تميزت العمارة الإسلامية باهتمامها بجميع النواحي الحياتية وبتنوع أشكالها المعمارية، فظهرت المباني الدينية مثل المدارس والمساجد، والأبنية العامة مثل البيمارستانات والحمامات والأسواق والأسبلة، أما على صعيد العمارة العسكرية فتمّ إنشاء التحصينات والقلاع والأربطة كمواقع دفاعية عسكرية.

خلفية تاريخية عن العمارة الإسلامية العسكرية

ارتبطت العمارة العسكرية الإسلامية بالتاريخين الحربي والسياسي للدولة الإسلامية، والتي مرت بسلسلة من المراحل المختلفة في علاقاتها الداخلية والخارجية، فإضافةً إلى الحروب والمعارك الطويلة التي خاضتها منذ بدء عصر الفتوحات الإسلامية، كان على الدولة أنْ تأخذ جانب التطور بالتزامن مع الأحداث الحربية التي تمر بها، وذلك لتوطيد أركان الدولة من خلال فرض الأمن فيها والدفاع عن حدودها ضد أي هجمات عدائية، والتي كانت تحدث بين الحين والآخر من قِبل شعوب وديانات أخرى، لذلك وجب على الدولة الإسلامية مواكبة هذه الصراعات من خلال إنشاء منظومة دفاعية حربية صامدة، وكانت الأربطة من أبرز أشكال هذه المنظومة.

ما هي الأربطة في العمارة الإسلامية؟

يُشير مصطلح الأربطة (بالإنجليزية: Ribat) إلى المباني العسكرية التي أُنشِأت لتكون خط الدفاع الأول عن الدولة الإسلامية، وكان الجنود وعائلاتهم يقيمون بشكل دائم داخل هذه الأبنية، فيمارسون فيها حياتهم المدنية والدينية إلى جانب جاهزيتهم واستعدادهم الدائم للتصدي لأي عدوان خارجي أو لإخماد أي فتنة أو خلل أمني داخلي، وقد تفنّن المعماريون المسلمون في بناء الأربطة على طول حدود الدولة، فكانت تُبنى على هيئة مبانٍ معمارية متماثلة يغلب على تخطيطها الشكل المستطيل، مع جدران حجرية مصفوفة بانتظام ومزودة بأبراج دفاعية محصنة، أما في الداخل فكان هناك فناء واسع محاط بغرف سكنية لإقامة الجنود وأسرهم، فضلًا عن وجود مسجد ومرافق عامة أخرى.

هل وُجدت استخدامات أخرى للأربطة بخلاف الوظيفة العسكرية؟

بلى، تعدّدت مهام العمارة الحربية الإسلامية بما فيها الأربطة وأصبحت تُستخدم لأغراض دينية ومدنية الغرض، حيث نشأت الأربطة في البداية كمنشأة عسكرية، ولكنها استُخدمت لاحقًا للعبادة والتصوف ومخازن لحفظ المواد الغذائية ومحطات تجارية ومحطات بريدية أيضًا، وكان يُشرف إداريًا من خلالها على سير العمليات التجارية وأمن الطرق، إضافةً إلى تخزين المياه في الصهاريج والخزانات، وكذلك مكان للخيول والمواشي، ولم تقتصر هذه الوظائف المستحدثة على الأربطة فقط، بل شملت معظم أشكال العمارة الإسلامية الحربية الأخرى.

هل تميزت العمارة الحربية الإسلامية عن بقية العمائر الإسلامية؟

بلى، تميزت العمارة الحربية الإسلامية عن باقي أنواع العمارة الإسلامية الأخرى بقوتها وفخامتها وسمكها، نظرًا للوظيفة الدفاعية المسنودة إليها في صد هجمات جيوش الأعداء، وانفردت العمارة الحربية الإسلامية ببعض العناصر التي ميزتها عن غيرها، مثل المزاغل (المنافذ) لرمي المواد الحارقة والسهام وكذلك للإضاءة، وتميزت العمارة الحربية أيضًا بقلة استخدام الزخارف فيها.

تراجع دور الأربطة

أدى توقف حركة الفتوحات الإسلامية إلى تراجع دور الأربطة، فضلًا عن تغير استراتيجيات الجيوش الإسلامية، وبالتالي تغيرت وظيفة الأربطة وفقدت طابعها الحربي، وهذا ما جعلها تُستخدم لعدة وظائف أخرى، وتغلبت عليها الوظيفة الدينية مع زيادة انتشار التصوف، مما جعل الأربطة تتحول إلى دور للصوفية، وبهذا انقلبت الأمور وأصبحت الأربطة تُبنى في داخل المدن بعد أن كانت تُشيّد على الأطراف والحدود، وباتت الأربطة ملاجئ لفئة من الناس الذين يستحقون الرعاية مثل ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وأصبحت الأربطة مأوى للمسافرين وعابري الطرق، وبذلك تحوّل دور الرباط تمامًا عن الوظيفة التي كان يُقام من أجلها، ومن الأربطة الحربية التي ما زالت قائمة حتى اليوم رباط المنستير في تونس، الذي بناه هرثمة بن أعين في عام 796م والرباط الثاني هو رباط سوسة على خليج قابس شمال إفريقيا، والذي بُني في عام 821م.

أشكال أخرى للعمارة العسكرية الإسلامية

كانت هناك عدة أشكال أخرى للعمارة العسكرية الإسلامية بخلاف الأربطة، من أبرزها ما يلي:

القلاع

القلعة لغةً هي الحصن على الجبل، وكانت القلعة في العمارة الإسلامية تُبنى قصرًا للحاكم أو الملك على جبل عالي أو تلة مرتفعة في ركن من أركان المدينة، وتُحاط بسور متصل بسور المدينة الأساسي، وتكون معززة بالعناصر الدفاعية المختلفة، مثل الأبراج والبوابات، وكانت القلاع تحتوي على ثكنات لإقامة الجنود ومستودعات لتخزين الأسلحة والمياه والغذاء وعدد من المرافق العامة الأخرى، ومن أشهر القلاع الإسلامية قلعة صلاح الدين الأيوبي في القاهرة.

الحصون

تشبه القلاع من حيث الشكل وما تحتويه، ولكن يمتاز الحصن بوقوعه على قمة جبل مرتفع قريب من المدينة ولكنه غير متصل بها، وكان يتم اختيار قمم الجبال العالية ذات المواقع المميزة والمطلة على المنطقة لبناء الحصون، والتي تكون متأهبة ومجهّزة بالجنود والعتاد باستمرار لصد أي هجمات عدائية.

الأسوار

تُعدّ الأسوار من أحد أشكال التحصينات العسكرية في العمارة الإسلامية، وتُبنى الأسوار العالية المجهزة بالأبراج ووسائل الدفاع والمراقبة الأخرى حول المدن لحمايتها وصد الهجمات المحتملة عنها، ومن أبرز العناصر الأساسية المتوفرة في الأسوار مرامي السهام ونوافذ لرمي القذائف وأبواب محكمة الإغلاق ومحمية ببرج حصين أو أكثر.

أبراج المراقبة

أبراج المراقبة أو كما يُطلق عليها اسم المناظر والطلائع هي مباني تُشيد على قمم الجبال وعلى طول الطرق الساحلية، وكان يقيم في كل برج عدد من الجنود على الدوام، تكمن وظيفتهم في مراقبة تحركات الأعداء والإبلاغ عن أي تحركات غير طبيعية من خلال إشعال النيران على قمة البرج، وعندما يراه البرج القريب منه يقوم بدوره بإشعال النيران، وهكذا إلى أن تصل الإشارة إلى العاصمة.