برزت العمارة الروسية ضمن العمارة العالمية بصورة مميزة عبر قرون عدة إذ شهدت العديد من المراحل المختلفة بدءً من العمارة الخشبية ومرورًا بالعمارة البيزنطية والمسيحية ووصولًا إلى العمارة المستقله الحديثة، وضمت أيضًا العديد من الأفكار والثقافات والمعايير الهندسية المتوافقة مع العوامل الجوية الخاضعة لجغرافية المنطقة، وتأثرت بشكل مباشر بالدين والعقيدة، ويمكن رؤية العديد من الخصائص المشتركة للعمارة الروسية التي من أهمها القباب ذات الشكل البصلي والأسطح المنحدرة الحادة والهياكل الشبيهة بالقبة والأبراج على شكل خيمة.

ومن الجدير ذكره أن العمارة الروسية تمثل مزيجًا مميزًا بين التطبيق العملي والبذخ الذي يعكس تاريخًا معقدًا من الفضيلة والقمع السوفيتي، ويُشار إلى أن كاثرين العظيمة، أحد أهم الحكام الروس عبر التاريخ، وابنها بول الأول هم  من نقلوا أسلوب العمارة الروسي من حيز الظلمة إلى النور إذ أصبحت العمارة الروسية في عهدهم أهم طراز معماري كلاسيكي منتشر في جميع أنحاء روسيا وأوروبا.

مفهوم العمارة الروسية

العمارة الروسية (بالإنجليزية: Russian Architecture) هي العمارة المنتشرة في دولة روسيا الممتدة عبر أوروبا الشرقية وشمال آسيا، والتي تبلغ مساحتها ثمن الأراضي المأهولة في السكان حول العالم وتتميز بخصائصها الفريدة التي تعود بجذورها إلى العمارة الخشبية والمتأثرة بالعمارة البيزنطية والوثنية، إذ أخذت بعض خصائصها من المعابد الوثنية السلافية.

تاريخ العمارة الروسية

تطورت العمارة الروسية عبر مراحل تاريخية عدة بدءً من القرن الأول ميلادي حتى يومنا هذا، وفيما يأتي ذكر أبرز المراحل والتعريف بها:

  • عمارة الفايكنغ في نوفغورد (القرن 1 ميلادي)

ظهرت العمارة الروسية في القرن الأول ميلادي من قبل الفايكنغ في مدينة نوغغورد –روسيا الآن– بشكلها الخشبي إذ ساعدت الأراضي الزراعية المليئة بالأشجار على استخدام الأخشاب مادة خام لبناء المساكن والملاجئ، وأهم ما يميز العمارة الروسية في هذه المرحلة أنها مستطيلة الشكل ذات أسقف منحدرة حادة، وتجدر الإشارة إلى أن الكنائس خلال هذه الفترة التاريخية بنيت أيضًا من الخشب من قبل الحرفيين.

  • العمارة الروسية في القرن 14 ميلادي

بحلول القرن الرابع عشر ميلادي بنيت الكنائس المعقدة في جزيرة كيجي إلا أنها اعتمدت أيضًا على الخشب مادة أساسية في البناء، وأهم ما يميز بناء الكنائس في هذه المرحلة جدرانها الخشبية الفوضوية وقممها المعقدة التي تشبه شكل البصلة المغطاة بالخشب والتي ترمز بشكلها في التقليد الكاثوليكي إلى الجنة، وتجدر الإشارة إلى أن جزيرة كيجي تعد حاليًا متحفًا مفتوحًا في الهواء الطلق للعمارة الخشبية في روسيا، وتُعدّ كنيسة قيامة لعازر أقدم كنيسة خشبية في روسيا، بينما تُعدّ كنيسة التجلي من أشهر الكنائس الخشبية في جزيرة كيجي والتي تتألف من 22 قبة بصلية مغطاة بالألواح الخشبية.

ويُشار  إلى أن العمارة الروسية في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر اشتهرت بتشييد الكرملين (القلعة) وبنائه، والذي يضم عادة القصور والكاتدرائيات والجدران الضخمة والأبراج، وهو في يومنا الحالي مركزًا لرئيس الاتحاد الروسي، وغالبَا ما يظهر الكرملين بشكل مثلث ويمتد على مساحة ما يقارب 364217 متر مربع، وتطور عبر القرون حتى يومنا الحالي.

بالإضافة إلى ذلك، شهدت العمارة الروسية في منتصف القرن الرابع عشر ميلادي تقدمًا في الأساليب المعمارية وتُعدّ كاتدرائية القديس باسيل من أشهر المباني في هذه الفترة التي بنيت على يد الراهب إيفان الرابع.

