يقع جامع سامراء الكبير في محافظة سامراء العراقية، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة والتي تبعد عن بغداد مسافة 118 كم مربع من الجهة الشمالية، ويُعدّ الجامع أحد أبرز المعالم الأثرية التي تركها العباسيون في العراق ويصنف بأنه الأكبر في العالم.

بُني الجامع بأمر من الخليفة العباسي المتوكل على الله في الفترة ما بين عامي 848م ـ 851 م، ويُعرف بجامع الملوية نسبةً لمئذنته الملوية التي تتميز بتصميمها الفريد الذي يختلف عن جميع مآذن العالم الإسلامي الأثرية أو الحديثة.

عمارة جامع سامراء

بُني جامع الملوية على أرض مستطيلة مساحتها 38.000 متر مربع، ويحيط به جدار خارجي متين وضخم جدًا بُني من الطوب بارتفاع 10 أمتار وسماكة 2.70 متر، ويدعمه 44 برجًا نصف دائري يبعد كل واحد عن الآخر مسافة 15 مترًا، وللمسجد ستة عشر بابًا يستطيع المرء دخول الجامع من أي بابِ أراد، ويتألف الجامع من بيت للصلاة مكون من تسعة أساكيب و25 بلاطة، وواجهتين شرقية وغربية تتألف كل واحدة منها من أربعة أروقة، ومؤخرة تتكون من ثلاثة أساكيب، ويحيط بالمؤخرة صحن مستطيل ويوجد في الصحن نافورة ماء دائرية.

واستخدم في تشييد الجامع الطابوق والجص، واستخدم في تشييد أرضيته طابوق مربع تم رصه بدقة متناهية، وأروع ما في الجامع جدار القبلة إذ يتكون من صف من النوافذ الصغيرة مستطيلة الشكل يبلغ عددها أربع وعشرين نافذة، وعند فتحها فإن كل واحدة منها تطل على بلاطة من بلاطات بيت الصلاة البالغ عددها خمس وعشرين بلاطة، باستثناء بلاطة المحراب فهي تخلو من النوافذ، وبالطبع فإنّ الغاية من هذه النوافذ هو إدخال الهواء وأشعة الشّمس إلى المُصلى، ومن الجدير بالذكر أنّ الجامع يتسع لما يزيد عن 100.000 مُصلٍ.

مئذنة الجامع

في الحقيقة تُعد المئذنة الملوية لجامع سامراء أبرز ملامحه وهي من منحته شهرة كبيرة، وهي مأذنة فريدة بين مآذن الجوامع الأخرى، بجانب أنها الأقدم في العراق، وتقع المأذنة خارج أسوار الجامع فتبعد عنه مسافة 27.20 م، وتتخذ المئذنة الشكل الحلزوني وترتكز من الأسفل على مصطبة مربعة الشكل لها طبقتين طول الطبقة الأولى الملامسة للأرض 31.80 متر وطول الطبقة الثانية 30.5 متر.

أما عن تفاصيل المئذنة، فتتكون من طبقتين، الأولى هي جسم المئذنة ويتخذ الشكل الأسطواني، والثانية هي الطبقة الخارجية وهي سلم حلزوني يدور حولها بعكس اتجاه عقارب الساعة، وفي القمة أو الجزء العلوي للمئذنة تخترق أخر درجة من السلم الحلزوني الجسم الأسطواني وكأنها تندمج معه، ويبلغ قطر القمة 3 أمتار أما طول المئذنة فيبلغ 50 مترًا عدا القاعدة، والمئذنة مبنية بالكامل من الآجر الأحمر.

وتنوعت الآراء التي تُفسر سبب بناء المئذنة بهذا الشكل، ولكن يبقى القول الراجح الذي اتفق عليه الكثير من المؤرخين إنها بُنيت بهذا الارتفاع لتكون معلم بارز يمكن رؤيته من مسافات بعيدة، والغاية الأهم هي أنّ يُسمع صوت الأذان بكل سهولة.

