشر ميلادي والتي تميزت ببروز الفلسفة الكونفوشيوسية والتأثر بالثقافات الغربية بصورة كبيرة جدًا مما جعل الفنانين اليابانيين يطورون رؤى جديدة في التصميم والبناء، وظهر أيضًا الاهتمام بالمدرسة الكلاسيكية في الفنون المرئية مما انعكس على العمارة اليابانية بشكل عام، إذ كانت المنحوتات الزخرفية والألوان والخطوط والأقواس المبالغ فيها سمات مميزة للعمارة اليابانية آنذاك.

  • العمارة اليابانية الحديثة

تُعرف العمارة اليابانية الحديثة بأنها العمارة المنتشرة خلال أربع فترات أساسية وهي فترة ميجي (1912-1868) وفترة تايشو )1929-1912م) وفترة شوا (1929-1989م) وفترة هيسي (1989- حتى يومنا الحالي)، وأهم ما يميز العمارة اليابانية خلال هذه الفترات استخدام المعدات والتقنيات الحديثة نتيجة الثورة الصناعية الهائلة خاصة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى استبدال الخشب بالطوب المقوى وبروز الطراز الأوروبي كأسلوب طاغي على فن العمارة واستخدام الفولاذ والخرسانة في البناء.

خصائص العمارة اليابانية

تتمتع العمارة اليابانية بالعديد من الخصائص التي تميزها عن غيرها من أنواع العمارة الأخرى على مستوى العالم، وفيما يأتي أهم خصائص العمارة اليابانية وبيانها:

  • استخدام المواد الخام

استخدمت العمارة اليابانية عبر قرون عدة الخشب مادة خام أساسية في البناء، ويرجع السبب في ذلك إلى خطر تشكل الزلازل المستمر في تلك البقعة الجغرافية من الكرة الأرضية، والجدير بالذكر أن استخدام الخشب في العمارة اليابانية حظي باهتمام وتقدير كبير إذ لم يكن يطلى وغالبًا ما استخدم بشكلة الطبيعي.

غالبًا ما استخدمت الشوجي (شاشات متحركة) وفوسوما (أبواب منزلقة) في العمارة اليابانية التقليدية إذ ساعدت وبصورة كبيرة على تنظيم المساحات وإعادة تقسيمها بسهولة عند الحاجة، وغالبًا ما كانت هذه الأدوات تصنع من مواد ورقية رقيقة تسمح بدخول الضوء والظلال.

  • استخدام التاتامي (الحصيرة)

شكلت التاتامي جزء لا يتجزأ من العمارة اليابانية على الرغم من تصنيفها ضمن التصميم الداخلي إلا أنها عكست الثقافة اليابانية الخاصة والتي استخدمت بدلًا من الكراسي والأسِرّة في العديد من المنازل التقليدية والتي لا تزال تستخدم حتى يومنا الحالي، ويشار إلى أن التاتامي تتميز برائحتها الخشبية الفريدة التي تعطي المنازل رائحة وطابعًا خاصًا.

  • الشرفات

تتميز العمارة اليابانية وخاصة التقليدية بوجود شرفة خشبية مرتفعة في محيط المنزل بأكمله، وغالبًا ما تظهر هذه الميزة المعمارية في غالبية أفلام الأنمي والأفلام اليابانية رمزًا ثقافيًا خاص بالعمارة اليابانية.

  • جينكان

تميزت العمارة اليابانية بوجود مساحة فاصلة ما بين الباب الأمامي للمنزل وبقية المنزل وهي مساحة مخصصة للأحذية والتي يطلق عليها اسم جينكان، ويشار إلى أن هذه المساحة طورت ضمن العمارة اليابانية للحفاظ على نظافة المساحة الداخلية للمنزل.

  • العلاقة مع الطبيعة

كان لمعتقدات البوذية والشنتو أثر كبير على العمارة اليابانية إذ تعكس أغلبية المباني العلاقة بين البشر والطبيعية حيث بُنيت المنازل والبيوت بناء على عدة معايير أهمها وصول أشعة الشمس للمنزل واستخدام المواد الخام في البناء مثل الخشب والاختيار الاستراتيجي لموقع المنزل بحيث يتضمن اطلالات على الطبيعة، وصممت العمارة اليابانية ونفذت بما يتوافق مع العوامل الطبيعية المناخية وتغيير الفصول.

أشهر معالم العمارة اليابانية عبر التاريخ

ضمت العمارة اليابانية العديد من المعالم المعمارية الشهيرة التي عكست ثقافة اليابان وتاريخه عبر سنوات عدة وفيما يأتي أهمها:

  • معبد بيودو إن (القرن 10 ميلادي)
  • بيوت مزارع الغاشو زوكوري (فترة إيدو(
  • فيلا كاتسورا الإمبراطورية ( القرن 17 ميلادي)
  • قلعة هيكون (القرن 7 ميلادي)
  • نيجورو-جي، معبد بوذي (القرن 11 ميلادي)
  • ضريح نوشوغو