  • العمارة الروسية في القرن 16 ميلادي

شهدت هذه الفترة في العمارة الروسية انتشار الأفكار الأوروبية إذ انتشرت في سانت بطرسبرغ العمارة الشبيهة بالعمارة الأوروبية خاصة الكنائس والقصور والكاتدرائيات، وأشهر المباني خلال هذه الفترة كاتدرائية سمولني التي شُيدت من قبل المهندس المعماري الإيطالي راستريللي باستخدام أسلوب الروكوكو (بالإنجليزية: Rococo) الذي يتميز بزخرفته وأشكاله المعقدة، بالإضافة إلى قصر هيرميتاج الشتوي، ويُشار إلى أن فن الباروك وفن الروكوكو ازدهرا خلال هذه الفترة الزمنية مما أثر على العمارة الروسية بصورة كبيرة.

وفي نهاية القرن السادس عشر ميلادي، ساهمت الإمبراطورة كاثرين العظيمة في إبراز العمارة الروسية ونقلها إلى حيز العالمية إذ درست النقوش الكلاسيكية في العمارة والمباني الأوروبية وجعلت الكلاسيكية الأسلوب الطاغي على البلاط الإمبراطوري، ومن ثم على العمارة الروسية والأوروبية.

  • العمارة الروسية في القرن 19 حتى القرن 20

شهدت هذه الفترة في تاريخ العمارة الروسية تنشيط الاهتمام بالأساليب القديمة في التصميم وخاصة في القرن التاسع عشر ميلادي ومع حلول القرن العشرين ميلادي أثرت الثورة الفنية -الفنون البصرية- على العمارة الروسية، وكان للعصر الصناعي والاشتراكي أثر على شكل العمارة وتصميمها، وأهم المباني التي شيدة آنذاك ضريح لينين الظاهر بشكل هرمي مدرج من مكعبات بسيطة، وبحلول منتصف القرن العشرين ميلادي أخذت العمارة الروسية مسارًا جديدًا إذ عمد ستالين إلى بناء ناطحات سحاب على الطراز القوطي الجديد.

  • العمارة الروسية في القرن 21 ميلادي

بعد سقوط النظام الشيوعي ومع نهاية القرن العشرين ميلادي، شهدت العمارة الروسية حركة إحياء نشطة للبناء الحديث البعيد عن الزخرفة والنقوش مقارنة بعمارة  القرنين التاسع عشر والعشرين ميلادي، وأهم ما يميز العمارة خلال هذه الفترة استخدام التصميم البسيط والأشكال الهندسية الأساسية واستخدام الألوان بأدنى حد ممكن مقارنة بالعمارة خلال القرون السابقة، بالإضافة إلى انتشار اللونين الأحمر والأسود.

خصاص العمارة الروسية

تتمتع العمارة الروسية بالعديد من الخصائص التي تميزها عن غيرها من أساليب العمارة، وفيما يأتي ذكرها وبيانها:

  • التأثر بالطراز البيزنطي

ظهر الأسلوب البيزنطي مرتبطًا بالعمارة الروسية في المراحل التاريخية القديمة وتُعدّ كنيسة المسيح المخلص بالدم من أهم المباني الروسية التي يظهر خلالها الطراز البيزنطي بشكل جلي، وتجدر الإشارة إلى أن الأسلوب أو الشعور البيزنطي في العمارة الروسية ظهر بشكل مدمج مع الطراز الروسي وليس بشكل مستقل.

  • استخدام الخشب

استخدم الخشب عنصرًا من العناصر الأساسية في العمارة الروسية عبر قرون عده من القرن الأول ميلادي وحتى القرن الرابع عشر ميلادي، ويعود السبب في ذلك إلى أن روسيا تضم العديد من المساحات الشاسعة المحاطة بالغابات التي جعلت الخشب أهم عنصر متوفر ومناسب لبناء الكنائس والمنازل والأسوار، وغالبًا ما استخدمت الأخشاب بشكل مزخرف ومنحوت ومطلي في البناء الروسي.

  • الزخرفة

يظهر عنصر الزخرفة في العمارة الروسية بصورة كبيرة إذ يمكن رؤية العديد من اللوحات والجداريات المزخرفة من الخشب والطوب والفسيفساء في أغلب مداخل المباني، وهو ما يرتبط بصورة أساسية بالطراز البيزنطي، وتظهر أيضًا الزخرفة الصغيرة على النوافذ والأبواب والأعمدة.

  • النوافذ الضيقة والأقواس

تميزت النوافذ في العمارة الروسية بضيق حجمها وطولها وغالبًا ما كان الجزء العلوي من النوافذ يظهر بشكل مقوس طفيف، وظهرت أيضًا الأقواس في العديد من الأماكن في العمارة الروسية مثل الأبواب والأسقف.

أشهر المباني في العمارة الروسية

تضم العمارة الروسية أشهر المباني على مستوى العالم وفيما يأتي ذكرها:

  • كاتدرائية المسيح المخلص بالدم، موسكو
  • كنيسة التجلي، جزيرة كيجي
  • كاتدرائية القديس باسيلس، موسكو
  • كاتدرائية سمولني، سانت بطرسبرغ
  • قصر هيرميتاج الشتوي، سانت بطرسبرغ
  • قصر تافريتشيسكي، سانت بطرسبرغ
  • ضريح لينين، موسكو
  • كاتدرائية سيدة العلامة
  • الثالوث لافرا للقديس سرجيوس
  • مسرح البولشوي