العمارة الإسلامية هي فئة معمارية عُمرها قرون وهي من أكثر الهياكل المبنية إثارةً للإعجاب في العالم بأكمله منذ بنائها وحتى يومنا هذا، وتميزت عن غيرها بالتفاصيل الزخرفية الدقيقة والمُعقدة والأشكال النحتية المُبهرة، ولم تكن العمارة الإسلامية بمعزل عن الحضارات الأخرى بل أنها كانت عبر تاريخها الطويل منفتحة على الحضارات فتأثرت بأنماط العمارة الرومانية والفارسية والبيزنطية.
وتُعدّ المساجد من أهم أشكال العمارة الإسلامية والتي اختصت بها وميزتها عن غيرها، وهي دور العبادة لدى المسلمين، والتي لا تكاد تخلو دولة إسلامية من المساجد التاريخية التي تروي جدرانها تاريخ الإسلام وعظمته، ولا يقتصر وجود المساجد التاريخية على الدول العربية والإسلامية، فخلال الفتوحات الإسلامية ترك المسلمون بصمتهم في عدة دول حول العالم من خلال بناء المساجد كمسجد شيرامان جمعة الذي يُعد أقدم مسجد في الهند ويعود تاريخ بناءه إلى عام 629 وبُني على يد مالك بن دينار البصري، وكذلك مسجد هوايشينج في الصين، ولا ننسى العديد من المساجد الموجودة في إسبانيا أهمها مسجد قرطبة الذي يتميز بهندسة معمارية مُدهشة وأدرجته اليونسكو على قائمتها كأحد مواقع التراث العالمي.
أقدم مسجد بُني في التاريخ الإسلامي
إنّ أقدم مسجد بُني في الإسلام هو مسجد قباء في المدينة المنورة وبناه الصحابة رضي الله عنهم وشاركهم البناء الرسول صلَّ الله عليه وسلم في عام 622 م، وكان بسيطًا في شكله فكان مربع لا تزيد مساحته عن أربعين مترًا مبنى من الحجارة وسعف النخيل وله ثلاثة أبواب، وعند تولى عمر بن الخطاب الخلافة وسع المسجد وأضاف عليه ثلاثة أبواب ليصبح له ستة أبواب، وعندما تولى عثمان بن عفان الخلافة وسع المسجد واستبدل الحجارة بسعف النخيل.
وفي الخلافة الأموية، جدده الخليفة عمر بن عبد العزيز حينما كان أميرًا على المدينة المنورة وأضاف عليه مئذنة هي الأولى منذ بنائه وأمر بتوسيع المسجد وإضافة رواق وصحن واسع، وفيما بعد توالت التحديثات على المسجد، وفي العصور الوسطى أخذ طابع الهندسة المعمارية فأضيفت له القباب وزادت عدد أروقته لتصبح ستة أروقة يتوسطها فناء واسع، وتواصل هذا الاهتمام في العهد السّعودي ففي عهد المك فهد بن عبد العزيز أُعيد بناء المسجد ومضاعفة حجمه ليتمكن من استيعاب الأعداد الكبيرة من الزوار، وخُصص مُصلى للنساء وأضيف له أربع مآذن وتسعة عشر بابًا وأصبح للمسجد خمسًا وستون قبة، ولا ننسى الملحقات التي أُضيفت سكنًا للحراس وسكنًا للمؤذنين والأئمة ومكتبة ووحدات وضوء ودورات مياه وأجهزة تبريد، وبهذه التوسعة أصبح المسجد قادرًا على استيعاب 7000 مصلٍ بمساحة إجمالية 13.500 متر مربع.
المساجد في زمن الرسول والخلفاء الراشدين
إنّ الهدف الرئيسي من بناء المسجد هو عبادة الله لذلك بُنيت المساجد في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والخلفاء الراشدين بشكل بسيط ومتواضع بعيدًا عن الزخارف والتفنن بالعمارة والإضافات الأخرى فاكتفوا من كل شيء بقدر الحاجة دون زيادة أو مبالغة، وذلك لانشغالهم بالفتوحات الإسلامية ونشر الإسلام ولمحدودية الموارد في ذاك الوقت.
المساجد في الخلافة الأموية
الخلافة الأموية هي الخلافة الثانية في التاريخ الإسلامي واتخذت من دمشق عاصمةً لها وحكمت من تاريخ 661 م إلى 750 م وشملت فتوحاتها عدة دول حول العالم، ففي الخلافة الأموية فُتحت الأندلس (إسبانيا في وقتنا الحاضر) وإفريقيا والمغرب وبلاد السند وجنوب الغال وبلاد ما وراء النهر، وتميز العهد الأموي بالعناية بالعمارة الإسلامية فأبدعوا في بناء القصور والمساجد، ومن أهم المساجد التي بُنيت في العهد الأموي وأبرزها نذكر ما يلي:
- مسجد قبة الصخرة في مدينة القدس بفلسطين: وبُني في خلافة عبد الملك بن مروان وهو من أجمل المساجد في التاريخ الإسلامي، وما يُميزه حقًا هو قبته التي تعلوه التي تُعدّ أهم المعالم المُقدسة لدى المسلمين لأنها بُنيت على الصخرة التي عرج منها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى السماء العليا في حادثة الإسراء والمعراج، وهو مجاور للمسجد الأقصى.