تاريخ بناء المسجد

لا يخفى على أحد أنّ الخلافة العباسية عندما حكمت في القرن الثامن اتخذت من بغداد عاصمةً لها، ولكن في عام 836م نقل الخليفة العباسي المتوكل على الله عاصمة الخلافة إلى مدينة سامراء بسبب الصراعات والنزاعات الداخلية، وكانت تُعرف سامراء حينها باسم "سُرّ من رأى"، وبقي بها لمدة 56 عامًا، وخلال هذه الفترة بُنى العديد من القصور والمساجد والأسواق والمباني الجديدة، بما في ذلك مسجد سامراء الذي بدأ بناؤه عام 848م، وذلك تنفيذًا لخطة الحاكم ببناء مسجد في كل منطقة سكنية ليؤدي به المسلمون صلواتهم اليومية وصلاة الجمعة.

وفي عام 852م انتهت أعمال البناء وانفق على بناءه  308.212 دينار، ووصف المسجد حينها بأنه أكبر مسجد في العالم بمساحة إجمالية 38.000 متر مربع، وبقي كذلك لمدة 400 عام، وفي عام 1258م هاجم الحاكم المغولي هولاكو وجيوشه الدولة العباسية فتعرضت بغداد للدمار والتخريب بعد خمسة قرون من التقدم والازدهار، وبعد وقت قصير من احتلال بغداد وتدميرها توجهت جيوش المغول نحو سامراء ودمرت ممتلكاتها ومن ضمنها جامع سامراء، ولم يتبقى منه سوى سوره الخارجي ومأذنته الملوية.

وفي عام 2003م في أثناء الغزو الأمريكي للعراق تم تحويل المئذنة لقاعدة عسكرية للجيش الأمريكي، وتعرضت قبتها للتفجير، وفي عام 2005م تعرضت المئذنة لهجوم من قِبل مسلحين، وحينها قيل إن هؤلاء المسلحين أرادوا استهداف القوات الأمريكية وليس المئذنة، وقال آخرون إنّ الهجوم لم يكن موجهًا للقوات الأمريكية بل الهدف منه التحريض على العنف الطائفي بين السّنة والشّيعة وبالتالي زعزعة استقرار البلاد.

جامع سامراء في وقتنا الحاضر

 ما تزال المئذنة الملوية شاخصة حتى يومنا هذا وحافظ السور الخارجي على صموده وما يزال هناك بقايا للمسجد، ولكن من المؤسف القول إنّ المئذنة تتعرض يوميًا للتخريب بسبب بعض السلوكيات الضارة من قِبل الزائرين فيصر أغلبهم على حفر أسمائهم على جدران المئذنة، وفي عام 2018م قام أحد المخربين بهدم أحد درجات سلم المأذنة، لذلك تحاول الحكومة العراقية إيجاد آلية مناسبة لإيقاف المخاطر البشرية والبيئية على بقايا المسجد والسور والمئذنة الملوية، وفي عام 2007م أدرجت اليونسكو آثار مدينة سامراء ومنها المئذنة في لائحة التراث العالمي المُهدد بالخطر، واشترطت على الحكومة العراقية اتخاذ عدة تدابير تصحيحية لرفع اسم المدينة من قائمة التراث المُهدد بالخطر.

وزيارة المئذنة والمسجد مُتاحة طوال أيام الأسبوع، ويستطيع الزوار الصعود لقمة المئذنة على مسؤوليتهم الخاصة، ولكن لا يُنصح بذلك لخطورة الأمر، ففي عام 2017م تسلق شاب عراقي المئذنة وعندما وصل للقمة سقط مما أدى لوفاته.

يمكنك الاطلاع على هذا المقال لمعرفة المزيد عن العمارة الإسلامية بشكلٍ عام وعلى هذا المقال لمعرفة المزيد عن المساجد في العمارة الإسلامية.