- المسجد الأموي في دمشق: وهو من أهم المساجد في العالم ويُلقب بدرة جوامع العالم، وبُنيّ في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي أمر باستقطاب أمهر المهندسين والأيدي العاملة لبناء مسجد لا مثيل له فكان كذلك، إذ غطت الفسيفساء معظم أجزاءه، وله مئذنتان تتميز الشمالية منهما بلونها الذهبي بسبب استخدام الذهب في صناعتها، وللمسجد ثلاث قبب وستة أبواب وخمسة محاريب وثلاثة مشاهد (المشهد هو مسجد صغير يُلحق بالمسجد).
ويوجد في مدينة حلب مسجد أموي يُعدّ أهم معالم المدينة ويُصنف ضمن مواقع التراث العالمي، وتنتشر عدة مساجد أموية أخرى في الأردن والعراق.
المساجد في الخلافة العباسية
تنوعت في العصر العباسي مجالات الفنون والعلوم والعمارة فاهتموا ببناء المساجد والمدارس والمُدن، واتخذوا من بغداد عاصمةً لهم، وفيما يلي سنذكر أهم المساجد التي شُيدت في الخلافة العباسية:
- مسجد سامراء الكبير: وبُني في عهد الخليفة المتوكل على الله ويُعد من أجمل المساجد التي بناها العباسيون ويُصنف بأنه أكبر جامع في العالم بمساحة كلية 38000 متر مربع، وتم تحصينه من الخارج بسور تدعمه أبراج مستديرة، وله مئذنة ملوية بشكل برج حلزوني موجودة خارج السور لهذا يُطلق عليه البعض اسم مسجد الملوية، وبُني المسجد باستخدام مادة الجص والطابوق، وتتميز الجدران بضخامتها إذ يبلغ ارتفاعها 11 مترًا، ويتسع الجامع لأكثر من 80 ألف مصلٍ وله 15 بابًا.
- مسجد أحمد بن طولون: يقع المسجد في مدينة القطائع في مصر ويُعدّ ثاني أقدم مسجد في مصر، وسُميّ بذلك نسبةً لأحمد بن طولون والي مصر في الخلافة العباسية، وشُيد المسجد على طراز جامع سامراء واستخدم ببنائه الآجر الأحمر، ويتكون المسجد من صحن مربع مكشوف مُحاط بالأروقة وتقع القبلة في أكبر هذه الأروقة، وتستند أقواس الأروقة على دعائم ضخمة من الآجر الأحمر المُغطى بطبقة من الجص، ويتميز المسجد بمئذنة حجرية موجودة في الرواق الخارجي الغربي ويُميزه منبره الخشبي.
- مسجد أبي دلف: بعد أن بنى الخليفة العباسي المتوكل على الله مسجد سامراء الكبير رَغِبَ أن ينقل مقر عاصمته على بعد بضعة أميال إلى جهة الشمال الشرقي فأمر ببناء مسجد أبي دلف وكان مُشابهًا إلى حد كبير لمسجد سامراء الكبير ولكن بمئذنة أصغر.
المساجد في الدولة العثمانية
عندما حكم العثمانيون كانوا يقومون بإنشاء مسجد أو أكثر في المناطق التي تقع تحت حكمهم، وفيما يلي سنتعرف على أهم المساجد التي بُنيت في زمن الدولة العثمانية:
- مسجد السلطان أحمد: ويُعرف أيضًا باسم الجامع الأزرق، أمر ببنائه السلطان أحمد الأول وهو من أشهر المساجد في إسطنبول وفي العالم وأضخمها، يتسع المسجد لأكثر من 10.000 مُصلٍ، وللمسجد خمس قباب كبيرة وثماني قباب صغيرة وست مآذن، ومن الداخل يوجد منطقة للصلاة في منتصفها قبة كبيرة تتوسط أربعة أنصاف قباب، وكل ركن من أركان المسجد مُغطى بقبة صغيرة.
- مسجد نور عثمانية: يقع هذا المسجد في إسطنبول ويُعرف أيضًا باسم مسجد العثمانية، وهو أول مسجد في إسطنبول بُني على الطراز الباروكي، يتكون الفناء الداخلي للمسجد من 14 قبة مبنية على 12 عمود بشكل نصف دائري، ويوجد في جدران المسجد 174 نافذة مما يسمح لضوء الشّمس بالدخول للمسجد وإنارته، وأكثر ما يلفت الانتباه في المسجد هو احتوائه على عدة نماذج من الخط العربي يمكن مشاهدتها على جميع أجزاء المسجد من مقابض الأبواب وحتى القبة.
- مسجد سليمان باشا الخادم: وهو أول مسجد في مصر تم تصميمه على الطراز العثماني ويوجد في العاصمة المصرية القاهرة، وأهم ما يميزه النقوش المزخرفة على الجدران والأسقف التي يتخللها الآيات القرآنية التي نُقشت بالخط الكوفي.